أفغانستان "بلا أصدقاء".. دولة "التسعينيات" تعود في القرن الـ21
بلد ممزق وأرقام مخيفة تحاصر نحو 39 مليون شخص في أفغانستان.. تلك الجمهورية الآسيوية "الحبيسة" المحاصرة بـ6 دول ولا يعرف سكانها النوم.
على الخريطة لا تجد أفغانستان "رئة بحرية أو دولة صديقة" ما جعلها دولة حبيسة في آسيا الوسطى؛ حيث تحيط بها ثلاث دول شمالا (طاجكستان وأوزبكستان وتركمانستان) بينما من الغرب إيران والصين شرقا وأخيرا باكستان جنوبا.
لم يعرف الأفغان منذ سبعينيات القرن الماضي حق تقرير المصير فمن غزو سوفيتي لهم ديسمبر/كانون الأول 1979 إلى حرب أهلية مستعرة استمرت لسنوات، سقط هذا البلد ضحية لموجة الحرب الأمريكية الغربية على الإرهاب بدءًا من العام 2001.
ما يخشاه الأفغان الآن هو تكرار سيناريو 1996 الكارثي حين استقال الرئيس محمد نجيب الله ثم أعدمه عناصر حركة طالبان بعد وصلة تعذيب له في كابول يوم السابع والعشرين من سبتمبر من العام نفسه.
واليوم يدور الحديث عن استقالة مرتقبة للرئيس الأفغاني أشرف غني في كابول على بعد كيلومترات من وقوف عناصر طالبان المدججين بالسلاح بعد أن سيطروا على 23 عاصمة من عواصم الولايات وأكثر من ثلثي الجمهورية.
ومن بين عشرات الأسئلة يبرز سؤال يمثل أهمية كبيرة لملايين الأفغان والمهتمين بشأن هذا البلد.. أين تقف أفغانستان بعد 20 عاما من الحرب الأمريكية - الغربية على الإرهاب؟
آلاف الضحايا
في أفغانستان ذاق الجميع طعم الخسارة البشرية، فالجيش الأمريكي فقد 2448 جنديا و3846 من المتعاقدين الأمريكيين منذ بدء عملياته في هذا البلد وحتى أبريل/نيسان 2021.
بينما تقدر خسائر الجيش الأفغاني والشرطة بنحو 66 ألف قتيل، فضلا عن 1144 قتيلا من جنود الدول الحليفة التي وقفت إلى جوار واشنطن عسكريا.
وكالمعتاد دفع المدنيون الثمن الأكبر بـ51 ألفا و191 ضحية بينما سقط 444 فردا من عمال الإغاثة و72 من الصحفيين غارقين في دمائهم خلال تلك الحرب، بحسب تقرير لوكالة أسوشيتد برس الأمريكية.
وبنهاية عام 2014 الذي يعد أكثر الأعوام دموية منذ عام 2001، أنهت قوات الناتو الدولية مهمتها القتالية، وتركت مسؤولية حفظ الأمن للجيش الأفغاني، وهو ما جعل أعداد الضحايا في تزايد، وفقا لـ"بي بي سي".
وبحسب أرقام الأمم المتحدة فإن أفغانستان تعد ثالث أكبر عدد من النازحين في العالم.
كما فر نحو 5 ملايين شخص منذ عام 2012، ولم يتمكنوا من العودة إلى ديارهم، بعضهم نزحوا داخل أفغانستان وبعضهم الآخر لجأوا إلى البلدان المجاورة.
اقتصاد غامض
بطبيعة الحال يمثل الوضع الميداني الأفغاني انعكاسا للوضع الاقتصادي في هذا البلد المنهك، إلى الحد الذي دفع البنك الدولي يصفه بـ"بحر من الغموض" في عام 2019 تأثرا بالوضع السياسي المتأزم.
ورغم تحقيق الاقتصاد الأفغاني نموا بنسبة 2.9% في عام 2019، بفضل انتعاش القطاع الزراعي، حذر البنك الدولي من تفاقم معدلات الفقر.
ما يزيد الطين بلة أن الاقتصاد الأفغاني يقوم بالدرجة الأولى على ما نسبته 75% من المنح الدولية في تمويل النفقات العامة بالبلاد.
وفي 2020 بلغ إجمالي الناتج المحلي الأفغاني 19.8 مليار دولار من بينها 2.24 مليار دولار من التصدير أبرزها الذهب والفواكه في مقابل 6.9 مليار دولار هي قيمة الواردات وأهم سلعها القمح ومعدات البترول المكرر.
أين الجيش؟
لماذا انهار جيش قوامه 300 ألف جندي بشكل سريع أمام حركة طالبان؟.. كان هذا هو السؤال الأبرز لتقرير أعدته صحيفة تليجراف البريطانية الجمعة الماضية.
فعلى مدار 15 عاما مضت ضخت دول عدة مليارات طائلة لتجهيز وتدريب عناصر الجيش الأفغاني وكان للولايات المتحدة نصيب الأسد بـ88 مليار دولار.
ورغم ذلك فر آلاف الجنود الأفغان إلى الحدود الإيرانية الطاجكية الباكستانية وسارعوا إلى تسليم عدم منافذ برية حدودية وغادروا مواقعهم في المدن والولايات.
أما صحيفة نيويورك تايمز فأكدت أن استسلام الجيش الأفغاني يتم بنفس سرعة تقدم عناصر حركة طالبان؛ ففي الأيام الأخيرة استسلمت قوات الجيش في أكثر من 15 ولاية أمام زحف طالبان، الذي بدأ في مايو/أيار.
وركزت الصحيفة الأمريكية مخاوفها على تقدم طالبان السريع وما أسفر عنه من عمليات استسلام بالجملة، والاستيلاء على طائرات مروحية، ومعدات عسكرية بملايين الدولارات قدمتها الولايات المتحدة.
ورغم ضبابية المشهد في أفغانستان، هناك شيء واحد أصبح واضحا للغاية، وهو أن الولايات المتحدة قد فشلت في محاولتها التي امتدت لنحو 20 عاماً لإعادة بناء الجيش الأفغاني، وتحويله إلى قوةٍ قتالية قوية ومستقلة.
وأرجع التقرير سبب تفكك الجيش الأفغاني، إلى الخسائر التي لحقت به قبل إعلان الرئيس بايدن أن الولايات المتحدة ستسحب قواتها بحلول 11 سبتمبر/أيلول.
سقوط الجيش الأفغاني بدأ في بؤر منعزلة بالمناطق الريفية، حيث أحاطت عناصر طالبان بوحدات الشرطة والجنود الجائعين الذين نفدت ذخيرتهم، ووعدوهم بالمرور الآمن إذا استسلموا وتركوا معداتهم، مما منح عناصر الحركة تدريجياً المزيد من السيطرة على الطرق، ثم السيطرة على مناطق بأكملها.
ومع انهيار المواقع في قبضة طالبان، كانت الشكوى هي نفسها تقريباً من جانب قوات الجيش الأفغاني "لم يكن هناك دعمٌ جوي أو نفدت الإمدادات والغذاء".
ووفقا للصحيفة، كان عدد قوات الأمن الأفغانية على الورق حوالي 300 ألف شخص، لكن مجموعها بلغ في الأيام الأخيرة سُدس هذا العدد فقط، وفقاً لمسؤولين أمريكيين.
الدولة "الطالبانية"
ربما لم يجزم تقريرا بأن حركة طالبان ستصبح بالكامل تحت حكم "طالبان"، تلك الحركة التي ظهرت خلال الحرب الأهلية التي أعقبت انسحاب القوات السوفييتية في عام 1989.
ظهرت الحركة في جنوب غربي أفغانستان ومناطق الحدود الباكستانية، متعهدة بمحاربة الفساد وإحلال الأمن، لكن عناصرها اتبعوا نمطا متشددا صارما من الإسلام، بحسب تقرير لـ"بي بي سي".
لكن مع قدوم العام 1998، كانت طالبان قد أحكمت سيطرتها بالكامل على أفغانستان، ففرضوا سلطتهم عبر عقوبات مشددة.
ألزم "الدولة الطالبانية" جميع الرجال الأفغان بإطلاق اللحى بينما تلتزم النساء بارتداء البرقع وتغطية أنفسهن بالكامل.
وكدولة تعتمد على "المظهر المتدين" بالدرجة الأولى تم حظر التلفزيون والموسيقى والسينما، وهو ما جسده مشهد قتل أحد الفنانين الأفغان في يوليو/تموز الماضي بعد سقوط مدينته تحت قبضة عناصر الحركة.
وبعد سنوات من تمركزهم على الحدود الأفغانية الباكستانية ونجاحهم في إعادة تنظيم الصفوف، تعود حركة طالبان وبتعداد 85 ألف مسلح "يُعتقد أنهم الآن أقوى من أي وقت مضى".. والهدف الأكبر "إسقاط كابول" على أمل إعادة إحياء الدولة "الطالبانية الإسلامية".
aXA6IDMuMTQyLjIwMS45MyA=
جزيرة ام اند امز