انتخابات الرئاسة الأفغانية 2019.. هل من جديد؟
إجراء الانتخابات الرئاسية الأفغانية يمثل من الناحية الرمزية قدرة مهمة لدى نظام ما بعد طالبان على البقاء في ظل بيئة أمنية وثقافية معقدة
تعد الانتخابات الرئاسية الأفغانية الأخيرة التي أجريت في 28 سبتمبر/أيلول المنقضي هي الانتخابات الرابعة في تاريخ أفغانستان منذ الإطاحة بنظام طالبان. ورغم الصعوبات العديدة التي تواجه النموذج السياسي القائم في أفغانستان فإن هناك حرصا من جانب المجتمع الدولي على تقديم الدعم السياسي واللوجستي للعملية الانتخابية. مع ذلك، لا يزال هذا النموذج، بشكل عام، والعمليات الانتخابية بمختلف مستوياتها "الرئاسية، والبرلمانية، والمحلية"، بوجه خاص، تواجه تحديات ضخمة، إلى حد دعا الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي في الأول من أغسطس/آب الماضي إلى التشكيك في جدوى الانتخابات، وإعلان معارضته لها، مؤكدا أن الأولوية يجب أن تكون لتحقيق السلام.
وأعاد كرزاي التأكيد على موقفه هذا قبل 4 أيام فقط من الانتخابات، حيث أشار إلى أن إجراء الانتخابات في هذه المرحلة "يشبه الطلب من مريض القلب الجري في ماراثون"، مؤكدا أن "هذا ليس وقت الانتخابات.. علينا أولاً أن نتوصل إلى السلام في أفغانستان ثم نجري انتخابات.. لا يمكننا إجراء انتخابات في بلد يمر بصراع مفروض عليه من الخارج".
هذا الموقف المهم الذي عبر عنه كرزاي يعكس جدلا أكاديميا مهما حول قدرة "الديمقراطية"، أو بالأحرى آليات النظام الديمقراطي "وعلى رأسها الانتخابات"، على العمل في مجتمع يعاني من صراع حاد، أو أيهما يأتي أولا: الاستقرار السياسي أو الديمقراطية؟ في ظل وجود مثل هذه الصراعات.
بشكل عام، هناك العديد من الظواهر التي جمعت بين الانتخابات الرئاسية الأخيرة وجميع الانتخابات الرئاسية التي شهدتها البلاد منذ إزاحة نظام طالبان في عام 2001 وإجراء أول انتخابات رئاسية في عام 2004 حتى انتخابات سنة 2014 .
الظاهرة الأولى
هي إجراء جميع هذه الانتخابات في ظل بيئة أمنية هشة، بسبب إصرار حركة طالبان على رفض النموذج السياسي الذي تم تدشينه بعد الحرب، بدءا من الدستور الأفغاني الجديد وانتهاء بالنخبة الحاكمة ذاتها، ومرورا ببعض ملامح "الأنظمة" الاجتماعية والثقافية التي ارتبطت بهذا النموذج السياسي الجديد، وعلى رأسها حق المرأة في التعليم، وإفساح المجال أمام الأقليات الدينية والعرقية الأفغانية للاضطلاع بتمثيل وبدور أكبر في الحياة السياسية.
في هذا السياق، ارتبطت جميع الانتخابات السابقة بصدور تهديدات مسبقة من جانب حركة طالبان للمواطنين بعدم المشاركة في الانتخابات واستهداف العملية الانتخابية، وتنفيذ مجموعة من العميات الإرهابية للتأكيد على مواقفها تلك.. لكن رغم ذلك لم يحل هذا الموقف من جانب طالبان دون إجراء الانتخابات الرئاسية، وغيرها من الاستحقاقات الانتخابية الأخرى البرلمانية والمحلية. كما لم تحل أيضا دون المشاركة السياسية من جانب المواطنين والقوى السياسية الأفغانية في هذه الانتخابات، سواء على مستوى الترشح أو التصويت. وظل التأثير يتعلق فقط بحجم هذه المشاركة.
ورغم الدور المحوري الذي لعبته البيئة الأمنية في الإبقاء على حجم المشاركة السياسية في أفغانستان عند مستويات محدودة نسبيا طوال الخمسة عشر عاما السابقة، فإن هذه البيئة ليست هي العامل الوحيد.. فقد تضافرت هذه البيئة مع قائمة أخرى من العوامل المهمة، جاء في مقدمتها ضعف الإمكانات المالية والفنية والبشرية المتاحة لدى الحكومة الأفغانية والأجهزة المعنية بإجراء الانتخابات، ممثلة بالأساس في "اللجنة المستقلة للانتخابات".
وقد ضاعف من التأثيرات السلبية لهذه الإمكانات المحدودة الواقع الجغرافي المعقد في أفغانستان، خاصة البيئة الجبلية الوعرة، وضعف الطرق الممهدة المباشرة بين المناطق الجغرافية والمراكز الانتخابية.
البيئة الأمنية والإمكانات المحدودة والواقع الجغرافي لعبوا دورا في عدم إعطاء طابع "قومي" حقيقي للعملية الانتخابية، من أكثر من زاوية. فمن ناحية، ما زالت تجد اللجنة المستقلة للانتخابات صعوبات شديدة في إدارة العملية الانتخابية، بدءا من عمليات تسجيل الناخبين التي تسبق عملية التصويت، وعدم القدرة على فتح مكاتب التسجيل في بعض الولايات أو المناطق داخل بعض الولايات، ما يؤدي إلى حرمان عدد كبير من المواطنين في سن الانتخاب من المشاركة في عملية التصويت.
وتكمن خطورة هذه المشكلة في أنها أخذت بعدا عرقيا بسبب تركز هذه المشكلة في الولايات التي تتركز فيها الأكثرية البشتونية "مناطق تركز طالبان"، ما أدى في النهاية إلى إثارة جدل حول عدم قدرة الأكثرية البشتونية على التسجيل في سجلات الناخبين، أو عدم قدرتها على التصويت، وهو ما أكده ذيكرا باراكزاي نائب رئيس لجنة الانتخابات في ديسمبر/ كانون الأول 2008 "قبل انتخابات 2009" عندما أشار إلى أن معدلات التسجيل في مناطق البشتون محدودة للغاية.
من ناحية ثانية، انعكست هذه الأوضاع على قدرة اللجنة على إجراء عملية فرز الأصوات على مستوى قومي، بسبب الصعوبات الخاصة بعمليات نقل الصناديق بشكل آمن، الأمر الذي يؤخر عمليات إجراء الفرز لعدة أسابيع، وإعلان النتيجة على أكثر من مرحلة.. ولم يقتصر تأثير هذه البيئة على أداء لجنة الانتخابات، لكنه امتد إلى المرشحين أنفسهم، خاصة عدم قدرتهم على تنفيذ حملات انتخابية على المستوى القومي، الأمر الذي يضطرهم إلى التركيز على مجموعة من الولايات أو مناطق معينة من هذه الولايات.. وفي الانتخابات الأخيرة، على سبيل المثال، اضطر أحد المرشحين (محمد حنيف أطمار) إلى تعليق حملته الانتخابية في أغسطس/آب 2019، معللا انسحابه بالأوضاع الأمنية .
الظاهرة الثانية
هي ارتفاع عدد المرشحين، الذي بلغ 23 مرشحا في انتخابات سنة 2004، انسحب منهم خمسة قبل يوم الانتخابات، ليقتصر التنافس على 18 مرشحا.
وقد ارتفع هذا العدد في انتخابات سنة 2009 إلى 44 مرشحا، انسحب منهم 3 قبل إجراء الانتخابات ليقتصر التنافس على 41 مرشحا.. وفي سنة 2014 بلغ عدد المرشحين 11 مرشحا انسحب منهم 3 قبل إجراء الانتخابات.
أما في الانتخابات الأخيرة فقد بلغ عدد المرشحين 18 مرشحا، أبرزهم أشرف غني، وعبدالله عبدالله، وقلب الدين حكمتيار.. وقد أعلن اثنان منهم وقف حملاتهم الانتخابية (محمد حنيف أطمار، وزلماي رسول الذي أعلن دعمه لأشرف غني).
ظاهرة ارتفاع عدد المرشحين تشير في جانب منها إلى بعد إيجابي، إذ تعكس درجة كبيرة من "التسييس" داخل المجتمع الأفغاني، وحرص مختلف القوى والتيارات السياسية والمكونات العرقية على المشاركة في الحياة السياسية.. لكنها تساهم من ناحية أخرى في تفتيت الأصوات خلال الجولة الأولى من الانتخابات، ومن ثم عدم قدرة أي مرشح على الحصول على النسبة المطلوبة دستوريا لحسم الانتخابات في هذه الجولة (50%+1 من إجمالي الأصوات الصحيحة).. فقد شهدت جميع الانتخابات الرئاسية منذ عام 2004 وحتى الآن جولة ثانية، باستثناء انتخابات سنة 2009 التي أُلغيت فيها الجولة الثانية بسبب انسحاب المرشح الذي جاء في الترتيب الثاني .
الظاهرة الثالثة
تمثلت في ارتباط بعض هذه الانتخابات بحدوث صراع بين المتنافسين الرئيسيين حول دقة ومشروعية النتائج المعلنة من جانب لجنة الانتخابات.. حدث هذا بشكل لافت عقب الجولة الأولى في انتخابات سنة 2009، عندما اتهم عبدالله عبدالله منافسه، الرئيس حامد كرزاي، ولجنة الانتخابات بالتلاعب في النتائج، مطالبا بتغيير رئيس اللجنة، ما أدى إلى حدوث أزمة كبيرة انتهت بإعلان عبدالله عبدالله في عدم المشاركة في الجولة الثانية، بسبب عدم الوفاء بمطالبه.
تلا ذلك إعلان اللجنة في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني إلغاء الجولة الثانية وفوز كرزاي رسميا، ليبدأ الأخير فترته الرئاسية الثانية باتهامات من جانب منافسه بعدم مشروعية نتائج الانتخابات، بل وعدم وجود أساس قانوني لإلغاء الجولة الثانية وافتقاد اللجنة صلاحية إعلان فوز كرزاي.. الأمر ذاته تكرر في انتخابات سنة 2014، حيث رفض عبدالله عبدالله النتائج الأولية للجولة الثانية التي أُعلنت في 7 يوليو/تموز 2014 بفوز محمد أشرف غني بنسبة 56.44% مقابل 43.56% لعبدالله عبدالله، ما أدى إلى حدوث أزمة سياسية كبيرة، لم تنته إلا بتدخل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث نجح وزير الخارجية الأمريكية آنذاك، جون كيري، في إقناع طرفي الأزمة بقبول نموذج لتشارك السلطة، يتولى بموجبه عبدالله عبدالله منصب الرئيس التنفيذي "منصب تم استحداثه" بصلاحيات محددة، مقابل الإعلان رسميا عن فوز أشرف غني، وهو ما تم بالفعل، حيث أعلنت لجنة الانتخابات بعد ساعات من الإعلان عن هذا الاتفاق النتائج النهائية للانتخابات بفوز أشرف غني.
ومن المرجح استقرار هذه الظاهرة في أفغانستان بسبب عوامل عدة، أبرزها حداثة الديمقراطية الأفغانية، وضعف الثقافة الديمقراطية بشكل عام. لكن العامل الأهم يتعلق بما سبق مناقشته، وهو ضعف الطابع القومي لإدارة العملية الانتخابية، خاصة صعوبة التواصل المتزامن بين اللجان الانتخابية، ما أدى إلى إدارة هذه العملية بشكل لامركزي وصعوبة هيمنة لجنة الانتخابات على عملية فرز الأصوات وإعلان النتائج بشكل كامل، الأمر الذي سمح للمرشحين ومندوبيهم بإعلان النتائج على مستوى كل نقطة فرز وسحبها على المستوى القومي دون سند حقيقي.. كما أصبحت هذه الطريقة إحدى الآليات التي يلجأ إليها المرشحون لتصدير نتائج محددة، أو محاولة لقطع الطريق على أي عمليات تلاعب محتملة في عمليات الفرز.
ولا تمثل الانتخابات الأخيرة استثناء من هذه الظاهرة، فرغم عدم تكرار سيناريو أزمة سنة 2009 بالضرورة، لكن بعض ملامح هذه الأزمة بدأت في الظهور مع إعلان عبدالله عبدالله -أبرز المنافسين للرئيس أشرف غني- في 30 أغسطس (أي بعد أقل من يومين من إغلاق باب التصويت) فوزه في الانتخابات بأغلبية الأصوات، وأنه لن تكون هناك جولة ثانية، وذلك قبل صدور أي بيانات رسمية عن اللجنة المستقلة للانتخابات وحتى قبل الإعلان عن أية نتائج مرحلية.
الظاهرة الرابعة هي سيطرة الأكثرية البشتونية على موقع الرئاسة، بدءا من انتخاب حامد كرزاي رئيسا للبلاد في عام 2004 لفترتين رئاسيتين متتاليتين حتى عام 2014، ثم الرئيس أشرف غني الذي انتخب في عام 2014 حتى نهاية مدته الرئاسية الحالية التي ستنتهي مع إعلان النتائج الرسمية النهائية للانتخابات الحالية في نوفمبر القادم.. وحتى مع نجاح عبدالله عبدالله في هذه الانتخابات، ورغم قربه من الطاجيك "عمل مع تحالف الشمال وأحمد شاه مسعود"، لكنه ينتمي في النهاية إلى الأكثرية البشتونية.
وعلى الرغم من أن البشتون يمثلون الأكثرية العرقية في أفغانستان فإن هذا لا ينفي وجود "معضلة عرقية" تاريخية، لم يستطع نظام ما بعد طالبان تسويتها.. فقد نشأ أثناء كتابة الدستور الجديد جدل كبير بين النخب العرقية الأفغانية حول مسألة الفيدرالية.
وطرح ممثلو الأوزبك بقيادة الجنرال عبدالرشيد دوستم، والشيعة الهزاره بقيادة محمد كريم خليلي، الأخذ بالدولة الفيدرالية ونظام الحكم البرلماني.. أما ممثلو البشتون فقد أصروا على الأخذ بنموذج الدولة البسيطة الموحدة والنظام السياسي الرئاسي بدعوى أن الدولة الفيدرالية قد تقود إلى تقسيم أفغانستان.. أما الطاجيك، فإن وضعهم بعد الحرب كطرف منتصر، بالإضافة إلى علاقتهم بالولايات المتحدة، رفعت سقف طموحاتهم من مجرد حبسهم في حكومة محلية في إطار النظام الفيدرالي، إلى أن يكونوا شركاء في حكم الدولة الجديدة، إن لم يكونوا هم الحكام الجدد.. وقد انتصر في نهاية الأمر الاتجاه المؤيد للدولة الموحدة أثناء كتابة الدستور، ليس بسبب قوة البشتون فقط، ولكن أيضا بسبب تفضيل الطاجيك لهذا البديل.
وجاءت المادة الأولى من الدستور لتؤكد أن "أفغانستان جمهورية إسلامية، مستقلة، موحدة، لا تتجزأ". ورغم اعتراف المادة الرابعة بجميع العرقيات والقبائل المكونة للشعب الأفغاني، إلا أنه لم يعترف بالعرق كأساس لأي شكل من أشكال توزيع الموارد السياسية أو الاقتصادية، فنص على التزام الدولة بمبدأ المساواة بين جميع القبائل، والتنمية المتوازنة بين جميع المناطق الجغرافية.. وكانت المادة (50) أكثر وضوحا في هذا السياق عندما نصت على استناد عملية التجنيد داخل مؤسسات الدولة على معايير الجدارة وعدم التمييز والالتزام بالقانون، ما يعني حظر المحاصصة أو نظام الكوتة داخل البيروقراطية.
وقد تكرر الأمر ذاته فيما يتعلق باللغات المستخدمة، فقد اعترف الدستور بلغتي "الباشتو والداري" باعتبارهما اللغتين الرسميتين للدولة، كما اعترف بباقي اللغات، والتي حصر منها: الأوزبكية، والتركمانية، والبالوتشية، والباشاي، والنورستانية، والباميرية، كلغات ثالثة في المناطق التي يشكل أصحابها الأغلبية في هذه المناطق.. كما اعترف بحرية استخدام جميع اللغات المشار إليها في الصحافة والإعلام (مادة 16).
وهكذا، فقد انتصر الدستور الأفغاني الجديد لوجهة النظر التي تقول بأن اعتماد نموذج الدولة الموحدة البسيطة يمثل أحد المداخل المهمة للحفاظ على وحدة الدولة في حالة المجتمعات المتعددة عرقيا، وأن اعتماد العرق أو الدين كأساس لتوزيع الموارد السياسية والاقتصادية يمكن أن يفضي إلى تقسيم الدولة وانهيارها.. لكن في الوقت ذاته، فإن التجاهل الكامل للتنافس/الصراع العرقي القائم في البلاد وعدم التأسيس الدستوري لصيغة ما لاستيعاب هذا التعدد واحتوائه قد لا يعني سوى هروب من هذه المشكلة التاريخية، رغم اعتراف الدستور بحالة التعددية تلك. وعلى العكس، فإن اعتراف الدستور بهذه العرقيات واللغات المستخدمة يؤسس مشروعية دستورية للمطالب السياسية العرقية.. وقد تعمقت هذه المشكلة مع أخذ الدستور الأفغاني بنموذج النظام الرئاسي، الأمر الذي قطع الطريق على آلية أخرى لاستيعاب الطموحات السياسية العرقية.
وكان الاستقطاب أكثر وضوحا فيما يتعلق بطبيعة النظام السياسي، فبينما عارض ممثلو الطاجيك والأوزبك والهزاره بديل النظام الرئاسي، خوفا من أن يؤدي هذا النظام إلى استبعادهم أو تهميشهم سياسيا، فقد تمسك ممثلو البشتون، ورئيس الحكومة الانتقالية آنذاك حامد كرزاي، بضرورة الأخذ بنظام رئاسي قوي.
وقد استند موقف ممثلو البشتون إلى عدد من الحجج، أبرزها أن هذا النظام هو الأكثر قدرة على الحفاظ على تماسك الدولة الأفغانية، وتكريس اعتمادية منصب الرئيس على دعم مختلف العرقيات، في ضوء عدم امتلاك أي من الجماعات العرقية القدرة على ضمان فوز مرشح بعينة، بما في ذلك البشتون، الذين يمثلون العرق الأكبر داخل المجتمع الأفغاني لكنهم لا يمثلون الأغلبية.
وقد انتصر هذا الاتجاه بالفعل، حيث انتهت اللويا جيرجا (مجلس القبائل الأفغانية) إلى إقرار النظام الرئاسي، بعد إدخال بعض التعديلات، حيث تم استحداث منصبين لنائب الرئيس بهدف توفير فرصة لاستيعاب أكبر عدد ممكن من العرقيات الأخرى على مستوى مؤسسة الرئاسة، كما استبعد أي أساس عرقي لمنصب الرئيس، سواء فيما يتعلق بشروط الترشيح لمنصب الرئاسة أو فيما يتعلق بطبيعة النظام الانتخابي.
ولأن البشتون لا يمثلون أغلبية داخل المجتمع (42%)، فإن جميع المرشحين لمنصب الرئاسة، بمن في ذلك المرشح البشتوني، أضحوا مطالبين بمخاطبة ود باقي العرقيات، أو عرقية واحدة على الأقل بافتراض أن عملية التصويت تتم على أساس عرقي كامل.. كما أضحى مضطرا لتوزيع منصبي نائب الرئيس على أساس عرقي لتحقيق الهدف ذاته.
لكن مع أهمية النصوص الدستورية السابقة، وما استهدفته من تمييع للأساس العرقي على مستوى منصب الرئاسة، تظل هناك 3 ملاحظات مهمة يمكن الإشارة إليها في هذا الصدد.. الملاحظة الأولى أن النظام الرئاسي يعد نظاما دخيلا على مسار التطور السياسي في أفغانستان التي عرفت تاريخيا النظام السياسي البرلماني.
أما الملاحظة الثانية فهي أنه رغم توسيع فرصة تمثيل مختلف العرقيات من خلال استحداث منصبي نائب الرئيس، إلا أن الدستور لم يلزم المرشح لمنصب رئيس الجمهورية -أيا كان انتماؤه العرقي- بأي أساس عرقي في توزيع منصبي نائب الرئيس، فالأمر يظل متروكا في النهاية لتقديرات المرشح لاتجاهات التصويت داخل مختلف العرقيات، كما يعتمد في جزء كبير منه على الانتماء العرقي للمرشح، فدرجة حاجة المرشح البشتوني إلى نائب أو أكثر من خارج البشتون تقل كثيرا عن حاجة المرشح الطاجيكي أو الأوزبكي لنائب من البشتون.
والملاحظة الثالثة أنه ربما كان من الأفضل الأخذ بالنظام البرلماني أو المختلط، ليس فقط باعتباره النظام الأقرب إلى الخبرة السياسية الأفغانية، لكن كان بإمكانه الحفاظ على حالة التوازن أو الاستيعاب العرقي.
وهكذا، ورغم أن إجراء الانتخابات الرئاسية الأفغانية يمثل من الناحية الرمزية قدرة مهمة لدى نظام ما بعد طالبان على البقاء في ظل بيئة أمنية وثقافية معقدة، لكن هذه الانتخابات تكشف من جديد عن بعض المشكلات المهمة التي ما زالت تحتاج إلى مراجعة من جانب النخبة الأفغانية.
** د. محمد فايز فرحات خبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ومتخصص في الدراسات الآسيوية
aXA6IDMuMTQ1LjU2LjE1MCA= جزيرة ام اند امز