أفغانستان.. سقوط حر في قبضة طالبان
ما بين هزائم واستسلام للقوات الحكومية، يواصل طوفان حركة طالبان ابتلاع عواصم ولايات أفغانستان، وسط محاولات لتأخير سقوط العاصمة كابول.
وفجر الجمعة، قالت حركة طالبان إنّها استولت على قندهار ثاني أكبر مدينة في أفغانستان، كما أعلنت مصادر محلية سقوط مدينة لشكركاه عاصمة ولاية هلمند (جنوب) و"هرات"، ثالث أكبر مدينة في البلاد، وكذلك مدينة "فيروز كوه" في ولاية غور (غرب) دون أي قتال، ما يترك العاصمة فقط وبعض الجيوب حولها تحت سيطرة قوات الحكومة الأفغانية.
وأمس الخميس، سيطرت الحركة على مدينة غزنة الواقعة على بعد 150 كيلومترا جنوب غرب العاصمة الأفغانية كابول، وبذلك أصبحت نحو 15 عاصمة ولاية تحت سيطرة طالبان.
ومؤخرا، سيطرت الحركة على كل من "فايزآباد" (ولاية بداخشان) و"بل خمري" (ولاية بغلان) و"فراه" (ولاية بنفس الاسم) و"إيبك" (ولاية سامانجان) و"زرنج" (ولاية نمروز) و"تالقان" (تخار) و"شبرغان" (جوزجان) و"ساري بول" و"قندوز" عاصمتي ولايتين تحملان نفس الاسم.
ويغذي سقوط العواصم الكبرى للولايات في أيدي "طالبان" شراهة الحركة على التهام المزيد من المدن، قبل أسابيع قليلة من الانسحاب النهائي للقوات الأمريكية.
كابول في الطريق
وغزنة هي أقرب عاصمة ولاية من كابول تحتلها طالبان منذ أن شنت هجومها في مايو/أيار الماضي.
فيما كشفت تقديرات مخابراتية أمريكية أن حركة طالبان قادرة على عزل العاصمة الأفغانية كابول في غضون 30 يوما وقد تسيطر عليها خلال 3 أشهر.
ونقلت "رويترز" عن مسؤول دفاعي أمريكي، الأربعاء، قوله إن تقديرات المخابرات الأمريكية تشير إلى أن عناصر حركة طالبان قد يعزلون العاصمة الأفغانية في غضون 30 يوما وربما يسيطرون عليها في 90 يوما.
حرب أهلية وعودة القاعدة
وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، حذر من أن أفغانستان تتجه لحرب أهلية وعلى الغرب أن يتفهم أن طالبان ليست كيانا واحدا، وإنما هي مسمى لعدد كبير من المصالح المتنافسة.
وقال في تصريحات لهيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي): "اكتشفت بريطانيا في ثلاثينيات القرن التاسع عشر أنها (أي أفغانستان) دولة يقودها أمراء الحرب وتقودها أقاليم وقبائل مختلفة، وما لم تكن حذرا جدا سينتهي بك الأمر إلى حرب أهلية، وأعتقد أننا نتجه نحو حرب أهلية بأفغانستان".
وأضاف ردا على سؤال عن احتمال عودة قوات بريطانية إلى أفغانستان: "سأترك كافة الخيارات مطروحة، إذا كان لدي رسالة لطالبان من المرة السابقة فسوف تكون (إذا بدأتم في استضافة القاعدة ومهاجمة الغرب أو بلدان أخرى، فسوف نعود)".
ولفت إلى أنه "قلق للغاية من أن تكون الدول الفاشلة تمثل أرضا خصبة لأمثال هؤلاء... القاعدة ستعود على الأرجح".
طمأنة أمريكية
الخارجية الأمريكية قالت إن وزيري الدفاع والخارجية تحدثا مع الرئيس الأفغاني أشرف غني، وأبلغاه بأن واشنطن لا تزال تدعم الأمن والاستقرار في أفغانستان.
وأضافت في بيان أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن أبلغا غني أن واشنطن تخفض وجودها المدني في كابول في ضوء "تطور الوضع الأمني" وستزيد وتيرة رحلات الهجرة للأفغان الذين ساعدوا الجهود الأمريكية في أفغانستان.
وذكر البيان أن الوزيرين قالا أيضا إن الولايات المتحدة ملتزمة بالحفاظ على علاقات دبلوماسية وأمنية قوية مع الحكومة الأفغانية.
الموت بكرامة
ولرفع معنويات الجيش والقوات الحكومية، أجرى الرئيس الأفغاني أشرف غني زيارة خاطفة إلى مدينة مزار الشريف شمالي البلاد.
وأصبح مسلحو طالبان في وضع يسمح لهم بالتقدم من عدة اتجاهات صوب مزار الشريف، أكبر مدينة في المنطقة والتي سيوجه سقوطها صفعة مدمرة لحكومة غني في كابول.
وتعتبر مزار الشريف مدينة تاريخية ومفترق طرق تجاري، فضلا عن أنها من الدعائم التي استندت إليها الحكومة الأفغانية للسيطرة على شمال البلاد.
وتعهد عطا محمد نور وهو قائد قوات موالية للحكومة في الشمال بالقتال حتى النهاية، قائلا إنه ستكون هناك "مقاومة حتى آخر قطرة من دمي".
وكتب على تويتر: "أفضل الموت بكرامة على الموت يأسا".
عزلة دولية
وفي مواجهة تصاعد نفوذ طالبان، حذر الاتحاد الأوروبي الحركة من أنها ستواجه عزلة دولية إذا استولت على السلطة من خلال العنف.
وقال جوزيب بوريل، منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي في بيان: "إذا تم الاستيلاء على السلطة بالقوة وإعادة تأسيس إمارة إسلامية، فإن طالبان ستواجه عدم الاعتراف والعزلة ونقص الدعم الدولي واحتمال استمرار النزاع وعدم الاستقرار الذي طال أمده في أفغانستان".
وأضاف "يعتزم الاتحاد الأوروبي مواصلة شراكته ودعمه للشعب الأفغاني، لكن الدعم سيكون مشروطا بتسوية سلمية وشاملة، واحترام الحقوق الأساسية لجميع الأفغان، بمن فيهم النساء والشباب والأقليات".
وشدد على أنه "من الضروري الحفاظ على المكاسب الكبيرة التي حققتها النساء والفتيات خلال العقدين الماضيين بما فيها الوصول إلى التعليم".
ودعا البيان إلى "الوقف الفوري للعنف الدائر"، وحض طالبان على استئناف محادثات السلام مع الحكومة في كابول.
وأضاف: "الاتحاد الأوروبي يدين الانتهاكات المتزايدة للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، خصوصا في المناطق التي تسيطر عليها طالبان وفي المدن".
وقال بوريل إن الكتلة التي تضم 27 بلدا شجعت أيضا السلطات في كابول "على تسوية الخلافات السياسية وزيادة تمثيل جميع الأطراف والتعامل مع طالبان من منظور موحد".
بدوره، قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس، إن المجتمع الدولي لن يعترف بأي حكومة تسيطر على أفغانستان بالقوة، في رسالة مباشرة إلى حركة طالبان.
قلق روسي
تخوفات أمنية روسية تتصاعد عقب سيطرة حركة "طالبان" على الحدود الأفغانية مع طاجيكستان وأوزبكستان.
وقال وزير الدفاع سيرجي شويجو، الأربعاء، إن "سيطرة عناصر طالبان على الحدود الأفغانية مع طاجيكستان وأوزبكستان تعزز مخاوف موسكو الأمنية".
وأشار إلى أن "طالبان" تعهدت بعدم عبور الحدود، لكن موسكو ستواصل إجراء تدريبات مشتركة مع حلفائها في المنطقة.
وتدير روسيا قاعدة عسكرية في طاجيكستان وهي بدورها عضو في تكتل عسكري تقوده موسكو، وهو ما يعني أن موسكو ستكون ملزمة بحمايتها إذا تعرضت لاجتياح حيث يرتبط البلدان بعلاقات وثيقة.
مجلس الأمن
وقال دبلوماسيون إن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يناقش مسودة بيان تندد بهجمات حركة طالبان على مدن وبلدات أفغانية.
وتهدد مسودة البيان بفرض عقوبات بسبب انتهاكات وأعمال تهدد السلم والاستقرار في أفغانستان.
ويتعين أن يوافق أعضاء المجلس الخمسة عشر جميعا على البيان الرسمي، الذي أعدت مسودته إستونيا والنرويج.
وتؤكد المسودة أيضا أن "المجلس لا ولن يدعم إقامة أي حكومة في أفغانستان يتم فرضها بالقوة العسكرية".
وتقول المسودة "يندد مجلس الأمن بأشد العبارات الممكنة بالهجمات المسلحة لحركة طالبان على مدن وبلدات في أنحاء أفغانستان، فيما أسفر عن سقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى المدنيين".
وتؤكد المسودة أيضا أن المجلس مستعد "لفرض عقوبات إضافية على المسؤولين عن انتهاكات لحقوق الإنسان، أو انتهاكات للقانون الإنساني الدولي، بمن فيهم الضالعون في هجمات استهدفت مدنيين".
تقاسم السلطة
وتصاعدت وتيرة العنف والقتال في أفغانستان في ظل تعثر المفاوضات بين طرفي النزاع الأفغاني، للتوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار، وبحث المستقبل السياسي للبلاد.
فيما قال مصدر مطلع، الخميس، إن مفاوضي الحكومة الأفغانية قدموا عرضا جديدا لحركة طالبان لإنهاء العنف في أفغانستان.
وأوضح المصدر المتواجد ضمن فريق التفاوض الحكومي لـ"فرانس برس" أن الفريق عرض على حركة طالبان اتفاقا لتقاسم السلطة مقابل وقف العنف الذي يجتاح البلاد.
وتابع المصدر طالبا عدم الكشف عن هويته: "نعم، قدمت الحكومة عرضا. الاقتراح يسمح لطالبان بتقاسم السلطة مقابل وقف العنف في البلاد".
ماذا فعل الأمريكان؟
في عام 2001، كانت الولايات المتحدة ترد على هجمات الحادي عشر من سبتمبر على نيويورك وواشنطن، والتي قُتل فيها ما يقرب من 3000 شخص. وحمل المسؤولون حينها تنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن المسؤولية عن الهجوم.
كان بن لادن في أفغانستان، تحت حماية حركة طالبان التي كانت تمسك بزمام السلطة منذ عام 1996.
وعندما رفضوا تسليمه، تدخلت الولايات المتحدة عسكريا، وسرعان ما أزاحت القوات الأمريكية طالبان وتعهدت بدعم الديمقراطية والقضاء على التهديد الإرهابي.
وبعد 20 عاما من الحرب، تنسحب القوات الأجنبية من أفغانستان في أعقاب اتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان.
aXA6IDMuMTQ0LjQzLjE5NCA= جزيرة ام اند امز