هل تذكرون الطفل الأفغاني مرتضى أحمدي؟ إذا كنتم نسيتم قصته فها هي طالبان تعيد الطفل والقصة إلى الأضواء من جديد.
هل تذكرون الطفل الأفغاني مرتضى أحمدي؟ إذا كنتم نسيتم قصته فها هي طالبان تعيد الطفل والقصة إلى الأضواء من جديد.
قبل عامين، في الرابع والعشرين من شهر يناير 2016، تداولت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي صورة مرتضى وهو يرتدي كيساً بلاستيكياً مماثلاً لقميص منتخب الأرجنتين الأزرق والأبيض، عليه اسم ميسي نجم فريق برشلونة الإسباني والرقم 10 الذي يشتهر به.
أي إسلام هذا الذي تدّعي طالبان أنها تمثله وهي لا تكتفي بقتل الكبار، وإنما تغتال أحلام الصغار أيضاً؟ وعلى خطى طالبان تمضي الجماعات والتنظيمات التي تتخذ من الإسلام شعاراً لها وهي أبعد ما تكون عنه
وقبل أن يلملم عام 2016 أوراقه ويرحل، كان النجم الأرجنتيني الشهير يحقق حلم الطفل الأفغاني الصغير، ويدخل معه أرض الملعب في المباراة الودية التي جمعت الفريق الكتالوني مع نادي الهلال السعودي في شهر ديسمبر من العام نفسه، ويهديه قميصين موقّعين منه، وكرة قدم.
أمنية كان تحقيقها سيمثل قمة السعادة لأي طفل في العالم عدا أفغانستان، فقد تحول حلم مرتضى أحمدي إلى كابوس مرعب، عانت منه عائلته على مدى عامين كاملين، حتى اضطرت إلى الفرار من مقاطعة جاغوري، حيث كانت تقيم، واللجوء إلى العاصمة كابول، تحت قصف طالبان ومطاردتها، خاصة بعد ما تناهى إلى سمعها أن طالبان تبحث عن مرتضى، وتتوعد بتقطيعه إرباً إرباً إذا ما عثرت عليه، وفقاً لما قالته والدته شفيقة لوكالة الأنباء الفرنسية، التي التقت العائلة في غرفة صغيرة مستأجرة في كابول، حيث روت شفيقة، التي غطت وجهها بوشاح، للوكالة كيف اضطر أفراد من العائلة للفرار من منزلهم تحت جنح الظلام بعد اندلاع الاشتباكات.
وقالت إنهم لم يتمكنوا من أخذ أي من حاجياتهم، وكان أغلى ما تركه مرتضى خلفه كرة القدم، والقميص الموقع من ميسي.
طالبان، التي حكمت أفغانستان خلال الأعوام من 1996 إلى 2001، نادراً ما كانت تسمح بإقامة نشاطات رياضية. وقد حولت، أثناء فترة حكمها، ملعب كرة القدم في كابول إلى مكان لتنفيذ أحكام الرجم والإعدام التي كانت تصدرها ضد من يخالف القوانين التي كانت تصدرها، وتزعم أنها تطبق من خلالها الشريعة الإسلامية.
لهذا قالت والدة مرتضى إنها أخفت وجه طفلها بوشاح أثناء الفرار من مقاطعة جاغوري، خوفاً من أن تنكشف هويته.
ترى هل يشعر مرتضى وعائلته الآن بالأمان في كابول؟ يقول شقيقه هومايون: «نحن قلقون من حصول أمر سيئ إذا عرفوا هوية مرتضى». أما الطفل البالغ من العمر سبعة أعوام فينصبّ اهتمامه على أمرين؛ كرته وقميصه.
ويقول: «أريد استعادتهما حتى أتمكن من اللعب.. اشتقت لميسي». ويضيف: «عندما أراه.. سأدخل معه أرض الملعب، وأشاهده يلعب. أريد أن أكون إلى جانبه، أن يساعدني في الخروج من هنا. عندما أكبر، أريد أن أصبح أنا أيضا ميسي».
أي إسلام هذا الذي تدّعي طالبان أنها تمثله وهي لا تكتفي بقتل الكبار، وإنما تغتال أحلام الصغار أيضاً؟ وعلى خطى طالبان تمضي الجماعات والتنظيمات التي تتخذ من الإسلام شعاراً لها وهي أبعد ما تكون عنه.
تزرع في نفوس الأطفال الرعب منذ الصغر، تشغلهم بقضايا اختلف عليها الكبار، وهم لمّا يعيشوا بعد طفولتهم، ولمّا يعرفوا الحياة بحلوها ومرها. فقبل أيام أثار عنوان كتاب للأطفال جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي حول حقيقة الكتاب.
ونشرت حسابات على فيسبوك صورة الكتاب الذي عنوانه «عذاب القبر للأطفال» لمؤلفه أسامة عبدالسميع، فيما انتشرت حوارات حول ماهية نشر هذه الكتب التي تستهدف الأطفال بشكل خاص. وبادرت الدار المصرية التي نشرت الكتاب إلى التصريح بأن كافة النسخ المطبوعة من الكتاب قد نفدت من مخازن المكتبة مند 18 عاما، وأن صاحب الكتاب قد توفّي منذ 15 عاماً.
نفاد الكتاب من المكتبات ووفاة كاتبه لا يعنيان أن أثره قد زال، فتداول عنوان الكتاب في وسائل التواصل الاجتماعي فتح من جديد موضوع صياغة فكر الأطفال، وتوجيه اهتماماتهم نحو أمور تغرس في نفوسهم الخوف بدلاً من الأمان، وتدفعهم إلى اتخاذ مواقف عدائية من الآخرين الذين قد يختلفون عنهم في الدين، أو المذهب، أو العرق، أو المنهج الفكري والعقيدة اللذين يسيطران على فكرهم، ويدفعانهم إلى اتخاذ قرارات تصب في خانة العنف الذي يمارسونه كأسلوب حياة وطريقة لفرض أفكارهم وعقائدهم ومنهجهم في الحياة على الآخرين.
هذا الأسلوب من التفكير هو الذي دفع طالبان إلى مطاردة طفل صغير حلم بارتداء قميص المنتخب الأرجنتيني وحمل رقم نجمه الأول، فعمل النجم العالمي على تحقيق حلمه عندما سمع عنه.
وهي مطاردة تبدو في ظاهرها غير متكافئة، كونها تحدث بين تنظيم مسلح وطفل أعزل، لكن نتيجتها ستكون لصالح الطفل الأعزل، إذا ما علمنا أن التطرف هو الاستثناء، وأن الاعتدال هو الأصل الذي قامت عليه كل الأديان السماوية ومناهج الحياة السليمة.
من أجل هذا تعمل دولة الإمارات العربية المتحدة على ترسيخ مبدأ الاعتدال، وتدعو إلى التعايش بين الأديان. وفي هذا الإطار انعقد خلال الأيام الماضية في أبوظبي الملتقى السنوي الخامس لـ«منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة» تحت عنوان «حلف الفضول - فرصة للسلم العالمي».
وأكد سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، خلال افتتاح الملتقى، أن دولة الإمارات لديها نهج راسخ قائم على ترسيخ قيم التسامح والتعايش بين الشعوب، والسلم وتعزيز الحوار بين الأديان بما يحقق الخير للبشرية جمعاء.
إذا كانت طالبان قد سرقت من مرتضى قميص ميسي، فإن مرتضى سرق من طالبان الأضواء، وعرّاها، وكشف حقيقتها.
نقلا عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة