تم اللجوء لمرتزقة ومتمردين من تشاد وإرهابيين ليبيين دخلوا مرزق بهدف زعزعة الاستقرار وزرع الفتنة بين العرب وعرقية التبو.
لاحظنا في أفريقيا خلال الأسابيع الماضية كيف يتم استعمال المعلومة لتشويه وتدمير الخصم بعد الفشل في الحصول على الموارد اللازمة أو عجز الأسلحة المتاحة عن الوصول إليه، ولتوضيح ذلك، نأخذ مثلاً ما حدث في مدينة مرزق جنوب ليبيا حيث تمّ اتهام اللواء خليفة حفتر بقتل مدنيين، بينما الواقع يؤكد أن العملية عبارة عن تصفية عرقية ينفذها بلد أجنبي. وللقيام بذلك تم اللجوء لمرتزقة ومتمردين من تشاد وإرهابيين ليبيين دخلوا مرزق بهدف زعزعة الاستقرار وزرع الفتنة بين العرب وعرقية التبو، ولم يكن الهدف النهائي من تلك العملية سوى تشتيت انتباه وتركيز قوات حفتر المتواجدة بجبهة طرابلس وإرغامها على إرسال جزء منها إلى بلدة مرزق بغرض صد الهجوم وتهدئة الأوضاع.
لقد حقق الإرهابيون هدفهم بخصوص خلق جوٍّ من الرعب والخوف في مالي، لكن مشروعهم قد استُهلِكَ وبذلك سئمهم الشعب المالي. الآن يتوجب عليهم البحث عن دعمٍ داخلي من المجتمع، وهو ما يمرّ حتماً عبر تفريق الماليين وخلق مجموعات يمكنهم التأثير عليها للوصول لأهدافهم.
وبعد تأكدهم من خسارة المعركة، لجأ الإرهابيون بمرزق إلى الدعاية من خلال ترويج رسالة مفادها أن حفتر هو من أمر طائراته المقاتلة بقصف المدنيين، بينما استهدف القصف في الميدان إرهابيين.. وبعد عملية القصف، تناقلت الخبر الكثير من وسائل الإعلام الدولية التي تجهل حقيقة الأوضاع هناك، ويُشكل ذلك جزءًا من الحملة الدعائية التي تستهدف حفتر والتي تعتمد على نشر أخبار زائفة هنا وهناك تكون كلها سلبية، حيث يتم استعمال الأكاذيب وتحديداً في موضوع بلدة مرزق والهدف النهائي لكل ذلك هو تشويه صورة حفتر دولياً.
ويحتاج الجهاز الدعائي المسؤول عن النشر -كما يمكن أن نتصور- إلى فريق بشري ضخم وتنظيم وموارد مالية.
وفي الوقت ذاته، يحدث أمر مشابه في مالي. في هذه الحالة يقومون بنشر دعاية عبر تطبيق واتس آب تستهدف عسكريين يمتلكون تأهيلاً كبيراً، متهمين إياهم بالثراء الفاحش. وفي رأيي الشخصي، فإن من يقومون بالحملة يستهدفون مباشرةً رئيس جهاز المخابرات، لكنهم وجّهوا حملتهم ضد قيادات أخرى بغرض إخفاء نواياهم الحقيقية.
الجنرال المستهدف هنا هو موسى ديوارا، ولعل سبب هذه الهجمة ضده وفريقه هو أنه يقود حرباً بلا هوادة ضد الإرهاب والتي نجحت في إلقاء القبض على العديد من رؤوسه، كالموريتاني فواز ولد احميدة (مهاجم مطعم لاتيرازا في باماكو في مارس 2015)، وهذا الأخير تم اعتقاله قبل أن يتمكن من تنفيذ عملية دامية جديدة بالعاصمة المالية، كما تم بالتعاون مع مخابرات ساحل العاج الوصول إلى إبراهيم ولد محمد (إرهابي منتجع غراند باسام)، إضافةً إلى تحييد كل من عالو دومبيا، كونتا دالاه وسليمان كايتا مسؤول أنصار الدين في الجنوب المالي.
إلى ذلك، يجب التذكير بأن مالي تفتقر إلى الكثير من الموارد والتقنيات مثل كاميرات المراقبة في الشوارع وقواعد البيانات للحمض النووي وصور الأقمار الصناعية، وعليه فإن معظم المعلومات التي تُحصّلها المخابرات يكون مصدرها العنصر البشري، أي ما يتم جمعه بشكل مباشر من طرف العملاء وهو ما يعني أن أي خطوة غير محسوبة قد تكلف حياة أحد أعضاء الفريق.
ويقوم العدو بمثل هذه العمليات بحثاً عن فرص تسمح له بتحسين أداء العمليات النفسية وتحديد آثار الدعاية، ومن خلال تلك العمليات يمكن جمع معلومات استخبارية يتم توظيفها في الحين أو لتزويد جهاز استخباري آخر بها.
الدعاية المستعملة في مالي تسمى "الدعاية التفريقية" وتهدف إلى تعزيز التصادم بين المجموعات والأفراد في المجتمعات المستهدفة، أما الأهداف الخاصة فقد تشمل محاولات خفض الروح المعنوية، تعزيز الشقاق، خلق وتشجيع الخلافات، التخريب والتحريض على الاستنزاف والانشقاق والتمرد. لقد حقق الإرهابيون هدفهم بخصوص خلق جوٍّ من الرعب والخوف في مالي، لكن مشروعهم قد استُهلِكَ وبذلك سئمهم الشعب المالي. الآن يتوجب عليهم البحث عن دعمٍ داخلي من المجتمع، وهو ما يمرّ حتماً عبر تفريق الماليين وخلق مجموعات يمكنهم التأثير عليها للوصول لأهدافهم، وتسمى نتيجة تلك العملية في علم الدعاية بـ"إنشاء مجموعة متماسكة".
هم بحاجة إلى عدو ويرغبون في خلقه عبر الدعاية، كما يحتاجون أيضاً للمعلومات الاستخبارية التي تساعدهم في القيام بعملياتهم النفسية القادمة التي ندرك جيداً بماذا تتعلق: بتقسيم الشعب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة