«فيلق أفريقيا».. المهمة «المستحيلة» في جغرافيا مالي «الملتهبة»

في أول اختبار ميداني له، ارتطم «فيلق أفريقيا» بجدار الحقيقة في شمال مالي: «مزيج من الانفصال العرقي والتطرف المسلح والفراغ السياسي».
فبعد أسبوع فقط من استبدال مجموعة فاغنر، تلقى «فيلق أفريقيا» ضربة على يد مقاتلي «جبهة تحرير أزواد» في شمال مالي، وتحديدًا قرب مدينة كيدال، المنطقة التي لطالما كانت مسرحًا للنزاع بين الدولة المركزية والمتمردين الطوارق.
هذه «الهزيمة المبكرة» فتحت الباب للتساؤلات حول مخاطر الاصطدام بين القوى الأجنبية وواقع التوترات العرقية والإرهابية المزمنة في مالي.
ورأى خبراء فرنسيون وأفارقة، أن انخراط «فيلق أفريقيا» في مالي يصطدم بواقع مُعقد من التمرد والانفصال والإرهاب، الأمر الذي قد يحدّ من فاعلية الفيلق ويفتح البلاد على مزيد من الفوضى.
صدمة الجغرافيا والسياسة
يقول الدكتور جان إيف موتوكي، الباحث في معهد الدراسات الأمنية في باريس لـ"العين الإخبارية" إن "الوضع في مالي ليس مجرد مشكلة إرهاب، بل هو صراع سياسي عميق الجذور بين الهامش والمركز".
وأضاف أن "من يظن أنه قادر على سحق الحركات الانفصالية بالقوة فقط سيصطدم بسرعة بهذا الواقع المركب"، معتبرا أن «الطوارق ليسوا مجموعات إرهابية بل حركات لها مطالب سياسية حقيقية.. وإذا ما واصل فيلق أفريقيا تبني نفس نهج فاغنر، فسيواجه مصيرًا أسوأ».
بدورها، قالت أميناتا ديالو، المحللة الأمنية من مالي، في مركز الدراسات الاستراتيجية بغرب أفريقيا لـ"العين الإخبارية" إن "الروس، مثل الفرنسيين من قبلهم، يكررون الخطأ نفسه: تجاهل السياق المحلي. لا يمكن حل مشاكل كيدال عبر المدرعات والطيران، لأن المسألة تتعلق بتوزيع السلطة، بالهوية، وبانعدام الثقة المتراكم".
وأضافت أنه: "قد يرى البعض أن وجود الروس قوة ردع للإرهابيين، لكن الحقيقة أن المواجهات ستزداد مع الفاعلين المحليين غير الإرهابيين، ما يعمّق الفوضى ويضعف الدولة."
نفس المسار.. الفخ نفسه؟
رغم الخطاب الرسمي الذي يقدمه "فيلق أفريقيا" كبديل أكثر انضباطًا وشرعية من فاغنر، فإن المعطيات على الأرض توحي بأن الفيلق يكرر نموذجًا يعتمد على القوة المفرطة والتجاهل التام للتفاعلات المحلية.
ورأت ديالو أن الهجوم على قافلة "فيلق أفريقيا" ليس مجرد كمين عسكري، بل رسالة سياسية قوية مفادها أن الوجود الأجنبي، مهما كانت جنسيته، لن يُرحّب به ما لم يعترف بالمعادلات المحلية.
وتابعت قائلة إنه: «في بلد مثل مالي، حيث تداخلت الانتماءات العرقية مع السلاح، فإن الحلّ لا يكمن في المروحيات ولا في البنادق، بل في الإنصات، والتفاوض، وبناء عقد سياسي جديد يدمج الجميع».
هزيمة ثقيلة
في صباح يوم الجمعة الماضي، هاجم مقاتلو "جبهة تحرير أزواد"، وهي حركة انفصالية يقودها الطوارق وتطالب باستقلال شمال مالي، قافلة عسكرية مشتركة بين الجيش المالي وعناصر من "فيلق أفريقيا"، وذلك على بعد نحو 40 كيلومترًا جنوب مدينة أغلهوك.
القافلة التي كانت تضم أكثر من 30 مركبة عسكرية، كانت قد انطلقت من مدينة أنيفيس باتجاه أغلهوك، قبل أن تتعرض بدايةً لهجوم بالألغام أدى إلى تفجير 3 عربات، ثم واجهت الهجوم الكبير فجر الجمعة، حيث تم تدمير 7 مركبات على الأقل، وسُجلت "خسائر بشرية كبيرة"، حسب مصادر داخل الجبهة. كما سقط قتلى في صفوف المتمردين، وأُسر عدد من الجنود النظاميين.
ووفق شهادات ميدانية، فقد تم دعم القوات المالية جوًا، ما سمح بانسحاب 5 مركبات من القافلة، فيما أصيب مروحية عسكرية وأجبرت على الهبوط الاضطراري في تيساليت، شمالًا.
اصطدام بالواقع
تأتي هذه الضربة في وقت تسعى فيه روسيا إلى إعادة تشكيل وجودها في أفريقيا عبر «الفيلق» والذي أنشئ ليحل محل مجموعة فاغنر بعد مقتل قائدها يفغيني بريغوجين. إلا أن الواقع في مالي أكثر تعقيدًا بكثير من مجرد "فراغ أمني" يمكن ملؤه بقوة نارية.
تاريخيًا، شكل شمال مالي مسرحًا لنزاعات عرقية مسلّحة بين الحكومة المركزية وحركات الطوارق الانفصالية، إضافة إلى توسّع الجماعات الإرهابية المرتبطة بالقاعدة وداعش. هذا المزيج المتفجّر يجعل من أي تدخل أجنبي ساحة اختبار قاسية.
aXA6IDIxNi43My4yMTcuMSA=
جزيرة ام اند امز