«ذهب تحت الحماية».. هل يعيد «فيلق أفريقيا» الروسي رسم «خريطة الكنوز»؟

هل يعيد «فيلق أفريقيا» الروسي رسم «خريطة الكنوز» في القارة السمراء بما يطرح معادلة جديدة للنفوذ فيها؟
سؤال يطرح نفسه في ظل انسحاب مجموعة «فاغنر» الروسية وإحلال «فيلق أفريقيا» محلها، في تطورات يرصدها الغرب، خصوصا فرنسا، بقلق كبير، وسط تساؤلات عن الدور الخارجي في رسم مستقبل القارة السمراء.
ومؤخرا، أنهت مجموعة فاغنر دورها رسميا وغادرت مالي حيث كانت تنشط منذ عام 2021، على أن يتم دمج مجموعاتها ضمن "فيلق أفريقيا" المرتبط بدوره بروسيا، بحسب مصدر دبلوماسي لوكالة فرانس برس.
وقبل يومين، أعرب الكرملين عن رغبته في تعزيز علاقاته العسكرية مع أفريقيا، في تصريحات جاءت بعد أيام من إعلان فاغنر إنهاء دورها في مالي.
وحينها، قال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف خلال إيجازه اليومي «يواصل الوجود الروسي في أفريقيا نموه، وننوي تعزيز تعاوننا في كل المجالات مع الدول الأفريقي».
وفي معرض رده على سؤال حول ما إذا كان الوجود الروسي في أفريقيا سيبقى على حاله بعد انسحاب مجموعة فاغنر من مالي، أجاب «لو كان التركيز منصبا على الاستثمارات"، فإن هذا التعاون يتضمن أيضا "مجالات حساسة تتعلق بالدفاع والأمن».
لكنه لم يُعلق بشكل مباشر على انسحاب المنظمة الروسية من مالي حيث كانت تنشط منذ العام 2021.
أما السلطات المالية، فلم يصدر عنها حتى الآن أي بيان رسمي بشأن طبيعة الاتفاق مع الفيلق الروسي الأفريقي، أو المهام الموكلة له،
«واقعية»
يرى الدكتور أليو سيلا، أستاذ العلوم السياسية بجامعة داكار بالسنغال، أن «وجود فيلق أفريقيا يمثل تحولًا في أدوات النفوذ، من شركات خاصة إلى مؤسسات رسمية، تعكس نهجًا أكثر انضباطًا واستمرارية».
ويقول سيلا، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن «روسيا تسعى -كغيرها من القوى الدولية- إلى تثبيت مصالحها عبر أدوات مرنة، أحيانًا تكون أمنية، وأحيانًا اقتصادية».
ولفت إلى أن «أفريقيا تدار اليوم بمنطق المصالح، وليس التحالفات الأيديولوجية».
وفي السياق ذاته، يعد الباحث السياسي في جامعة "بواكي" الإيفوارية، كونيه إيسوفو، أن «المعادلة المطروحة أمام الأنظمة الأفريقية التي تتعامل مع فيلق أفريقيا تقوم على تبادل واضح: الأمن مقابل الموارد».
ويوضح إيسوفو، لـ«العين الإخبارية»، أن «هذه المعادلة قد لا تكون مثالية، لكنها تُعبر عن واقع إقليمي يبحث عن بدائل في ظل تراجع الدور الغربي، وتزايد التهديدات الأمنية».
المعادن و«لعبة النفوذ»
في ظل القيود الاقتصادية والعقوبات الغربية على موسكو، يعتقد خبراء أن الذهب يلعب دورًا محوريًا في تمويل الأنشطة الروسية الخارجية.
وبحسب إيسوفو، فإن «الشراكات في مجال التعدين تمنح روسيا أدوات تمويل مرنة، وتمنح الحكومات الأفريقية في المقابل موارد أمنية قد يصعب الحصول عليها من مصادر تقليدية».
كما دعا إلى ضمان مراقبة «عقود التعدين، وعدم ربط الأمن بمصالح اقتصادية قد تؤدي إلى تهميش التنمية المحلية أو خلق بيئة لا تسمح بالمحاسبة».
ويثير الوجود الروسي في أفريقيا حفيظة الغرب ممن يعتبر القارة مجال نفوذه التقليدي، وهذا ما يفسر الاهتمام الواسع بهذا الموضوع من قبل الإعلام الغربي بشكل عام والفرنسي خصوصا.
وقالت صحيفة «لوموند» الفرنسية إنه «بعد انهيار مجموعة فاغنر إثر مقتل قائدها يفغيني بريغوجين، أعادت روسيا ترتيب أوراقها سريعًا في أفريقيا عبر تأسيس (فيلق أفريقيا)».
واعتبرت الصحيفة أن الفيلق «يخضع مباشرة لوزارة الدفاع الروسية، ويضم في صفوفه قيادات ومقاتلين سابقين من فاغنر»، مشيرة إلى أن «هذا التحول لا يعني تغييرًا في المهام، بل نقلًا للنفوذ من مظلة خاصة إلى هيكل رسمي ومركزي».
وبحسب «لوموند»، يُعد «فيلق أفريقيا اليوم أداة محورية في الاستراتيجية الروسية الجديدة بالقارة السمراء، ومع أنه جاء كبديل أكثر انضباطًا لمجموعة فاغنر، إلا أنه يُحافظ على الأهداف نفسها».
النشأة والتنظيم
أشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن «فيلق أفريقيا» تأسس رسميًا بعد مقتل قائد فاغنر يفغيني بريغوجين في حادث تحطم طائرة في أغسطس/ آب 2023.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، بدأت المؤشرات الرسمية على تشكيل الفيلق بالظهور، مع تأكيدات بأنه يهدف إلى تنفيذ «عمليات عسكرية واسعة في القارة الأفريقية لدعم الدول في التخلص من الإرث الاستعماري وكسب السيادة الكامل»، وفق المصدر نفسه.
وهذه الرواية لا تتفق معها روايات أخرى يرى داعموها أن الوجود الروسي في أفريقيا يدخل في إطار «شراكة» تطرحها موسكو بديلا عن سياسات الغرب وخصوصا فرنسا، المستعمر السابق للكثير من دول القارة.
وأوضحت «لوموند» أن القيادة المباشرة لفيلق أفريقيا يشرف عليها يونس بك يفكوروف، نائب وزير الدفاع الروسي، والجنرال أندريه أفيريانوف من جهاز الاستخبارات العسكرية الروسية.
ويضم الفيلق في صفوفه عددًا كبيرًا من قدامى مقاتلي فاغنر مثل أندريه إيفانوف، روسلان زابرودسكي، وألكسندر كوزنيتسوف.
ووفقًا لمحادثات على قنوات تليغرام، فإن 70 إلى 80% من عناصر الفيلق هم من أفراد فاغنر السابقين، إضافة إلى مجندين جدد لتعزيز القوة.
وفي يناير/ كانون ثاني الماضي، سلّمت روسيا أكثر من 100 مركبة عسكرية، بينها دبابات وعربات مدرعة، إلى مالي، بحسب "لوموند".
الذهب والمستقبل
بحسب محطة «تي.إف.1» الفرنسية، فإن فيلق أفريقيا يواصل سياسة الشراكة الأمنية مقابل الامتيازات الاقتصادية، خاصة في قطاع الذهب. وتمنح هذه الترتيبات روسيا مصادر تمويل مرنة خارج القنوات التقليدية.
وأشارت إلى أن مالي التي تعد من أغنى الدول الأفريقية باحتياطات الذهب، تُعتبر نموذجًا لهذه الشراكة، حيث يُعزز «فيلق أفريقيا» الوجود العسكري، مقابل اتفاقيات لاستخراج الذهب، مما يمنح موسكو استقلالية في إدارة أنشطتها الخارجية.
من جهتها، ذكرت صحيفة "لا تريبين" الفرنسية أن من أبرز مهام الفيلق: دعم الأنظمة الحليفة مثل النظام في مالي بقيادة آسيمي غويتا، وتوفير التدريب والمساندة العسكرية، بالإضافة إلى ملء الفراغ الأمني بعد انسحاب القوات الغربية، خاصة الفرنسية، من الساحل الأفريقي.
وتوقعت أن يوفر «فيلق أفريقيا» تدريبًا أوسع للقوات المسلحة المالية مقارنة بما قدمته مجموعة فاغنر.
وبخصوص الآفاق المستقبلية، رجحت إذاعة فرنسا الدولية «أر إف إي»، أن يتوسع نشاط «فيلق أفريقيا» إلى دول أخرى مثل بوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى، ضمن استراتيجية تقوم على الانتقال من الوجود غير الرسمي إلى تمركز مؤسسي مستدام.
aXA6IDIxNi43My4yMTcuMSA= جزيرة ام اند امز