منتدى أسوان.. أفريقيا تبحث عن التنمية و"إسكات البنادق"
كشف منتدى أسوان للسلام عن التحول الذي طرأ على الإرادة والقيادة السياسية في العديد من الدول الأفريقية.
تبحث القارة الأفريقية منذ الاستقلال عن أنسب وأفضل آليات إدراك السلام والتنمية، باعتبارهما الوظيفتين الأساسيتين لأي نظام سياسي، لكن تواجه تلك التطلعات العديد من الصعوبات والتحديات التي تجعل منها أهدافا بعيدة المنال.
ومع تولي مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي خلال العام الجاري، حملت على عاتقها السعي والعمل لإيجاد آليات عملية تنفيذية لتحقيق هذه الأهداف، ذلك من خلال قمم دولية، وشراكات عالمية وإقليمية، بمنطق وأسس جديدة، تجعل من القارة شريكاً في التنمية، وتنهي حالة التبعية التي سيطرت على علاقتها بالقوى الدولية خلال العقود الماضية، حتى جاء الإعلان عن منتدى أسوان للسلام والتنمية خلال قمة "سوتشي" في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
- روسيا أفريقيا.. آفاق الشراكة عبر بوابة الاقتصاد
- حصاد قمة "روسيا-أفريقيا".. إسقاط ديون بـ20 مليار دولار وصفقات جديدة
وجمعت قمة سوتشي الدول الأفريقية مع الدب الروسي، ليأتي انعقاد المنتدى في مدينة أسوان يومي 11 و12 ديسمبر/كانون الأول الجاري تحت شعار: "أجندة السلام والأمن والتنمية المستدامة في أفريقيا"، ليحاول فتح آفاق وصياغة آليات تمكن القارة من إدراك تلك الأهداف في المستقبل.
وجاءت المشاركة الأفريقية الواسعة لتؤكد أهمية هذا المنتدى للقارة، حيث شارك ممثلو نحو 48 دولة أفريقية، من بينهم عدد من القادة ورؤساء الحكومات، إضافة لحضور ممثلي دول كبرى منها اليابان، وإنجلترا، وروسيا، وألمانيا، وبلجيكا، وكندا، والسويد، والسكرتير العام للأمم المتحدة، وهي القوى التي حاولت أن تجد منصة إقليمية وقارية تجمع رجال السياسة والفكر وصناع الرأي ومسؤولي السلام وشركاء التنمية، وأكدت جميعها على الرابط الوجودي بين السلام والتنمية، والعلاقات المتبادلة بين المتغيرات المسؤولة عن تلك التطلعات في البيئة الأفريقية.
وحاولت الدولة المصرية ومعها الدول الأفريقية أن تجعل جلسات المنتدى عبارة عن نقاش عملي يتناول العديد من القضايا التي تؤكد على مصداقية التوجه الساعي إلى تبديل وتغيير واقع القارة، وهي الجلسات التي أنتجت الكثير من الأدوات والسبل التي يمكن من خلالها تحقيق السلام والتنمية، وهو ما يدل على التحول الذي طرأ على الإرادة السياسية في العديد من الدول الأفريقية، مع ظهور قادة يسعون إلى تبني آليات واقعية تحقق أهدافا عملية، يمكن من خلالها إدراك السلام والأمن والتنمية، ولعل أهم تلك الأدوات:
أولاً: آليات تحقيق السلام والأمن في أفريقيا:
أنتجت مناقشات وجلسات منتدى أسوان للسلام والتنمية التأكيد على أن أهم آليات تحقيق الأمن والسلام في ربوع القارة، والتي تتمثل في:
1.مواجهة الإرهاب: باعتباره أحد معوقات السلام والأمن، حيث أكد منتدى أسوان أهمية مواجهة الإرهاب على المستوى الفكري والاقتصادي والاجتماعي، وفتح آفاق لدمج الشباب، وأهمية الاستثمار في العنصر البشري، وعدم تركه لجماعات وتنظيمات تعمل على مد أجل الصراعات وهدم الدولة الوطنية، وعلى أهمية وحدة الجبهة الداخلية، وضرورة العمل على بناء الدولة الوطنية في المرحلة التي تلي هزيمة الإرهاب.
2. مواجهة الجريمة المنظمة: التي تموج بها العديد من أقاليم القارة، من تهريب أسلحة، ومواد مخدرة، وهجرة غير شرعية، وتجارة أسلحة، وتجارة بالبشر والأعضاء البشرية.
3. الحلول الأفريقية للأزمات الأفريقية: دعا المنتدى إلى تبني آليات يمكن من خلالها تفعيل الطرح المصري حول أهمية ومحورية الحل الأفريقي للمشكلات والأزمات الأفريقية، في ظل التأكيد على أهمية وطنية وأفريقية الحل للأزمات والنزاعات، والحفاظ على السيادة الوطنية، ومنع التدخل في الشأن الداخلي الأفريقي.
4. أطر تنفيذية واضحة لمواجهة جذور النزاعات: فقد أشار منتدى أسوان إلى أهمية "أجندة الاتحاد الأفريقي 2063: أفريقيا التي نريدها"، وما تحويه من مبادرات لمواجهة جذور الصراعات ومسبباتها، ومنها مبادرة إسكات البنادق بحلول عام 2020، والآليات التي يمكن من خلالها تنفيذ تلك المبادرة، وما يرتبط بها من آليات للإنذار المبكر داخل الاتحاد الأفريقي والمنظمات الإقليمية الأخرى، في ظل تأكيد أهمية بسط السيادة الوطنية.
5. إعادة الإعمار في فترات ما بعد النزاعات: في محاولة واضحة من قادة القارة لتطوير بنية السلام والأمن بشكل دائم، وتقديم منظومة تتسم بالتكامل المنطقي في ترسيخ السلام، تم التوقيع على اتفاقية المقر لـ: "مركز الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد النزاعات"، والذي ستستضيفه القاهرة، وهو ما يعبر عن توافر إرادة سياسية أفريقية حقيقية تحاول منع النزاعات، ومعالجة الآثار التي تلي هذه الفترات.
6. دور المرأة والشباب في ترسيخ بنية السلام: أكد المنتدى أهمية تطوير بنية السلام والأمن بشكل شامل ودائم في الدول الأفريقية، وهو ما يتطلب أن يكون للمرأة والشباب دور محوري في البنية الأفريقية الشاملة لتدعيم أسس القبول والتعايش، أو في مراحل التعافي من النزاعات التي شهدتها الدول الأفريقية.
7. سياسة النقاط المضيئة: يحاول الاتحاد الأفريقي تطبيق تلك الاستراتيجية في التعامل مع الأبعاد الاجتماعية المسببة لعدم الاستقرار، من خلال التعامل مع المرأة والشباب كمثال للفئات المستضعفة، وكذلك يحاول تطبيق تلك السياسة بشكل إقليمي لمواجهة الإرهاب والتعامل مع نتائج النزاعات، ووقع الاختيار أن تكون منطقة الساحل الإفريقي هي المنطقة المستهدفة في المرحلة الحالية، ومحاولة تدعيم بنية السلام والأمن في تلك المنطقة.
8. بناء الأطر الإقليمية والدولية لتحقيق السلام: وخاصة مع المنطقة العربية، لذلك شهد المنتدى جلسة حول السلام والأمن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهي من المناطق الرئيسية في محفزات النزاع في المنطقة العربية والقارة الأفريقية.
9. معالجة أسباب ونتائج النزوح القسري: وهي الظاهرة التي تؤثر على الأوضاع السكانية والأمنية والاجتماعية للكثير من الدول الأفريقية، لذا دعا المنتدى إلى تناول واقعي للمحفزات الهيكلية التي تسبب النزاعات المسلحة التي تؤدي لتلك الظاهرة، سواء محفزات سياسية، أو أمنية، أو اقتصادية، أو بيئية، في ظل توجه يؤكد أهمية الحلول الواقعية لقضايا القارة.
10. إصلاح المؤسسات القارية والدولية الفاعلة في قضايا الأمن والسلام الأفريقي: أكد المنتدى أهمية الإصلاح في هياكل الاتحاد الأفريقي، وإصلاح ومراجعة آليات عمل الأمم المتحدة، ودورها في عمليات السلام الأفريقية، وكذلك طبيعة دور وهياكل التمويل للمؤسسات المالية والتمويلية الدولية والإقليمية، والتي يجب أن يرتكز دورها على تدعيم أسس السلام والأمن الأفريقي، وأن تكون الشراكات مع تلك المؤسسات تتجاوز تمويل مشروعات التعافي قصيرة المدى، ودعا المنتدى هذه المؤسسات إلى الاستثمار في القدرات البشرية والمؤسسية في الاتحاد الأفريقي والتجمعات الإقليمية.
11. تعديل وإصلاح المؤسسات الأمنية: التي يجب أن تكون جزءاً من محاولة تفعيل آليات وسبل تنفيذية تؤدي إلى نتائج ملموسة في حياة الشعوب الأفريقية، وتستند إلى مبدأ الملكية الوطنية لحلول النزاعات الأفريقية، وهو ما يتطلب تغييرا في العقيدة الأمنية لهذه المؤسسات، وأن تكون أداة منع والإنذار بالصراعات والنزاعات، بدلا من أن تكون سبباً له.
12. اعتماد استراتيجية الاتحاد الأفريقي لتقييم والتعامل مع نقاط الضعف: على المستوى الوطني الأفريقي، وتوفير السياق المحدد لتطبيق تلك الاستراتيجية، وتوفير الآليات التي تساعد لتنفيذها، وهو ما يتطلب تمكين الاتحاد الأفريقي من عقد شراكات إقليمية ودولية تسهم في تعزيز قدرات الدولة الوطنية لبسط سيطرتها على مسببات عدم الاستقرار، وهو ما سيدعم برامج الإعمار والإدماج وإعادة الهيكلة لمؤسسات قائمة.
13. التسوية السياسية للنزاعات: أكد المنتدى أهمية التسوية السياسية للنزاعات الأفريقية، والتحول نحو إعادة الإعمار، وأهمية تطوير عقيدة عمليات إعادة السلام في القارة، وإيجاد آليات تمكن من التنبؤ بهذه النزاعات، وأكد المنتدى أيضاً أهمية مبادرة السكرتير العام للأمم المتحدة للعمل من أجل السلام، وخارطة طريق القاهرة المطورة لهذه المبادرة، وأهمية استدامة السلام في برامج الأمم المتحدة، وفي استراتيجيات الاتحاد الأفريقي في مرحلة ما بعد النزاعات.
ثانياً: آليات تحقيق التنمية المستدامة في أفريقيا:
أفرزت مناقشات وجلسات المنتدى التأكيد على عدد من الآليات التي يمكن من خلالها تحقيق التنمية المستدامة، والتي يأتي على رأسها:
1. التعامل الإيجابي مع التداعيات السلبية للتغيرات المناخية: التي تفرز الكثير من مسببات تراجع التنمية، ويمكن أن تؤدي إلى حالة من النزاع الداخلي والإقليمي.
2. الملكية الوطنية لجهود التنمية: والتي لا بد أن تتضمن الإصلاح الإداري، والرغبة في استثمار الموارد الاقتصادية الأفريقية وتحويلها إلى قيمة مضافة، وخاصة الموارد البشرية، وهو ما يجب أن يتم في ضوء التأكيد على العلاقة التكاملية بين الأمن والسلام من جهة، وتحقيق التنمية المستدامة من جهة أخرى.
3. تمويل التعافي الاقتصادي في مرحلة ما بعد النزاعات: من خلال استغلال الفرص الواعدة التي تذخر بها البيئة الأفريقية، والتعبير الفعلي والواقعي عن طموحات الشعوب الأفريقية، وهو ما يمكن أن يتضمن استراتيجيات تدعم الاندماج الاقتصادي والتكامل القاري الأفريقي.
4. بناء شراكات متوازنة في مراحل الاضطراب: فقد أكد منتدى أسوان أهمية إيجاد آليات لتكامل الشراكات، والتي يمكن أن تتضمن العمل مع المؤسسات الدولية، والمجتمع المدني، وأكد المنتدى أهمية ومحورية دور القطاع الخاص، ولكن هذا يتطلب علاقة وشراكات تختلف عن شراكات المراحل السابقة.
5. تبادل التجارب والخبرات والتنموية والتمويلية: إيجاد آليات توفر التمويل والخبراء اللازمين لتحقيق التنمية، التي يمكن أن تتضمن تبادلا بينيا بين الدول الأفريقية، خاصة في ظل تعثر برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مراحل ما بعد النزاعات في العديد من دول القارة، وأشار المنتدى لأهمية التعامل مع المناطق الحدودية في تلك الدول، في ظل السعى لترسيخ أسس الدولة الوطنية.
6. التعامل مع الأسباب والنتائج الاقتصادية للنزوح القسري: في ظل سعي الدول الأفريقية للتعافي الاقتصادي في مراحل ما بعد النزاعات، عليها أن تضمن النزوح القسري والتعامل معه ضمن الخطط الوطنية للتنمية، والتشاور مع المجتمعات المحلية المستضيفة للنازحين.
7. التحول الرقمي والشمول المالي: أحد أهم المؤشرات الدالة على الرغبة الأفريقية في تحقيق التنمية، تأكيد قادة القارة بشكل دائم على أهمية الشمول المالي والتحول الرقمي، وهو ما يسهل التبادل التجاري والاستثماري والمالي بين الدول الأفريقية، ويدعم التضامن في السعي لتحقيق التنمية، وأكد المنتدى أهمية الاستفادة من تجارب التنمية لبعض الدول الأفريقية، وخاصة في مجالات الشمول المالي والتحول الرقمي.
8. تكامل البنية التحتية الأفريقية: في محاولة للتعبير عن مصداقية الإرادة السياسية الساعية إلى السلام والتنمية، أكد منتدى أسوان أهمية توفر أسس التكامل البنيوي بين الدول الأفريقية، وضرورة استغلال فرص التحول والتغيير في النظام الدولي لتحقيق الأهداف التكاملية التنموية في القارة الأفريقية.
9. أمن الطاقة: أحد المجالات التي تؤكد أهمية التعاون والتضامن الأفريقي، وتأثير الاستفادة من الخبرات الأفريقية البينية في تحقيق أمن الطاقة، لفتح المجال للاستثمار والتدفق المالي والتحول الرقمي، فأمن الطاقة بات أحد ضمانات الأمن والسلام المجتمعي.
10. دور أساسي ومنطقي لمؤسسات الاتحاد الأفريقي: التي تعمل على توفير البيئة والاعتمادات المالية والأطر القانونية والسياسية للشراكات التي تعمل من أجل تحقيق الأمن والتنمية في القارة الأفريقية.
11. التقدم في برامج تمكين المرأة وتأمين حقوقها في مرحلة التعافي من النزاعات: حتى تتناسب مع المقاييس الدولية، وهو ما يتطلب أطراً تشريعية وهيكلية وسياسية تضمن مشاركة المرأة في تنمية وأمن وسلامة القارة.
هذه هي أهم الآليات التنفيذية ونتائج المناقشات والجلسات التي جرت في منتدى أسوان للسلام والتنمية الأفريقية المستدامة، والتي تم تضمينها في إعلان أسوان للسلام والتنمية، والتي ترى قيادات القارة أنها تعبر عن طموحات وآليات تنفيذية واستراتيجيات واقعية يمكن من خلالها تفعيل الإجراءات التنفيذية لتحقيق السلام والتنمية في دول القارة الأفريقية، في ظل التغيرات المحيطة، والتطلعات الشعبية، والسعي لتحفيز إرادة مواجهة النزاعات والإرهاب، والتحول نحو الاستثمار في العنصر البشري المسؤول عن عدم الأمن، والعنصر الأساسي الساعي للتنمية والسلام.
aXA6IDMuMjMuMTAxLjYwIA== جزيرة ام اند امز