رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي.. فرص وتحديات
تأتي رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي بالتزامن مع تطورات أفريقية ودولية في غاية الأهمية والحساسية بالنسبة للقارة السمراء
لا شك أن القمة الافريقية الـ 32 المنعقدة في أديس أبابا تمثل حدثا فارقاً في مسيرة مصر الأفريقية، ويتوقع المراقبون أن يكون تاريخا مهماً في مستقبل العمل الأفريقي المشترك، مع تسلم مصر رسمياً رئاسة منظمة الاتحاد الأفريقي.
ويأتي ذلك بعد ست سنوات على الفصل المظلم القصير من العلاقات الأفريقية المصرية، حين جمد فيه الاتحاد عضوية مصر لأسباب تبين له، بعد فترة قصيرة حجم التسرع والخطأ في اتخاذ مثل هكذا قرار بحق دولة بحجم ومكانة مصر التي طالما بذلت كثير الكثير في سبيل تحرير واستقلال واستقرار دول القارة السمراء.
كما أنها الدولة التي لا يجب أن ننسى ذلك الثمن الباهظ الذي تكبدته ودفعته بسبب تبنيها ودعمها واحتضانها حركات التحرر الثورية الأفريقية من قوى الاستعمار القديم في أوروبا.
فقد تكالبت عواصم الاستعمار القديم بوحشية وبسياسات عدوانية غير حضارية على الدولة المصرية إبان حقبة الخمسينيات والستينيات وتآمرت عليها بهدف معاقبة مصر على مواقفها الأفريقية الرائدة.
الرئاسة المصرية وصفت الحدث بقولها "إن رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي، للمرة الأولى منذ إعلانه باسمه الجديد تعد تتويجا لجهود مصر بقيادة الرئيس السيسي خلال السنوات الأخيرة لتعزيز العلاقات مع القارة الأفريقية سواء على المستوى الثنائي أو متعدد الأطراف".
ومن المهم ومصر تتولى رئاسة الاتحاد الأفريقي لمدة عام ينتهي في فبراير/شباط من عام 2020 أن نشير إلى دور القاهرة في إنشاء الرابطة الأفريقية عام 1955، ومساندتها لحركات التحرير المختلفة بالقارة ماديا ومعنويا، وكذلك دور القاهرة في تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية، في مايو/أيار من عام 1963. التي سبقت منظمة الاتحاد الأفريقي الحالية.
ففي مايو/أيار العام 1963 اجتمعت في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا 30 دولة أفريقية نالت استقلالها ووقعوا على ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية وتم الإعلان عن ولادة المنظمة في 25 من مايو/أيار عام 1963، واستضافت مصر قمة منظمة الوحدة الأفريقية الأولى في القاهرة في عام 1964.
في تلك القمة تم الاتفاق بين القادة الأفارقة على الحفاظ على الحدود الجغرافية التي رسمها الاستعمار للدول الأفريقية، وحشدت القاهرة إمكاناتها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والإعلامية في سبيل دعم ومساندة دول أفريقيا
ومن مبادئ المنظمة الالتزام بسياسة عدم الانحياز، وعدم ممارسة التفرقة العنصرية، وفي حالة انضمام عضو جديد، يقرر قبوله بالأغلبية المطلقة للدول الأعضاء وأخذت تعمل على تحقيق أهدافها ومن أهمها تحرير القارة نهائيا من الاستعمار، والقضاء على التخلف الاقتصادي، وتوطيد دعائم التضامن الأفريقي، والارتقاء بالقارة إلى المكانة التي تليق بها في المشهد الدولي.
في الحقيقة لقد كانت التحديات والمؤامرات أقوى بكثير من النوايا الحسنة والزخم الثوري للزعماء الأفارقة، تلك المؤامرات التي دفعت حلم الوحدة والاندماج والتكامل والارتقاء في أفريقيا أن ينتهي به المطاف إلى قاعات مغلقة ومؤتمرات وقمم سنوية تلقى فيها الخطب الرنانة والتقليدية حينا.
هذا في الوقت الذي تستعر فيه أفريقيا بالصراعات الطائفية والقبلية المسلحة، وتتفشى فيها الأوبئة وتضربها المجاعات والكوارث الطبيعية وتزداد فيها معدلات الفقر والجهل والمرض، والأخطر من كل ذلك تفشي الفساد والرشوة والمحسوبية في أرجاء القارة، وبقيت مشاكل التنمية عالقة بلا حل، وأضحت آليات الديمقراطية رهنا بالظروف الذاتية لكل دولة، المؤكد أن أبرز إنجازات ذلك الفصل من مسيرة العمل الأفريقي المشترك هو ارتفاع عدد الدول الأفريقية المستقلة من 30 دولة في عام 1963 إلى 53 دولة أفريقية مستقلة في عام 1980م، حتى وصل عدد الدول الأفريقية المستقلة إلى 54 دولة.
انتهى كل ما سبق في قمة منظمة الوحدة الأفريقية الثامنة والثلاثين التي عقدت في مدينة ديربان في جنوب أفريقيا في يونيو من عام 2002م، والتي كانت آخر قمة لمنظمة الوحدة الأفريقية حيث أعلن فيها ميلاد منظمة الاتحاد الأفريقي بمشاركة معظم زعماء الدول الأفريقية الأعضاء في المنظمة وقام بالاتفاق على المعايير اللازمة للانتقال إلى الاتحاد الأفريقي ومشاريع القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ال 37 والتي عرضها وزراء الخارجية على القادة الأفارقة الذين اتفقوا على تخصيص تلك القمة لإعلان ميلاد الاتحاد الافريقي الذي سيحل مكان منظمة الوحدة الأفريقية.
لقد كان إعلان الاتحاد الأفريقي لحظة تاريخية وخطوة كبيرة على طريق التنمية في أفريقيا، حيث قدم القادة الأفارقة تعهدات بتحسين أساليب الإدارة الاقتصادية والسياسية وكذلك مراعاة حقوق الإنسان.
واتفقوا على أنه من أهم أهداف الاتحاد الأفريقي التعاون لتحقيق حياة أفضل لشعوب القارة، وتعزيز الوحدة والاندماج والتعاون بين دولها، والتخلص من الاستعمار والتمييز العنصري بين الدول الأعضاء، والتنسيق بين سياسات الدول الأعضاء وتحفيز التنمية الاقتصادية وتهيئة قارة أفريقيا لتلعب دوراً مناسباً في الاقتصاد العالمي، وتنمية قارة أفريقيا بالعلم والتكنولوجيا والأبحاث المختلفة، وترسيخ الديمقراطية والمشاركة الشعبية، والقضاء على الأمراض المختلفة، والعمل على رفع مستويات معيشة الشعوب الأفريقية وترسيخ مبادئ حقوق الإنسان وحمايتها.
في الحقيقة؛ إن رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي تتزامن مع تطورات أفريقية ودولية في غاية الأهمية والحساسية، فمن جهة تزداد الأهمية الاستثمارية للقارة السمراء، تلك الأهمية التي تبلورت فيما يقرب من عشر شراكات اقتصادية وتجارية واستثمارية مع قوى دولية عديدة، وما تلك الشراكات إلا فرص واعدة للقارة التي تتمتع تاريخياً باحتياطياتها الهائلة من الموارد الطبيعية والبشرية اللازمة للتقدم الحضاري الإنساني. ومن جهة أخرى يستعر التنافس الأمريكي الصيني حول بسط النفوذ والسيطرة على القارة السمراء، الأمر الذي يلقي على أفريقيا والاتحاد الأفريقي ورئاسته الجديدة بتحديات ومسؤوليات جمة، وتأتي أجندة 2063 التي اتفق الاتحاد الأفريقي على تفعليها ومراجعة إنجازاتها وتقدمها كل عشر سنوات كإطار عمل طويل المدى للتحول الاقتصادي والاجتماعي لدول أفريقيا.
وصلت الاستثمارات المِصريَّة في القارة الإِفريقيَّة، الى 10.2 مليار دولار موزعة على 62 مشروعا في قطاعات البناء والتشييد والمواد الكيميائيَّة والتعدين والمستحضرات الطبيَّة والدوائيَّة والاتصالات والمكونات الإلكترونيَّة والخدمات الماليَّة، ومع وجود نحو 32 اتفاقية استثمار ثنائيَّة مع الدول الأفريقيَّة منها 11 اتفاقية سارية، فإن اختيار القارة الأفريقيَّة كبوصلة للاستثمارات المِصريَّة فى الفترة المُقبلة سيعود بالفائدة على الاقتصاد المِصريّ؛ لما تمتلكه دول تلك القارة من موارد اقتصاديَّة ضخمة، حيث يوجد بها نحو 30% من الثروة المَعدِنيَّة بالكامل فى العالَم، و8% من الاحتياطيات النفطيَّة، و7% من احتياطي الغاز، كما تشكّل سوقا استهلاكيَّة كبيرة تضمُّ نحو 1.2 مليار نسمة وموارد بشريَّة، بجانب موقعها الاستراتيجيي المتميز عن بقية المناطق في العالَم.
إن شعوب أفريقيا تنتظر وتتوقع الكثير من الرئاسة المصرية للاتحاد الأفريقي، حيث تمتلك مصر المؤهلات والخبرات اللازمة لدفع العمل الأفريقي المشترك إلى آفاق رحبة تعود بالنفع على المواطن والدولة في أفريقيا، ومن الأولويات التي أعلنت عنها الرئاسة المصرية والتي ستعمل على تنفيذها تطوير التكامُل الاقتصادي والاندماج الإقليمي، ودفع معدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق السلم والأمن والاستقرار، ومد جسور التواصل الثقافي والحضاري بين الشعوب الأفريقية، هذا فضلاً عن التعاون مع الشركاء الدوليين.