ردة فعل الإخوة الفلسطينيين مع الأسف متوقعة، وفي الغالب انفعالية ومتضخمة، وبعضها تحول من السياسي كالعادة إلى الشخصي (متدني الخطاب)،
أما وقد تم توقيع اتفاق السلام بين دولة الإمارات ومملكة البحرين وبين إسرائيل بضمانة أميركية، فإن الحديث عن الماضي هو تحصيل حاصل، بل يتوجب الحديث عن المستقبل! إلا أن مقدمة سريعة مستحقة تظهر المشاعر الإنسانية، وهي أني أكنّ للشعب الفلسطيني كل احترام، ليس بسبب التعاطف الإنساني والقومي فقط، لكن أيضاً كوني في وقت ما أصبحت لاجئاً مثل أغلبيته، لما احتل النظام العراقي الصدامي الكويت وعشنا 7 أشهر صعبة، وقتها زاد إحساسي بما يشعر به الفرد الفلسطيني من عنت، عدا أني متعاطف كثيراً قبل ذلك الوقت وبعده مع هذه القضية التي لم تجد لها مرفأ حتى اليوم. كوني عربياً، ولا ضير من ذلك، فتعاطف اليهودي في بروكلين - نيويورك مع الشعب الإسرائيلي هو طبيعي كتعاطفي وغيرى من العرب مع فلسطين. المستقبل هو المهم، فالتوقيع الذي مهره الشيخ عبد الله بن زايد عن الإمارات والسيد عبد اللطيف الزياني مع بنيامين نتنياهو، وبحضور وتوقيع رئيس جمهورية الولايات المتحدة، مساء الثلاثاء الماضي، ليس كغيره من معاهدات السلام. فالمعاهدة الأولى (مصر) والثانية (الأردن) والثالثة (الفلسطينيون - أوسلو) كلها تمت بين إسرائيل ودولة محاذية، وفي وقت ما محاربة، أما ما تم الأسبوع الماضي فهو بين دول بعيدة نسبياً عن الصراع المباشر، ذلك يرسل رسالة مهمة جداً، وهي أن زمن «الغيتو» علينا أن نعيد النظر فيه. مهما بلغت إسرائيل من قوة عسكرية واستخبارية وتقنية حتى سياسية لا تستطيع يقيناً الشعور بالأمن، وليس ذلك تخرصاً، بل قراءة للواقع، فإسرائيل تحيط نفسها اليوم في معظم نقاط التماس مع الأراضي الفلسطينية بأسوار عالية، هي في الحقيقة «محاصرة» من جهة، وتقوم بفرض «الحصار» من جهة أخرى، لذلك فالمجتمع الإسرائيلي لا يشعر بالأمان، غُذّي هذا الشعور لعقود طويلة من سياسيين إسرائيليين، ربما كان هدفهم رصّ صفوف القادمين الجدد، ودائماً تذكيرهم بالهولوكوست الذي قام به النظام النازي تجاههم في مأساة إنسانية لن ينساها تاريخ البشرية. الاتفاق الأخير يتوجب أن يعود الجميع لفحص سياسة «الغيتو» المتبادل، فإسرائيل دولة معترف بها من الكل في محيطها، وها هي دول بعيدة نسبياً تمد يدها للسلام. لذلك فإن حشد الرأي العام الإسرائيلي ضد العرب والثقافة العربية في برامج التدريس أو الإعلام حتى الخطاب السياسي، يتوجب إعادة صياغته إسرائيلياً، كما في المقابل يتوجب إعادة صياغة برامج في التعليم والإعلام والخطاب السياسي العربي تجاه سحب «الخرافات» التي زرعت على مرور عقود من الزمن تجاه إسرائيل، والتي هي قد أثّرت في الخطاب الزاعق من البعض اليوم تجاه توقيع السلام الأخير في البيت الأبيض، هذا الزعيق نتيجة متوقعة من تراكم كم ضخم من المعلومات المغلوطة لدى الجمهور العربي، فلم يكن لدينا إلا النزر اليسير من مراكز البحث لمعرفة الآخر على حقيقته من دون تضخيم أو تهوين، ذانك ملفان في الضفتين يتوجب زيارتهما في القريب، لأن ترك تلك التصورات في الخلفية سوف يأكل من الرأسمال المرتجى من الاتقاقات الأخيرة. على الجانب الإسرائيلي الشعور بالأمان الحقيقي يبعد التطرف ويزيد الإقبال الأوسع على الاعتدال. ردة فعل الإخوة الفلسطينيين مع الأسف متوقعة، وفي الغالب انفعالية ومتضخمة، وبعضها تحول من السياسي كالعادة إلى الشخصي (متدني الخطاب)، وهي سلوكيات آن الوقت أن يترفع عنها الجميع! خاصة من القياديين. مثال على ما سبق قول محمود الزهار، القيادي في «حماس»، وهو مسجل له، إن وباء «كورونا» هو فقط للأميركان والإسرائيليين والعرب المطبعين. مثل تلك القيادات كيف يمكن أن ترمم مصداقيتها؟ ومن تخاطب؟ أما طائفة من الإخوة الفلسطينيين فهم يطلبون من الدول العربية الأخرى تحقيق معادلة مستحيلة، وهي «عدوي هو عدوك، أما عدوك فهو صديقي». يعرف الكل أن إيران وأيضاً تركيا تريدان فرض هيمنة على هذه المنطقة، في الظاهر تحت شعارات براقة، وفي الواقع سعياً للسيطرة على الموارد والبشر، إلا أن العلاقة بين بعض تلك التنظيمات وتلك المشروعات التوسعية مثيرة للريبة، وعلى حساب إخوة لهم في منطقتنا. منذ أسابيع نظم زملاء عرب لقاء عن بُعد مع إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، الغرض محاولة للدفع بالوحدة الفلسطينية، التي هي لأي عاقل ضرورة ملحة لكل الفلسطينيين لمواجهة تحديات المرحلة. طرحت في اللقاء مخاوف إخوانه في الخليج من تلك العلاقة مع إيران، وأنها تعدت المصالح المشتركة كي تُؤثر سلباً في مصالح الآخرين. الإجابة كانت عامة، لكن رسالتي وصلت ومعها القلق الحقيقي. الموقف العربي وخاصة الخليجي طوال تاريخ القضية كان هو الأكثر والأعمق في المساعدة السياسية والاقتصادية، منذ أن جمع السفير عبد الله بشارة في عام 1979، وكان مندوب الكويت وممثلها في مجلس الأمن، السيد أندرو ينج ممثل الولايات المتحدة مع ممثل منظمة التحرير وقتها زهدي الطرزي على مائدة عشاء للبحث في القضية، وقتها المنظمة كانت بصفة مراقب، فقد على أثر ذلك السيد ينج منصبه، بعد أن علم الإعلام بالاجتماع! كما أن شبكة الأمان العربي المقرة من الجامعة العربية لتسيير الإدارة الفلسطينية وهي 100 مليون دولار شهرياً معظمها يأتي من دول الخليج. إن كان توقيع الثلاثاء الماضي سوف يدفع المجموعات الفلسطينية المختلفة والمخالفة إلى التوحد، فيستحق أن يشكر، لأنه كان الدافع، ولو أني أقرب إلى الشك في الأمر، لأن بين الفصائل جدران سميكة من المصالح المختلفة! مع الأسف.
إلى مقلب آخر، تدعو السلطة الفلسطينية الجامعة العربية لإدانة دولة الإمارات بسبب اتفاقها مع إسرائيل، في قراءة عمياء للواقع العربي القائم، وتصور غير حصيف للخطوة الإماراتية. لو كان هناك عقل منطقي لقارن أن العرب رحبوا باتفاق أوسلو الذي عقدته السلطة مع إسرائيل وقتها من دون استشارة للجامعة العربية أو علمها، وكان ذلك اعترافاً بإسرائيل، بل إن المناداة بحل الدولتين هو الاعتراف بحد ذاته. كان يمكن أن تقرأ خطوة دولة الإمارات ومملكة البحرين الأخيرة كما يجب أن تقرأ، فهي لو كانت «أزمة» تحمل في طياتها فرصة للقضية وتكسب أرضاً سياسية في ظل الظروف الحالية والعالمية السائدة، فهي خطوة يمكن توظيفها باتجاه ما يُرغب من الحصول عليه من إسرائيل، كما أن المرتجى أن يخرج بعض الساسة الإسرائيليين من مصيدة الغيتو المشتركة، إلى رحاب التعامل مع دول ليست عدوة، وكما قال وزير الخارجية الإماراتي في خطابه الثلاثاء في البيت الأبيض؛ حيث لم يفته ذكر القضية والإشارة إلى شكر رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي جمّد التمدد والاستيلاء على الأرض لأنها فلسطينية. وعلينا أن نتذكر أن صانع السلام سوف يكون مستهدفاً، وربما هناك جيوب سوف تنتعش بالمال الإيراني أو الإعلام الموجه كي تخلق كثيراً من الأزمات، لذلك فإن ملف الوقاية يتوجب أن يوضع أمام جميع من ذهب إلى السلام لتجنب الأسوأ.
آخر الكلام...
لغة الجسد أثناء توقيع اتفاق السلام مع إسرائيل... حيث كان الشيخ عبد الله منسجماً مع سويته الأخلاقية ودماثة سلوكه عندما قدم أكثر من مرة عبد اللطيف الزياني في الصف أو الصور رغم أقدميته. إنها أخلاق الفرسان.
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة