يرى الاتحاد الأوروبي أن الانكماش الاقتصادي العالمي الناجم عن انتشار فيروس كورونا، يقوي من الحجة التي ترى ضرورة التوصل لاتفاق يفتح السوق الصيني بشكل أوسع أمام المستثمرين الأجانب.
عقد يوم الاثنين الماضي مؤتمر عبر الفيديو ضم مستشارة ألمانيا (الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي)، وشارل ميشيل رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، وأرسولا فون دير لين رئيس المفوضية الأوروبية، والرئيس الصيني شي جين بينغ، وذلك كبديل عن قمة أوروبية صينية كان مقترحا أن تعقد خلال الشهر الحالي في العاصمة الألمانية. وفي أعقاب المؤتمر قال ممثلو أوروبا الموحدة أن الكرة الآن في ملعب الصين للوفاء بهدف التوصل مع نهاية العام الحالي لاتفاقية الاستثمار بين الجانبين التي طال انتظارها.
وأثناء هذا المؤتمر صعد الاتحاد الأوروبي من مطالبته للصين بفتح أسواقها بشكل أكبر أمام المستثمرين الأجانب، في محاولة للحفاظ على الهدف النهائي المتمثل في التوصل إلى اتفاقية بعيدة المدى للاستثمار.
وكان الاتحاد الأوروبي والصين قد دخلا في عملية تفاوض منذ عام 2013 للتوصل لاتفاق ثنائي يسمح بتقليص القيود أمام الشركات الأوروبية الراغبة في الاستثمار في السوق الصيني. وفي أبريل من العام الماضي وضع الاتحاد الأوروبي والصين تاريخ نهاية العام الحالي كأجل للتوصل إلى اتفاقية استثمارية طموحة.
ويرى الاتحاد الأوروبي أن الانكماش الاقتصادي العالمي الناجم عن انتشار فيروس كورونا يقوي من الحجة التي ترى ضرورة التوصل لاتفاق يفتح السوق الصيني بشكل أوسع أمام المستثمرين الأجانب.
وقالت المستشارة الألمانية أن التوصل لاتفاق بين الجانبين خلال العام الحالي ما يزال أمرا ممكنا، وأبلغت الصحفيين أن "الأمر قد تلقى دفعة سياسية" نتيجة لاجتماع يوم الاثنين.
وقالت ميركل إن الأمر" يتعلق بمصالحنا الاستراتيجية.. فخلال الخمسة عشر عاما الأخيرة، أصبحت الصين أقوى اقتصاديا بكثير.. وهذا يعني أن مطالبتنا بالتعامل بالمثل فيما يتعلق بتوفير ساحة متكافئة للعمل (أمام الشركات)، تعد اليوم بطبيعة الحال مبررة أكثر".
الصين والاتحاد الأوروبي من أكثر الأطراف الفاعلة دوليا التي ترى أن مصالحها ما زالت تتطلب المزيد من الانفتاح سواء في التجارة أو الاستثمار، وانتهاج نهج التفاوض للتوصل إلى حلول مشتركة بدلا من نهج المواجهة التي تبنته الولايات المتحدة في مواجهة الصين وبقية شركائها التجاريين.
علاقات اقتصادية متنامية وخلافات أيضا
تطورت العلاقات بين الصين وأوروبا على مر الزمن، حتى بلغت قيمة الصادرات الصينية لأوروبا الموحدة في عام 2019 حوالي 420.7 مليار يورو، بينما بلغت واردات الصين منها نحو 225.2 مليار يورو، ووفقا لهذه الأرقام تعد الصين أكبر مصدر للاتحاد الأوروبي في الوقت الذي يعد فيه السوق الصيني ثاني أهم سوق لأوروبا الموحدة بعد الولايات المتحدة الأمريكية. وتعد أهم الصادرات الصينية للاتحاد الأوروبي هي السلع الصناعية والاستهلاكية، والمعدات والآلات، والملابس والأحذية، بينما تتكون أهم الصادرات الأوروبية للصين من الآلات والمعدات، والسيارات، والطائرات والكيماويات.
مع هذا فلا يعني الأمر توافقا تاما بين الطرفين، بل هناك خلافات شديدة بينهما لكن ما يجمعهما هو رؤية أن حل هذه الخلافات ممكن في إطار المفاوضات بين الجانبين وفي إطار التمسك بالأطر المتعددة الأطراف المتوفرة حاليا، وتعديل هذه الأطر بما يسمح بتحقيق مصالح الجميع. حيث تسعى أوروبا التي تعارض منهج المواجهة الذي تتبعه الولايات المتحدة مع الصين فيما يتعلق بالتجارة والاستثمار، إلى إظهار أن سياستها بمزيد من المشاركة مع الصين تؤتي أكلها.
وتقول المفوضية الأوروبية إن الاتحاد الأوروبي ملتزم بعلاقات تجارية مفتوحة مع الصين. ولكنه يرغب في التأكد من أن الصين تقوم بممارسات تجارية عادلة، وفي ظل احترامها لحقوق الملكية الفكرية ووفائها بالتزاماتها كعضو في منظمة التجارة العالمية.
وكان الاتحاد الأوروبي قد عبر في وقت سابق عن تشككه في احتمالات التوصل إلى اتفاق هذا العام لفتح السوق الصيني أكثر أمام المستثمرين الأجانب. والسبب هو أن الاتحاد ما زال يرى أن على بكين أن تقدم المزيد من التنازلات لكي تكون الساحة مهيأة أمام أنشطة الأعمال الأوروبية بشكل متكافئ.
وبينما نظرت أوروبا لاتفاق المرحلة 1 التجاري بين الصين والولايات المتحدة في شهر يناير الماضي على أنه ييسر عملية التبادل التجاري التي تأثرت بحرب التعريفات الجمركية، إلا أنه يعد في رأيها قاصرا في التعامل مع السياسات الصينية التي ترى كل من الولايات المتحدة وأوروبا أنها تشوه اقتصادات السوق. وتتضمن هذه السياسات تقديم دعم للصناعة، وتحكم الدولة في المؤسسات وعملية النقل القسري للتكنولوجيا.
ويرى الاتحاد الأوروبي أن هدف الاتفاق مع الصين هو التعامل مع هذه الموضوعات الخلافية، إلى جانب توسيع مدخل السوق الصيني أمام المستثمرين الأجانب في عدد من الصناعات الرئيسية التي تمتد من صناعة السيارات إلى التكنولوجيا الحيوية.
سياسات دفاعية أوروبية
في نفس الوقت الذي يتم فيه التفاوض، يعتزم الاتحاد الأوروبي توسيع ترسانة أدواته الدفاعية لمواجهة توسع الصين التجاري والاستثماري. ويستخدم الاتحاد الأوروبي التعريفات إلى حدها الأقصى المسموح به ضمن الحدود المتعارف عليها في منظمة التجارة العالمية، وذلك لمواجهة الواردات التي يزعم أنها تباع بأسعار منخفضة غير عادلة، كما شدد الرقابة على الاستثمارات الأجنبية على أرضية الأمن القومي، وشدد الرقابة على عمليات الدمج والاستحواذ التي تتم من قبل شركات مدعومة من الخارج على أرضية قوانين مكافحة الاحتكار. وفي هذا الإطار كان الاتحاد الأوروبي في وقت سابق من العام الحالي قد فرض رسوم إغراق على صادرات الألياف الزجاجية الصينية، ولأول مرة فرض رسوم إغراق على صادرات شركات صينية تنتج الفايبر غلاس في مصر.
وكان الرئيس الصيني خلال شهر أغسطس الماضي قد ناشد المستثمرين الأجانب بالاستمرار في أعمالهم بالصين، مؤكدا على أن بلاده ستتبنى سياسة أكثر انفتاحا تجاههم.
وقد اشارت المفوضية الأوربية بالفعل إلى تحقق تقدم ملحوظ في بعض قضايا المحادثات، إلا أنه ما زال يتعين على بكين بذل المزيد من الجهد في بعض الموضوعات الرئيسية.
قد لا ينتهي الحال بالطرفين الأوروبي والصيني للتوصل لاتفاقية للاستثمار كما هو مزمع بنهاية هذا العام، إلا أنه من المؤكد أن الكل سيبقى حريصا على استمرار التفاوض، والتأكيد على أن نهج التعاون والتفاهم أفضل في تحقيق المصالح من المواجهة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة