يرى البعض أنه بسبب تزايد الطلب الصيني وتزايد الاستثمار في أشباه الموصلات فربما يمكن بناء عملاق صيني على المستوى العالمي في هذا المجال.
انتقلت الولايات المتحدة في نزاعها مع الصين من مجال التجارة وفرض التعريفات الجمركية إلى النزاع حول التكنولوجيا. وجاءت أحدث حلقة في هذا النزاع أو الحرب التكنولوجية لتنصب على رقائق أشباه الموصلات. إذ يبدو أن واشنطن رأت في هذه الرقائق التي تعتمد الشركات الصينية التكنولوجية الكبرى فيها على الخارج، وخاصة على الولايات المتحدة، الحلقة الضعيفة التي يمكن بواسطتها كبح جماح التطور التكنولوجي والصناعي الصيني المتسارع.
اعتماد صيني كبير على الخارج
قالت صحيفة "واشنطن بوست"، يوم السبت الماضي، إن السلطات الأمريكية فرضت قيودا على تصدير المنتجات التكنولوجية إلى شركة SMIC الصينية التي تنتج أشباه الموصلات. وجاء في وثيقة من وزارة التجارة الأمريكية، نشرتها الصحيفة، أنه بات يتوجب بعد الآن على الشركات الأمريكية، الحصول على تراخيص خاصة من السلطات، لكي تتمكن من تصدير أنواع معينة من منتجاتها إلى SMIC.
وكانت وكالة "رويترز" قد أشارت قبل ذلك، إلى أن البنتاغون قد اقترح إدراج SMIC في القائمة السوداء. وحتى الآن، تم إدراج أكثر من 275 شركة صينية على القائمة السوداء. وهذا الأمر، يحد بشدة من قدرتها على شراء معدات عالية التقنية من الولايات المتحدة.
ومن المنتظر أن تستورد الصين أشباه موصلات بقيمة 300 مليار دولار هذا العام وذلك للعام الثالث على التوالي، على الرغم من المليارات التي تم استثمارها في الشركات الصينية المحلية من أجل حيازة المعرفة الفنية في صناعة رقائق أشباه الموصلات.
والشركات العملاقة مثل هواوي وشركة الإلكترونيات الصينية تأتي في صدارة جهود بكين لتخفيف اعتمادها على التكنولوجيا الأمريكية بالاستثمار في رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة، وتصميم البرامج. ومع ذلك ففك الارتباط مع الولايات المتحدة كما ذكر نائب رئيس اتحاد الصين لصناعة أشباه الموصلات "يهدد الاقتصاد العالمي، كما أنه أمر مستحيل في الوقت الراهن على الرغم من التقدم الكبير الذي حدث محليا".
كانت الصين مصدر معظم النمو العالمي في صناعة أشباه الموصلات خلال النصف الأول من العام الحالي، بسبب أنها ما زالت تستورد أشباه موصلات من قادة هذه الصناعة الكبار مثل شركتي ميكرون وكواليكوم الأمريكيتين. وقد استوردت الصين بنحو 184 مليار دولار في الشهور السبعة الأولى من العام الحالي، وهو ما يزيد بنسبة 12% عن نفس الفترة خلال العام الماضي.
وقد زادت الصين على نحو مفاجئ خلال الأعوام الماضية استثماراتها في البحث والإنتاج، وقامت شركة تسينغهوا المدعومة من الدولة ببناء مصنع لإنتاج رقائق الذاكرة بلغت تكلفته 22 مليار دولار في مدينة ووهان، بينما قامت شركة هواوي بتصميم معالجات Processors لأغلب ما تصنعه من هواتف خلوية. كما قام مطورو البرامج بالتدخل بعد أن قامت واشنطن بحظر استخدام هواوي إلكترونيات أدوات التصميم الآلية من شركتي كادنس وسينوبسيس. وقامت الشركة الأخيرة، التي تعد برامجها مهمة من أجل تطوير شركة هواوي لتصنيعها للرقائق محليا، بوقف التعامل مع هواوي بسبب القرارات الصادرة عن الإدارة الأمريكية.
دعم حكومي صيني ومطالب بدعم أمريكي مناظر
برهنت القرارات الأمريكية بحرمان الشركات الصينية من رقائق أشباه الموصلات على أهمية تصنيع الصين للرقائق بنفسها، حيث أن الرقائق هي المكون الأساسي في معظم التكنولوجيات من شبكات الجيل الخامس 5G إلى السيارات والهواتف الذكية ومراكز المعلومات. وقد قامت إدارة ترامب منذ شهر مايو بالتركيز على أشباه المواصلات في حملتها للسيطرة على الصعود التكنولوجي الصيني، وذلك بمنعها شحن أي رقائق لشركة هواوي أكبر الشركات الصينية.
وكانت شركة هواوي التي تعد أيضا أكبر مُصنع للهواتف المحمولة قد فقدت منذ شهر سبتمبر الماضي إمكانية شراء الرقائق، وذلك طبقا للقرارات الأمريكية التي تحظر على الموردين في أي مكان في العالم التعامل مع الشركة الصينية فيما إذا كانوا يستخدمون معدات أمريكية في تصنيع الرقائق. وقد أبرزت هذه القرارات الضرورة العاجلة في بناء بدائل من التصنيع المحلي في الصين.
وتحضر بكين لدعم واسع لما يسمى بالجيل الثالث من أشباه الموصلات وذلك خلال الخمس سنوات المقبلة 2021-2025، وقد تم الاستقرار على مجموعة من الإجراءات لدعم البحث، والتعليم والتمويل من أجل الصناعة لتضاف إلى الخطة الخمسية الرابعة عشر التي سيتم تقديمها لقادة البلاد خلال شهر أكتوبر الحالي.
وذكرت وكالة بلومبرج أن الصين تراهن على أن شركاتها يمكن أن تنافس فيما لو سرعت من البحث في هذا المجال الجديد. وخاصة أن الشركات الكبرى في الولايات المتحدة واليابان قامت للتو بالبدء في تنمية هذا النشاط، وبعض الشركات الصينية العملاقة تكنولوجيا مثل سانان للإلكترونيات، والشركة المملوكة للدولة المسماة مجموعة الصين لتكنولوجيا الإلكترونيات قامت بشق طريقها في مجال رقائق الجيل الثالث. وهذه الشركات إلى جانب شركات أخرى في القطاع مثل الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات، وشركة ويل لأشباه الموصلات المحدودة ربما تستفيد من دعم الدولة واسع النطاق. ويرى البعض أنه بسبب تزايد الطلب الصيني وتزايد الاستثمار في أشباه الموصلات فربما يمكن بناء عملاق صيني على المستوى العالمي في هذا المجال.
وترى صناعة الرقائق في الولايات المتحدة بالمقابل أن هناك حاجة لحوافز فيدرالية لإيقاف اتجاه طويل المدى من التحرك لتصنيع الرقائق في الخارج، ويقول اتحاد الصناعة إنه بينما ينحسر الإنتاج الأمريكي، تقوم الصين بضخ أموال في صناعتها المحلية لأشباه الموصلات، وتعطيها نفس درجة الأهمية التي تعطيها لبناء قدرتها النووية. وهو ما يجعل من تصنيع أشباه الموصلات أمر يخص الأمن القومي.
ويرى اتحاد الصناعة أن المصانع الجديدة التي سيتم بناؤها بالاستعانة بالدعم الفيدرالي، سوف تساعد على الحصول على أحدث تكنولوجيات التصنيع وطاقة إنتاجية كافية لتغطية الطلب على أشباه الموصلات من قبل صناعات الدفاع والفضاء.
ويتوقع اتحاد صناعة أشباه الموصلات أن نحو 6% فقط من الطاقة الإنتاجية الجديدة التي يتم تطويرها سوف تتوطن في الولايات المتحدة، بينما ستستضيف الصين نحو 40% من هذه الطاقة الجديدة خلال السنوات العشر المقبلة لتصبح أكبر مركز لتصنيع أشباه الموصلات في العالم.
ويقول السيناتور الجمهوري جون كورنيان والذي يرعى لجنه مكونة من أعضاء في الحزبين الديمقراطي والجمهوري تطالب بتشريع أمريكي لزيادة الدعم الحكومي للصناعة إن "تصنيع أشباه الموصلات محليا آخذ في التدهور، وقد أوضح وباء كوفيد 19 بجلاء كيف أن هناك مخاطر في سلاسل الإمداد بوضعها الراهن".
ويذهب تقرير اتحاد الصناعة إلى أن توطين مصنع في الولايات المتحدة يكلف أكثر بنحو 30% مما يتكلفه في كوريا الجنوبية وسنغافورة، وربما يكون توطين المصنع في الصين أرخص من الولايات المتحدة بمقدار 50%. وتصل تكلفة بناء مصنع لأشباه الموصلات إلى 20 مليار دولار، وعلى مدار عقد ربما يكلف بناء مثل هذا المصنع نحو 40 مليار دولار. والحوافز الحكومية حول العالم تقلل هذه التكلفة بما يصل إلى 13 مليار دولار.
ومعظم الحوافز المقدمة في الولايات المتحدة تقدم عن طريق حكومات الولايات التي لا يمكنها المنافسة ضد دول لديها ميزانيات أكبر. فبعض البلدان تقدم الأرض اللازمة لإنشاء المشروع مجانا. وتقوم بلدان أخرى بإعفاء الشركات من الضرائب العقارية وضرائب الشركات أو تقوم بالمساعدة في شراء المعدات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة