الصين في الشرق الأوسط.. سياسة متوازنة وثقل دولي
الصين ازداد اهتمامها بالقضايا السياسية والأمنية في المنطقة العربية والشرق الأوسط، خصوصا بمجالات التصدي للإرهاب والتدخلات الإقليمية
تنتهج جمهورية الصين الشعبية سياسة متوازنة في التعامل مع القضايا الإقليمية المحورية، دون أن تحيد إلى طرف على حساب آخر، ما أكسبها ثقلا دوليا ومصداقية وتأثيرا قويا لدى الجميع.
ويعود الفضل للتأثير القوي للصين في علاقاتها المتميزة مع دول العالم لاستراتيجية بكين المرتبطة بالإصلاح والانفتاح، وإيمان الصين بأن مسار التنمية والانفتاح وكذلك مجالات التعاون والمصير والتنمية والتعلم المشتركة بين دول العالم هو الوضع الأمثل لنمو عالمي أكثر ثباتا.
وشهدت الصين عدة تحولات على مستوى الحضور الدبلوماسي والسياسة الخارجية، أسفرت عن مواقف حازمة ضد التأزيم والدفع باتجاه التصادم، وقدمت تصورا يؤمن بأن التنمية التكاملية بين الدول حول العالم تسهم في تعزيز السلام العالمي.
وتحظى الصين اليوم بشراكات نشطة مع بلدان في جميع أنحاء العالم، وهو ما دفع العديد من القوى العالمية إلى الدخول في شبكة الشراكة العالمية معها.
مواقف ناصعة في السياسة الدولية
وإدراكًا منها بأهمية الترابطات مع البلاد العربية، ازداد اهتمام الصين بالقضايا السياسية والأمنية في المنطقة العربية والشرق الأوسط وخصوصا التصدي لانتشار الأفكار المتطرفة وأنشطة التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود والتصدي للتدخلات الإقليمية.
ففي القضية الإيرانية، انتقدت الصين تهديدات طهران للملاحة العالمية ولدول الخليج، مؤكدة أن على إيران بذل مزيد من الجهد لضمان الاستقرار في الشرق الأوسط.
وقال مساعد وزير الخارجية الصيني، تشين شياو دونج، في بيان سابق، إن "على إيران أن تبذل مزيدا من الجهد لضمان الانسجام مع جيرانها".
وأضاف: "تعتقد الصين أن على إيران بذل المزيد من الجهد للإسهام في السلام والاستقرار بالمنطقة، والمشاركة في حماية السلام والاستقرار هناك، خاصة أنها دولة تطل على الخليج لذا عليها أن تكرس نفسها لتكون جارة صالحة، وأن تتعايش سلميا، وستواصل الصين لعب دورها الإيجابي والبناء".
وفي القضية الفلسطينية، أكد الرئيس الصيني شي جين بينج، مرارا وقوف بلاده إلى جانب الشعب الفلسطيني ورفضها أي "إجراءات أحادية تقوض فرص تحقيق السلام".
وجدد موقف بلاده الثابت في دعم القضية الفلسطينية العادلة، والتمسك بحل الدولتين وإقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وأكد رفض الصين مخالفة القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة"، في إشارة ضمنية إلى خطط إسرائيل لضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، قبل أن تتوقف تلك الخطط لاحقا عقب معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية
ويشير ذلك إلى التناغم في السياسة الخارجية مع الإمارات التي أوقفت ضم الأراضي الفلسطينية بتوقيعها معاهدة السلام مع إسرائيل الذي يمهد لحل الدولتين، وإرساء الأمن والاستقرار بالمنطقة.
وفي الشأن السوري، حثت وزارة الخارجية الصينية الحكومة التركية على وقف عدوانها العسكري على سوريا و"العودة إلى المسار الصحيح".
جاء ذلك في إفادة سابقة أدلى بها المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية قنج شوانج في بكين.
أما بشأن الأزمة اليمنية فكان الموقف الصيني واضحا منذ اليوم الأول برفضها الانقلاب الحوثي، مؤكد أنه ضربة للجهود التي تدعمها الأمم المتحدة لإنهاء الحرب الدائرة في اليمن.
وأكدت الصين أنها تأمل في توصل الأطراف المعنية في اليمن عن طريق الحوار لحل الخلافات، والتوصل لتسوية عادلة يمكن لكل الأطراف قبولها على أساس قرارات الأمم المتحدة ومبادرات مجلس التعاون الخليجي.
وفي ليبيا، أعلنت الصين دعمها لجامعة الدول العربية في أداء دورها الإيجابي بشأن القضية الليبية، معربة في الوقت نفسه عن ترحيبها بالمبادرة المصرية حول ليبيا.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، نشأة لي جيان، إن "الصين تدعم جامعة الدول العربية في أداء دورها الإيجابي بشأن القضية الليبية، وترحب بجميع الجهود المبذولة بشأن تخفيف حدة التوترات في ليبيا بما فيها مبادرة القاهرة التي اقترحتها مصر".
وفي منطقة الساحل، التزمت الصين في سياستها الخارجية بعدم التدخل في شؤون الدول والسعي بكل السبل لكبح الإرهاب في تلك المنطقة.
ومن هذا المنطلق جاء إعلان وزير الخارجية الصيني وانغ يي عن اعتزام بلاده منح 500 مليون يوان (نحو 73 مليون دولار) للقوة العسكرية متعددة الجنسيات في منطقة الساحل الأفريقي من أجل تمكينها في مهمتها لمحاربة الإرهاب بمنطقة الساحل الأفريقي.
إعلان يدل على التزام الصين وإدراكها بأهمية اجتثاث الإرهاب، بعدما قدمت 100 مليون دولار لدعم القوة الاحتياطية الأفريقية، بالإضافة إلى 30 مليون دولار للمعدات اللوجستية العسكرية، خلال العام الماضي.
تعميق العلاقات العربية
لم يكن ما قاله الرئيس الصيني في العام 2018 مجرد كلمات بل كان بمثابة بنود وخطوط رسمت ملامح العلاقات الصينية العربية للسنوات المقبلة.
وأشار شي جين بينج إلى أن الصين والدول العربية اتفقتا على إقامة "شراكة صينية عربية استراتيجية موجهة نحو بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للصين والدول العربية وكذلك للبشرية والتنمية المشتركة".
وأكد أن التعاون بين الطرفين في المشروعات المرتبطة باستراتيجية الحزام والطريق قد "بعث النشاط في كل أبعاد العلاقات الصينية العربية، ودفع التعاون الصيني العربي الشامل إلى مرحلة جديدة".
وأضاف أن الطرفين بحاجة إلى تعزيز الثقة الاستراتيجية، والالتزام بالحوار والتشاور، وتدعيم مبدأ السيادة، والعمل معًا لمكافحة الإرهاب.
وحسب تصريحات القيادة الصينية، فإن الصين تدعم الدول العربية على المضي قدماً في الطرق التي تختارها لنفسها وتدعم حقها في اختيار هذه الطرق.
كما تساعدها على حل قضاياها الساخنة بواسطة الحوار والتفاوض، وتشجع التعاون معها لتحقيق المصالح المشتركة وتبادل المنافع.
وتنظر القيادة الصينية إلى الدول العربية بتقدير وحرص على التعاون معها، ويكفي الإشارة إلى قول الرئيس بينج إن "الصين والبلاد العربية تشغلان سدس مساحة العالم وربع عدد سكانه"، وذلك في سياق تأكيده على أهمية المصالح المتبادلة بين الطرفين، وأن التعاون العربي الصيني هو رهان أكيد لمستقبل أفضل للعرب.
aXA6IDE4LjExOS4xMjEuMjM0IA==
جزيرة ام اند امز