دخول الصين إلى منطقة الشرق الأوسط سيكون عاملا جديدا لتشكيل توازن قوى في المنطقة.
تتميز السياسة الخارجية للرئيس الصيني، شي جين بينغ، خاصة بعد إعادة انتخابه في بداية هذا العام، بأنها سياسة نشطة في العالم، وليس في جوارها الجغرافي فقط.
وينظر المراقبون إلى الزيارة التي ينوي، شي بينغ، القيام بها إلى العاصمة الإماراتية، أبوظبي، في نهاية هذا الأسبوع، على أنها تلخص الكثير من التحليلات والكلام الذي يقال حول جاهزية الصين لإعلان أسس جديدة في علاقتها بدول العالم ومنطقة الشرق الأوسط تحديداً، وبالتالي فإن نتائج هذه الزيارة لن تقتصر على دولة الإمارات فحسب.
من الطبيعي أن يبذل أبناء المنطقة جهداً لتقدير الرغبة الصينية في الانفتاح عليهم، بل إن هذه الزيارة تعد بداية لتحول الرغبة الصينية من كلام نظري إلى خطوات عملية، خاصة بعدما أثبتت للعالم بأنها دولة يمكنها أن "تؤلم" غيرها من الدول الكبرى في العالم من خلال السياسات التجارية
وإذا كان الصينيون في نظر البعض أنهم مدينون ببعض نجاحاتهم في السياسة الخارجية إلى السياسة الانعزالية للولايات المتحدة الأمريكية، التي بدأت ملامحها في عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما وما زالت مستمرة مع إدارة الرئيس دونالد ترامب الذي ينفذ ما تعهد به في حملته الانتخابية بحذافيره، فإنه يتأكد للمراقب أن صانع السياسة الصينية وتحديداً الرئيس بينغ ذو رؤية خاصة للسياسة الخارجية الصينية، كان ذكياً في اختيار اللحظة المناسبة لاستثمار التراجع الأمريكي وفي اختيار موقع تدشين سياسته الجديدة باعتبارها سترجح كفة الصين في ملفات المنطقة التي تشهد تغييرات كثيرة حالياً، خاصة دول المنطقة وربما العربية تحديداً، ترغب ألا تكون الصين مستثناة هذه المرة من التموضع في ملفات المنطقة.
حتى وقت ليس ببعيد كان هناك عائق نفسي أمام تطوير العلاقات السياسية الصينية العربية، لكن تطورات الأحداث في المنطقة، وميل الكفة الأمريكية ضد الدولة الوطنية العربية، وعدم بروز الرغبة الروسية في لعب دور منافس حقيقي لواشنطن، مثّلت مدخلاً مناسباً لإزالة الإرث النفسي القديم ضد الصين "المعتدة بأيديولوجيتها" الشيوعية البراجماتية التي وضعها تشي جين بينغ، والذي يدرك بلا شك الثقل الدبلوماسي الذي تمثله دولة الإمارات في قضايا المنطقة، وقدرتها في التأثير على اتجاه الأحداث فيها، وخير دليل ما حدث في التقارب الإريتري والإثيوبي بوساطة إماراتية، قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
دخول الصين إلى منطقة الشرق الأوسط سيكون عاملا جديدا لتشكيل توازن قوى في المنطقة التي تعتبر أحد المعاقل التقليدية للاستراتيجية الأمريكية، التي ترى أنها مازالت القطب الأوحد في العالم.
ربما يقول قائل عن دور روسيا في القطبية الثنائية، بأنها مازالت تلك الدولة التي تتنافس مع الولايات المتحدة على مناطق نفوذ في العالم، وحققت نقطة مهمة في الدبلوماسية العالمية من خلال إبهار العالم باستضافتها للمونديال الذي انتهى قبل يومين، حيث سدت ثغرة كان البعض يعتبرها نقطة ضعف في تسويق نفسها دولياً، وبالتالي قبولها لدى الرأي العام العالمي، وإقناعه بأنها يمكن أن تكون صديقة للعالم. فالاستضافة كانت النافذة التي أطلت بها روسيا على العالم الخارجي، والتي حققت لها جانباً مهماً في إقناع العالم بقدرتها على تحمل مسؤوليتها الدولية في تحقيق الاستقرار والأمن.
قد تكون تلك الاستضافة الكروية مهمة في تسويق سياستها الخارجية، إلا أن منافستها للقوى العظمى فيبدو أن الصين حسمت الموضوع منذ فترة، ولكن دون الإعلان عن ذلك، ولكن الاستراتيجية الأمريكية أدركت خطر التمدد الصيني، ليس فقط من خلال التنافس التجاري وانتشارها على المستوى العالمي وفق الدبلوماسية الهادئة، ولكن من خلال الاهتمام بالجانب العسكري أيضاً، ومن خلال الإعلان عن طموحاتها الخارجية عبْر خطاب إعادة انتخاب الرئيس الحالي في مارس من العام الجاري، حيث يعتبر (شي جين بينغ) واحداً من أهم منظّري الشيوعية الجديدة دون المساس بمبادئها الأساسية.
إذًا الزيارة هي بمثابة تدشين لمكانة الصين في السياسة الدولية، ليس فقط أنها جاءت في ظرف سياسي استثنائي في المنطقة التي تشهد فوضى أمنية، ولكن لأنها مسّت نقطة تعتبر مهمة في الاستراتيجية العالمية، وهي الدخول في ملفات الشرق الأوسط وقضاياه التي تعتبر المحرك الأساسي لأي دور دولي، مثل: القضية الفلسطينية والسلام في هذه المنطقة، وكذلك من ناحية أهمية هذه المنطقة في الاستراتيجية الدولية، بما تمتلكه من مخزون طاقة كبير، بالإضافة إلى إطلالتها على الممرات الدولية، وتفاعلها مع القضايا التي تهدد الاستقرار والأمن الدوليين مثل الإرهاب والتطرف.
وبما أن استراتيجية الخارجية الأمريكية تغيرت كثيراً تجاه المنطقة وتجاه حلفائها التقليديين، فإنه من الطبيعي أن يبذل أبناء المنطقة جهداً لتقدير الرغبة الصينية في الانفتاح عليهم، بل إن هذه الزيارة تعد بداية لتحول الرغبة الصينية من كلام نظري إلى خطوات عملية، خاصة بعدما أثبتت للعالم بأنها دولة يمكنها أن "تؤلم" غيرها من الدول الكبرى في العالم من خلال السياسات التجارية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة