لا يمكن لأي دولة تسعى إلى التنافسية العالمية أن تتجاهل تعزيز التعاون مع عملاق اقتصادي دولي بحجم الصين.
في علم المنطق، هناك قاعدة تقول إن المقدمات الصحيحة تؤدي للوصول إلى نتائج صحيحة، وهذا الأمر ينطبق إلى حد كبير على العلاقات بين الدول، فالمؤشرات الرقمية سواء للتبادل التجاري والتعاون الاقتصادي أو غير ذلك، والاستكشاف المبكر للفرص والمصالح المشتركة يؤسس لبناء علاقات استراتيجية قوية بين الدول، ويدعم ذلك توافر محركات دافعة للتعاون مثل الحوار والتنسيق المستمر والزيارات الرسمية المتبادلة، وتوافق الإرادات على دعم هذا التعاون وتعزيزه وفق خطط استراتيجية دقيقة تمهد الدروب بين الحاضر والمستقبل.
تبدو الإمارات محطة مهمة للتخطيط الاستراتيجي الصيني في منطقة الشرق الأوسط، فبكين نفسها تتوقع طفرة هائلة في معدلات التبادل التجاري الثنائي التي تبلغ حاليا نحو 50 مليار دولار، لتصل إلى 80 مليار دولار في غضون العامين المقبلين
قياساً على ما سبق، يمكن القول إن التطور النوعي الذي تشهده العلاقات الإماراتية - الصينية هو نتاج جهود قيادتي البلدين ورغبتهما المشتركة في الارتقاء بمستوى التعاون الثنائي وتعزيزه؛ ليتماشى مع ما يمتلكه البلدان الصديقان من موارد وفرص.
العلاقات الإماراتية - الصينية تتطور ارتكازاً على أسس قوية وضعها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، خلال زيارته التاريخية للصين في مايو عام 1990، ردًّا على زيارة الرئيس الصيني الأسبق يانغ شانغكون إلى دولة الإمارات في ديسمبر عام 1989، حيث كانت زيارة القائد المؤسس لبكين بمنزلة إعلان مهم عن مبدأ من مبادئ السياسة الخارجية الإماراتية، وهو تنويع هامش الحركة السياسي والاقتصادي، والانفتاح على جميع الدول الصديقة دون ارتهان لتحالفات ومحاور أيديولوجية أو سياسية، بل سعيٌ مستمر للتعاون الدولي على أسس مصالحية مشتركة، تستهدف تحقيق التنمية والرخاء للشعوب جميعها.
هذه الرغبة والحرص المشترك يجسدان ويطوران أيضاً من خلال مسيرة العلاقات الثنائية عبر الزيارات رفيعة المستوى التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي- رعاه الله، إلى الصين عام 2008، والزيارات التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في أعوام 2009 و2012 و2015، وتأتي زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الإمارات نهاية الأسبوع الجاري، لتتوج مسيرة علاقات ناجحة والوصول بها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية.
لا يمكن لأي دولة تسعى إلى التنافسية العالمية أن تتجاهل تعزيز التعاون مع عملاق اقتصادي دولي بحجم الصين، التي تمتلك دوراً مؤثراً ليس فقط على الصعيد الاقتصادي، ولكن أيضاً على المستوى السياسي والأمني، وتلعب دوراً مهما في معادلات الأمن والاستقرار الدوليين.
من واقع الأرقام والإحصاءات المنشورة، والتي قرأنا عنها جميعاً ضمن التقارير الإعلامية التي تغطي الزيارة التاريخية المرتقبة للرئيس الصيني، تبدو الإمارات محطة مهمة للتخطيط الاستراتيجي الصيني في منطقة الشرق الأوسط، فبكين نفسها تتوقع طفرة هائلة في معدلات التبادل التجاري الثنائي التي تبلغ حاليا نحو 50 مليار دولار، لتصل إلى 80 مليار دولار في غضون العامين المقبلين، وعلى الجانب الآخر، تدرك الصين مكانتها ضمن محاور السياسة الخارجية الإماراتية، فالقائد المؤسس، طيب الله ثراه، كان أول رئيس لدولة من دول مجلس التعاون يقوم بزيارة رسمية للصين، وهناك اتفاقية تعاون اقتصادي وفني موقعة بين البلدين منذ عام 1985، وسلسلة من الاتفاقات المتخصصة في مجالات مختلفة تم توقيعها خلال عقد التسعينيات.
تحتل الإمارات مكانة مهمة ضمن مبادرة "الحزام والطريق" التي أعلنها الرئيس شي جين بينغ عام 2013، وتوصف بأنها الموجة الثانية من العولمة، والعولمة بنسختها الصينية وغير ذلك من مسميات ومفاهيم، وهي مبادرة تفتح آفاقاً جديدة للتعاون الاقتصادي الدولي، وستثمر عن معطيات جديدة بما يتوقع أن تنتجه من روابط جديدة للتعاون الاقتصادي بين أكثر من 60 دولة في قارات العالم المختلفة، وحيث تمثل دولة الإمارات منفذاً لنحو 60% من الصادرات الصينية إلى دول المنطقة.
الرئيس الصيني تحدث خلال كلمته في المنتدى العربي الصيني عن أن العلاقات بين بلاده والدول العربية ستنتقل من مرحلة التعاون إلى الشراكة، وأن دولة الإمارات من أولى الدول التي تطلعت إلى الشراكة الاستراتيجية مع الصين التي تعد ثاني أقوى اقتصاد في العالم، ولعل زيارته إلى الإمارات بمنزلة إعلان رسمي عن بداية مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين، ما يدفع للقول بأن الحضور الصيني في المنطقة الخليجية والعربية سيزداد قوة وفاعلية خلال المستقبل المنظور، وهو أمر يصب في مصلحة دولة الإمارات وبقية دول مجلس التعاون الساعية إلى ضمان أمن المنطقة واستقرارها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة