موسكو ألقت بخلافاتها وراء ظهرها مع دول كبيرة مثل بريطانيا وفرنسا وبقية دول الناتو، التي اتحدت سياسيا وعسكريا ضدها وقامت بمعاقبتها.
نجحت روسيا في تنظيم نسخة 2018 من كأس العالم، ونجحت في محو الصورة النمطية المقلقة وغير المحببة عن غلظة الروس وفظاظتهم، والتي طالما عملت الآلة الإعلامية الغربية على الترويج لها طوال الفترة الممتدة منذ الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، وحتى ما قبل البطولة.
لو أخضعنا النسخة الأخيرة للمونديال لحسبة بسيطة سنجد أن المستفيد الأكبر هي روسيا، التي يبدو أنها لن تفرط فيما اكتسبته من خلال هذه القوة الناعمة التي عوضتها كثيرا عما فقدته؛ بسبب القوة الخشنة، وربما يشفع لها ما تتمتع به من ثراء وتنوع ثقافي وطبيعي
مذهلة في الحقيقة النتيجة التي انتهت إليها فعاليات المونديال دون تسجيل أي حوادث عنف أو عنصرية، كما كان "متوقعا" أو مروجا له، وهذا أمر ليس بغريب على دولة تمتلك خبرة طويلة في بناء المجتمعات وإدارة الحشود -وإن كان تاريخها غير خال من تجاوزات إنسانية وسياسية- إضافة بالطبع إلى ما لديها من أجهزة أمنية معروفة بدقتها وتقدمها.
ألقت موسكو بخلافاتها وراء ظهرها مع دول كبيرة مثل بريطانيا وفرنسا وبقية دول الناتو التي اتحدت سياسيا وعسكريا ضدها وقامت بمعاقبتها، وعملت على الاستعداد لكأس العالم في صمت على الرغم من تصاعد حدة الخلافات بينها وبين القوى الإقليمية بسبب ملفات سياسية واقتصادية وعسكرية، ففاجأت الجميع بدقة تنظيمها وإدارتها للمونديال، مستندة إلى ما لديها من موارد بشرية تتمتع بتاريخ حضاري، وأرسلت بذلك كثيرا من الرسائل، وحققتت الكثير من الأهداف، ولعل أبرزها إعادة جزء مما فقده اقتصاد البلاد جراء عقوبات أوروبا والناتو.. ويبدو أن هذا الشهر آتى أكلا طيبا فقرر على إثره بوتن أن يعلن لكل من يحملون بطاقة المشجعين أنهم معفيون من تأشيرة الدخول لروسيا حتى نهاية هذا العام.
ليست روسيا فقط من استفادت من هذه النسخة من البطولة التي كلفت روسيا عشرات المليارات لتكون بذلك النسخة الأغلى، فبطبيعة الحال كسبت (فرنسا ماكرون وديشامب ومنتخب فرنسا الشاب) مكسبا سيضعهم جميعا في مقدمة الأخبار لسنين قادمة، فرنسا التي ارتفعت فيها أصوات اليمين الشعبوي المتطرف في الأعوام القليلة الماضية والتي عانى فيها المهاجرون كثيرا جراء تصاعد تلك الأصوات في عموم أوروبا.. هذا الفوز أعاد للمهاجرين اعتبارهم وحقهم في التمتع بمواطنتهم وإنسانيتهم ، بل أبرزَ كم أنهم كانوا جديرين بثقة مواطنيهم ومن قام بترشيحهم للفوز بالكأس الأغلى في العالم.
ولعل ما شاهدناه جميعا من تشكيلة أفروأوروبية للمرة الثانية في تاريخ فرنسا مع الكأس ستتم قراءتها بتمعن هذه المرة؛ لاستخلاص الدروس المستفادة من هذه التجربة التي هي جديرة بالتكرار في مختلف المنتخبات العربية، حيث تزخر دولنا العربية بالكثير من المواهب الشابة التي عاشت سنين طويلة في وطنها الكبير دون أن يستفاد منها، لأسباب عديدة يعاد النظر فيها في عدة دول اليوم.. وعسى أن يكون ذلك قريبا.. وعسى أن يعوضنا ذلك عن تأخرنا في نيل تلكم الكأس الأغلى في العالم.
لو أخضعنا النسخة الأخيرة للمونديال لحسبة بسيطة سنجد أن المستفيد الأكبر هي روسيا التي يبدو أنها لن تفرط فيما اكتسبته من خلال هذه القوة الناعمة التي عوضتها كثيرا عما فقدته بسبب القوة الخشنة، وربما يشفع لها ما تتمتع به من ثراء وتنوع ثقافي وطبيعي وموقع جغرافي سيغري حتما كل من تابع هذه النسخة من المونديال أو حضرها من حول العالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة