الصين تعتبر واحدة من أهم القوى الدولية التي تحرص دولة الإمارات العربية المتحدة على تطوير أطر التعاون الشامل معها في المجالات المختلفة
تعتبر الصين واحدة من أهم القوى الدولية التي تحرص دولة الإمارات العربية المتحدة على تطوير أطر التعاون الشامل معها في المجالات المختلفة، لأنها تدرك أهمية تجربتها التنموية الناجحة وما تمثله من وزن متعاظم ومؤثر في التفاعلات الدولية.
وهناك العديد من المقومات التي تجعل من الصين الشريك الاستراتيجي الشامل والمثالي والمضمون للإمارات على المدى الطويل، بل وتنتقل بمستوى الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين إلى صيغ أكثر تقدماً لمواكبة التطورات والتفاعلات التي تشهدها البيئتان الإقليمية والدولية، والاستفادة مما تتيحه هذه التطورات من فرص عديدة وعوامل متنوعة في تمتين أواصر هذه الشراكة.
ترسخت قناعة القيادة في الصين بأهمية دور الإمارات على الساحتين الدولية والإقليمية وبقدراتها وإمكانياتها في توفير جزء كبير من احتياجات الصين خارج حدودها، ليصبح الاعتماد الاستراتيجي والمتبادل بين البلدين أهم ما يميز طبيعة العلاقات بينهما، وليصبح كذلك الضمانة الحقيقية لتحقيق مصالحهما الاستراتيجية المشتركة.
إن ضمانة الشراكة الاستراتيجية بين الإمارات والصين تقوم أساسا على رؤية قيادتي البلدين وإرادتهما الصلبة لتطوير علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بينهما، كونها تستند إلى فهم معمق لطبيعة هذه العلاقات وإدراك دورها التكاملي. فإذا كانت أدبيات التنمية الاقتصادية والنظريات السياسية تركز على دور القيادة في تفسير حركة التنمية والتطور في الدول والمجتمعات المختلفة، بالنظر إلى الدور الشخصي والمهم الذي تمارسه القيادة الحكيمة في رسم سياسات وأهداف الخطط التنموية، وبناء شراكات خارجية تخدم أهداف الدولة وتعزز مصالحها، فإن هذا ينطبق إلى حد كبير على قيادتي دولة الإمارات وجمهورية الصين، واللتين تدركان أهمية الارتقاء بمسار العلاقات الثنائية، وتؤمنان بحتمية ترسيخ الشراكة الإماراتية - الصينية، ليس فقط باعتبارها تصب في خدمة مصالح الشعبين الصديقين، وإنما أيضاً باعتبارها ضرورة لإرساء أسس الأمن والاستقرار والاستمرار بدفع عجلة التنمية الاقتصادية المشتركة والسلمية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
علما بأنه لا يمكن لأي شراكة أن تستمر دون وجود أطر وآليات مؤسسية تعمل على التنسيق والتشاور بين الدولتين، وفي الوقت ذاته تقوم باحتواء أية إشكاليات طارئة قد تنجم عن سوء الفهم تجاه بعض الأمور، أو لدى تطبيق بعض الاتفاقيات. ولعل أهم ما يقوي الشراكة الإماراتية - الصينية، ويضمن استمراريتها هو ارتكازها على أطر مؤسسية عديدة، كما سبق الإشارة، وتتجسد هذه الأطر المؤسسية في "اللجنة الإماراتية - الصينية المشتركة"، التي تعمل على تطوير العلاقات الثنائية بين الدولتين باستمرار من خلال التنسيق والتشاور، وبما يخدم مصالحهما الاستراتيجية.
من جانب آخر تبرز أهمية عدم تأثر هذه العلاقات سلبيا بالاستقطابات الحادة في خضم العلاقات الدولية، والصراع على المصالح والنفوذ، فرغم أن الإمارات والصين تعملان على تعزيز علاقاتهما الثنائية والانتقال بالشراكة الاستراتيجية بينهما لمستويات متقدمة في مختلف المجالات، إلا أنهما في الوقت ذاته تتفهمان ديناميكية العلاقات الدولية، وأهمية الاحترام المتبادل لخيارات وأهداف كل طرف في تنويع شراكاته الخارجية الأخرى، وبما لا يؤثر على مصالحهما السياسية والاستراتيجية بل بما يعززها في أغلب الأحيان. وهذا الفهم المشترك يعتبر أحد الضمانات القوية لاستمرار الشراكة الإماراتية - الصينية على المدى البعيد.
وعلى الصعيد السيادي تتفهم كل دولة بل وتدعم الأخرى في القضايا السيادية، والتي تمس أمنهما ومصالحهما السياسية والاستراتيجية، فالصين مثلا تدعم السياسات التي تتخذها دولة الإمارات العربية المتحدة فيما يتعلق بالسيادة الوطنية وسلامة الأراضي، وبهذا الصدد تؤيد الصين موقف الإمارات الداعي إلى حل قضية الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها إيران (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى) سلمياً من خلال التفاوض المباشر أو عبر التحكيم الدولي ووفقا لقواعد القانون الدولي. بينما الإمارات تؤيد وتدعم "سياسة الصين الواحدة"، والتي تتلخص في الاعتراف بموقف بكين الذي يؤكد أن" هناك صين واحدة فقط في العالم، وأن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين.
وفيما يتعلق بمجمل المصالح المشتركة ترتكز الشراكة الإماراتية - الصينية على قاعدة عريضة من المصالح المتبادلة المنفعة والمتكاملة التي تسعى قيادتا الدولتين إلى الارتقاء بها، وبما ينعكس إيجاباً على مصلحة الشعبين الصديقين، كما تتبنى الدولتان توجهات مشتركة فيما يتعلق بالمستقبل والاستثمارات المشتركة فيهما، وتأملان أن تقود مبادرة "الحزام والطريق" شراكتهما الاستراتيجية إلى مستوى متقدم من التكامل، خاصة وأن الإمارات، وبفضل موقعها الاستراتيجي المتوسط بين القارات، مؤهلة لكي تكون أكثر الدول فاعلية وتأثيراً في هذا المشروع الاستراتيجي؛ بل وعنصرا حاسما في نجاحه، وذلك بالنظر لما تمتلكه الإمارات من قدرات اقتصادية متفوقة، وفوائض مالية كبيرة، وتسهيلات مصرفية مرنة، وقوانين عادلة وضامنة، وبنية تحتية وخدمات متميزة، تجعلها مركزاً مثالياً لمشروع "الحزام والطريق".
يبقى رهان الإمارات على نجاح شراكتها الاستراتيجية الشاملة مع الصين في المدى الطويل قائما على مقومات وقناعات ودلالات متنوعة؛ تؤكد استمرار الصين في لعب دور متزايد الأهمية على كافة الصعد الدولية والإقليمية والمحلية في العقود القادمة على الرغم من الصعوبات التي واجهتها الصين في الماضي، والتي تغلبت عليها جميعا، وبالتالي هناك ثقة كبيرة بقدرتها على مواجهة التحديات والصعوبات التي يمكن أن تعترضها وتستطيع أن تتغلب عليها في المستقبل، علما بان تركيبة الدولة الصينية بما في ذلك استقرار نظام الحكم وطموح القيادة وخططها الفاعلة في دفع عجلة الاستقرار وتحقيق النمو الاقتصادي ستبقى صامدة وصلبة في العقود القادمة.
لقد أصبحت الصين تمثل النموذج التنموي السلمي الأمثل للدول النامية، والتي تصبو لتحقيق نمو اقتصادي بالنظر إلى المنافع المتبادلة والمصالح المشتركة لدول الشرق والغرب على حد سواء، وليصبح النموذج الصيني لا غنى عنه بل تتطلع كثير من دول العالم إلى الارتباط به، وتنظر إليه بعين التفائل والأمل لضمان مستقبل أجيالها القادمة من خلال الخطط والبرامج لإبقاء عجلة التنمية السلمية والمستدامة قائمة، ولتحقيق الازدهار الاقتصادي الذي يسهم بتحقيق الأمن والأستقرار الإقليمي والدولي. وهذا النموذج جدير بالثقة انطلاقا من تقييم الحالة والتجربة الصينية على المسرح العالمي، ومن خلال تطور علاقاتها بدول العالم على مدى الأربعين عاما الماضية منذ انطلاقة سياسة الانفتاح والإصلاح على يد الزعيم الراحل دينغ شاو بينج، ليقوم بإعادة صياغتها انطلاقا من أفكار ثورية وملهمة على يد الرئيس الصيني الحالي شي جين بينج منذ أن تم انتخابه عام ٢٠١٣ رئيسا للصين، وإعادة انتخابه عام 2018، والذي طرح رؤية طموحة لمستقبل الصين أطلق عليها اسم "حلم الصين" في إطار مشروع بعنوان "إعادة بعث الأمة الصينية".
وعلى صعيد آخر فإن تنامي عناصر الاعتماد الاستراتيجي المتبادل والتعاون الوثيق بين الإمارات والصين نشأ بشكل ووتيرة طبيعية، وبناء على حاجات تكاملية فعلية ضمن الإطار الإقليمي والدولي الأوسع، ليصبح الاعتماد الاستراتيجي المتبادل بين البلدين يشكل أحد الضمانات المعززة للشراكة الاستراتيجية بينهما على المدى البعيد. ففي ظل التطورات التي شهدتها البيئتان الإقليمية والدولية في العقدين الماضيين، وبروز قوى دولية جديدة لا يستهان بقدراتها ومكانتها العالمية في شرق آسيا وفي مقدمتها الصين، ومع التصاعد الحاد في طبيعة الأزمات الدولية وتردي الأوضاع الأمنية على الساحتين الإقليمية العالمية ومع تشابك مصالح الدول، أصبح إيمان القيادة الرشيدة في الإمارات بأهمية العمل على تطوير علاقات قوية وتكاملية مع الصين يتزايد كل يوم، باعتباره ضرورة وحاجة استراتيجية ملحة. فالصين باتت قوة دولية فاعلة ومؤثرة في التفاعلات الدولية وفي الساحة العالمية، وبدأت تطمح للعب دور سياسي فاعل على المستويين الدولي والإقليمي بالتزامن مع بروزها كثاني قوة اقتصادية عالميا، ولهذا فإن تعزيز العلاقات مع الصين لا يخدم المصالح الإماراتية وحسب، وإنما الخليجية والعربية بوجه عام، خاصة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار أن بكين حريصة على تطوير أفق التعاون مع الدول العربية وفق أطر سياسية وأمنية واقتصادية وثقافية وعلمية وفي غيرها من المجالات، من خلال المنتدى العربي الصيني الذي تأسس عام 2004، حيث تجلى ذلك بوضوح في الاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني العربي في العاشر من يوليو 2018، والذي أعلن خلاله الرئيس الصيني شي جين بينج عن إقامة الشراكة الاستراتيجية الصينية - العربية، وهي الشراكة التي تؤسس لمرحلة متقدمة ونقلة نوعية في مسار العلاقات العربية - الصينية.
في الوقت ذاته، فإن التجربة التنموية الصينية تقدم دروساً ثمينة يمكن للإمارت ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، والدول العربية بوجه عام الاستفادة منها، خاصة أنها استطاعت أن تتخطى الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي بدأت في ٢٠٠٨، بل وحققت نموا اقتصاديا غير مسبوق، لتحتل المركز الثاني اقتصاديا بعد الولايات المتحدة الأمريكية عام ٢٠١٠ متخطية اليابان بمراحل. والملفت للانتباه أنها حققت ذلك في غضون سنوات قليلة عكس ما توقعه كثيرا من الخبراء، علما بأنها احترمت وتقيدت بالأسس والأنظمة التي فرضها نظام السوق العالمي، والذي أنتجته وقادته الولايات المتحدة الأمريكية في المقام الأول، وقد استطاعت في الوقت ذاته أن توجد آليات ونماذج اقتصادية حديثة للتعاون وللنهوض بالاقتصاد العالمي في أحلك الظروف الاقتصادية، مثل طرح مبادرة ومشروع "الحزام والطريق" الذي يبلغ عدد الدول المشاركة فيه بحدود ٦٠ دولة، كما قدمت صيغة استثمارية دولية جديدة، تتمثل في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية وعدد الدول المساهمة فيه ايضا بحدود ٦٠ دولة.
إن المصالح المتنامية للصين مع الإمارات إلى جانب دول الخليج العربية والدول العربية بوجه عام، يمكن توظيفها بشكل جيد في إقناع بكين بتبني موقف ضاغط على إيران، كي تتوقف عن سياساتها التدخلية والعدائية، والتخلي عن أنشطتها المزعزعة للأمن والاستقرار في المنطقة، خاصة أن الصين طرف رئيسي في إدارة ملف الأزمة النووية الإيرانية، وأحد أعضاء مجموعة (5+1) التي أبرمت الاتفاق النووي مع إيران في يوليو من العام 2015، ورغم أنها تحتفظ بشبكة علاقات ومصالح مع إيران، إلا أنها في الوقت ذاته كثيراً ما تعرب عن قلقها إزاء سياسات طهران التي تزعزع الأمن والاستقرار في المنطقة، فقد انتقدت تهديدات إيران في شهر يوليو 2018، بإغلاق مضيق هرمز ومنع السفن من العبور في حال حاولت واشنطن وقف صادراتها النفطية، واعتبرت أن إيران بذلك تعلن الحرب على جميع دول العالم.
ومن منظور الاعتماد الاستراتيجي المتبادل، فإن الصين تنظر إلى دولة الإمارات ببالغ التقدير وتحرص على الاستماع إلى رؤى قادتها وتفهم مواقفهم إزاء مختلف القضايا الإقليمية والدولية، ودائما ما تعبر عن حرصها على تعزيز العلاقات معها في المجالات كافة، وتعتبر الإمارات شريكاً حيويًا في منطقة الخليج لا غنى عنه، كما ترسخت قناعة القيادة في الصين بأهمية دور الإمارات على الساحتين الدولية والإقليمية وبقدراتها وإمكانياتها في توفير جزء كبير من احتياجات الصين خارج حدودها، ليصبح الاعتماد الاستراتيجي والمتبادل بين البلدين أهم ما يميز طبيعة العلاقات بينهما، وليصبح كذلك الضمانة الحقيقية لتحقيق مصالحهما الاستراتيجية المشتركة في الوقت الراهن وعلى المدى البعيد، خاصة في ضوء تشابه وتوافق الرؤى الاستراتيجية لقيادتي وسياسة كلا البلدين القائمة على المبادئ الأساسية للتواصل الإنساني والتعايش السلمي والتعاون المشترك.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة