تقلبات المنطقة العربية والدولية، أشرعت الباب أمام الصين للبحث عن نافذة لها على الشرق، ومَنْ غير الإمارات يحقق لها ذلك؟
الاقتصاد مفتاح العلاقات الدبلوماسية بين البلدان العالمية، والبوابة العريضة التي من خلالها يتم الولوج إلى علاقات أخرى أكثر تناغما وانسجاما بين الدول الباحثة عن السلام والاستقرار العالمي، وتعد الحقبة التي نعيشها على مدار السنوات العشرين الماضية من أهم وأخطر المراحل بالنسبة للدول الكبرى، في ظل تدهور أسعار النفط، والبحث عن البدائل الاقتصادية التي لا تشعر البلدان النفطية ولا شعوبها بأن ثمة شيئا تغير، وبالفعل سارعت الإمارات العربية المتحدة لكسر قاعدة الاعتماد على النفط كعائد اقتصادي وحيد، وفتحت المجال واسعا أمام منافذ أخرى مكنت البلاد المضي نحو استقرار اقتصادي قل نظيره.
الانفتاح الصيني الإماراتي سيجلب اقتصاداً استراتيجياً للطرفين، فتكون الإمارات بوابة الشرق التي يدخل منها الصينيون، وتكون الصين بوابة الاقتصاد الصناعي ليدخله الإماراتيون من جهة، وعدم الركون إلى الاقتصاد الخدمي والسياحي والعقاري من جهة أخرى، عندها يمكننا الحديث عن طريق حرير جديد تكون بدايته بكين ومنتهاه بلاد زايد الخير
تقلبات المنطقة العربية والدولية كذلك، أشرعت الباب أمام الصين للبحث عن نافذة لها على الشرق، ومَنْ غير الإمارات يحقق لها ذلك في ظل عدم استقرار معظم بلدان المنطقة .
ما الذي دفع الصين لهذه الخطوة واختيار الإمارات دون غيرها؟
في الواقع، لما كان هذا العصر عصر الانفتاح والثورة التكنولوجية، وما رافقها من متطلبات جديدة تواكب العصر والسباق مع الموارد المتاحة؛ لتنميتها عقب ظهور أزمات اقتصادية في كثيرٍ من الدول، باستثناء الدول التي تمكنت من صد هذا الزحف التراجعي للاقتصاد، من خلال سياستها الاقتصادية المتمثّلة بتعديل القوانين، ومنحها من المرونة ما يُلبي هذه الحاجة، أو بمحاولة الانفتاح على الاقتصاد العالمي وتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية أو بفتح أسواقٍ جديدة، وعلى رأس هذه الدول الإمارات العربية المتحدة، والقرارات الحكومية الأخيرة شاهد على ذلك، وهذا ما قاد الصين البلد الصناعي الكبير، إلى اختيار الإمارات شريكا استراتيجيا في هذا المجال .
مشوار الصين نحو الإمارات يستند إلى عمق العلاقات بينها وبين الشرق، كما كانت في العصور القديمة منفتحةً، وطريق الحرير خير شاهدٍ على ذلك، وهو غنيٌّ عن التعريف، فتشهد هذه المرحلة تعاونا اقتصادياً وثيقاً على أعلى المستويات بين الصين الشعبية والإمارات العربية المتحدة، ولا يخفى على أحدٍ أهمية الإمارات العربية المتحدة الاقتصادية على المستويات كافة؛ الجغرافية والسياسية والمالية والاستثمارية، بل حتى القانونية، بحيث صارت قبلةً للاستثمار والمستثمرين، فسياسة الإمارات العربية الاقتصادية من أكثر السياسات انفتاحاً ومرونةً وتشجيعاً للاستثمار وتنمية الاقتصاد، وفتح موارد جديدة لدعمه وعدم الركون إلى موردِ واحد- الثروات الباطنية- أو على صناعات واستثمارٍ في مجالها ومشتقاتها، بل إنها لم تترك باباً اقتصاديّاً إلّا وشجعته وعملت على تطويره ودعمه، ولعلّ ما يُميّز الاقتصاد الإماراتي إذا ما استثنينا الجانب النفطي، أنه يقوم على تجارة العقارات والسياحة والخدمات من بنوكٍ وشركات طيران، والتجارة وتبادل السلع كوسيط بين المنتجين الغربيين والمستهلكين في الشرق .
على ضوء هذه المعطيات فإنّ التعاون الاقتصادي الصيني الإماراتي له أهمية بالغة بين الدولتين، وهو قديمٌ جدًّا يمتد لعقودٍ من الزمن، كما أن له جذورا تاريخية ضاربة منذ العصور القديمة، إذ كانت شبه الجزيرة العربية تستورد وتصدر بضائعها مستفيدةً من طريق الحرير بالتجارة عبر المتوسط .
الصين اليوم دولة صناعية من الدرجة الأولى، وتنماز بغزارة الإنتاج والحاجة لسوقٍ مرنةٍ لتسهيل عمليات تصريف منتجاتها، ودولة الإمارات تُعدّ بوابة هذه السوق الـمُثلى؛ لما تمتاز به من المرونة والعلاقات الإيجابية مع محيطها الدولي ككل، كما أنّ الإمارات في طور تطوير أدواتها الاقتصادية بدءاً من الموارد البشرية والبنى التحتية وانتهاءً بالسياسة؛ لولوج باب الاقتصاد الصناعي، وتُشكّل الصين البوابة الـمُثلى لمثل هذا الهدف، كما تهتم الإمارات العربية بتعدد مواردها والتنوع في السوق وعدم الاكتفاء بسوقٍ واحدة، ما يمكن أن نسميه- إن صح التعبير- سلة أسواق، فالسوق الأوروبية وحدها لا تلبي كل المتطلبات والأهداف والسياسات التي تطمح الإمارات العربية بالوصول إليها، وكذلك الصين فإنّ السوق الرائجة لها هي الشرق، وسوق الغرب لا تُلبي كل متطلباتها الاقتصادية، فدأبت الصين على الانفتاح على الشرق، وسعت الإمارات إلى الانفتاح على الاقتصاد العالمي، فكانت العلاقات الاقتصادية الصينية الإماراتية البوابة التي ستغير مستقبل البلدين، بل المنطقة العربية، نحو الأفضل .
هذا الانفتاح الصيني الإماراتي سيجلب اقتصاداً استراتيجياً للطرفين، فتكون الإمارات بوابة الشرق التي يدخل منها الصينيون، وتكون الصين بوابة الاقتصاد الصناعي ليدخله الإماراتيون من جهة وعدم الركون إلى الاقتصاد الخدمي والسياحي والعقاري من جهة أخرى، عندها يمكننا الحديث عن طريق حرير جديد، تكون بدايته بكين ومنتهاه بلاد زايد الخير.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة