الدافع السياسي هو ما نرشحه كأكبر الدوافع وراء الضغط لخفض أسعار النفط خلال الفترة المقبلة.
تشهد أسواق النفط العالمية في الآونة الراهنة تقلبا واسعا نسبيا في الأسعار، وإن كان اتجاهها العام هو نحو الانخفاض. ويغذي هذا التقلب العديد من التطورات، سواء تلك التي يمكن رصدها وتتبع مساراتها، أو تلك التطورات المفاجئة التي عادة ما تؤدي إلى بعض الاختلالات في الأسواق لفترة قد تقصر أو تطول، حسب أهمية وتأثير كل تطور منها، وقد بلغت حالة التقلب في الأسعار ذروتها يوم الإثنين الماضي مع انخفاض سعر برميل النفط من نوع برنت بنسبة 4.6% ليسجل نحو 71 دولارا، وهو ما يعد أقل سعر له في ثلاثة أشهر.
على الرغم من عدم توقع استمرار زيادة الإنتاج الأمريكي بالمعدلات نفسها إلا أن الاحتفاظ بمستوى الإنتاج الحالي يضغط بالطبع على الأسعار نحو الانخفاض، لكن ربما يكون الدافع السياسي هو ما نرشحه كأكبر الدوافع وراء الضغط لخفض أسعار النفط خلال الفترة المقبلة
ومن بين التطورات التي ستضغط نحو انخفاض الأسعار ارتفاع إنتاج منظمة الأوبك (وحلفائها في اتفاق خفض الإنتاج) مع قرار المنظمة في 22 يونيو الماضي بالعودة بمستوى الالتزام بخطة الخفض إلى 100%، أي خفض نحو 1.8 مليون برميل يوميا فقط؛ حيث كانت نسبة الخفض ارتفعت لتصل إلى 172% في شهر أبريل الماضي (أكثر من 2 مليون برميل يوميا) نتيجة انخفاض غير مخطط له في إنتاج فنزويلا وأنجولا، وعدم استقرار معدلات الإنتاج في ليبيا ونيجيريا، إلى جانب التزام قوي نسبيا من جانب بقية المنتجين، ومن المنتظر أن يتم ضخ نحو مليون برميل يوميا إضافية في الأسواق وفقا لهذا القرار، إلى جانب ذلك لا تزال الولايات المتحدة تسجل ارتفاعا في إنتاجها، خاصة من النفط الصخري، حيث بلغ الإنتاج في منتصف الشهر الجاري نحو 11 مليون برميل يوميا، وهو أعلى مستوى تاريخي مسجل للإنتاج، لتصبح أمريكا ثاني أكبر منتج عالمي بعد روسيا، وعلى الرغم من عدم توقع استمرار زيادة الإنتاج الأمريكي بالمعدلات نفسها، إلا أن الاحتفاظ بمستوى الإنتاج الحالي يضغط بالطبع على الأسعار نحو الانخفاض.
لكن ربما يكون الدافع السياسي هو ما نرشحه كأكبر الدوافع وراء الضغط لخفض أسعار النفط خلال الفترة المقبلة، ويتمثل هذا الدافع في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي ورغبة الرئيس ترامب في استمرار سيطرة حزبه الجمهوري على الأغلبية في الكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ.
من هنا سيضغط بالسبل كافة من أجل تأمين أسعار وقود منخفضة نسبيا خلال الفترة المقبلة وحتى موعد الانتخابات في السادس من نوفمبر المقبل، إذ إن نجاح الحزب الديمقراطي في الحصول على الأغلبية، ولو في أحد المجلسين، من المؤكد سيعرقل خطط وقرارات ترامب خلال العامين المتبقيين له في الحكم، وربما يقلص فرص إعادة انتخابه في نوفمبر 2020.
انتخابات التجديد النصفي
تحدو الحزب الديمقراطي الآمال بتحقيق الأغلبية في مجلس النواب الذي ستجري الانتخابات على جميع مقاعده البالغة 435 مقعدا، بينما سيكون الموقف صعبا في مجلس الشيوخ، كون الانتخابات تجري على ثلث عدد المقاعد فقط أي 33 مقعدا، وغالبية الدوائر التي ستتم فيها الانتخابات على هذه المقاعد في حيازة الديمقراطيين حاليا.
ووفقا لتحليل قدمته جاسمين لي، في جريدة نيويورك تايمز في 26 مارس الماضي، نجد أن الحزب الديمقراطي في حاجة إلى أن يحقق الفوز بـ24 مقعدا من التي في حوزة الجمهوريين الآن، إلى جانب احتفاظه بعدد مقاعده الحالية البالغة 194 مقعدا حتى يحقق الأغلبية في مجلس النواب (218 مقعدا من 435 مقعدا). ويعزز من فرص الديمقراطيين أن هناك 48 مقعدا يقدر أنها ستكون موضع منافسة بين الحزبين، بينما غالبية المقاعد الأخرى محسومة لأحدهما، ومن بين هذه المقاعد هناك 41 مقعدا هي في حوزة الجمهوريين الآن، و7 فقط في يد الديمقراطيين.
كما يساعد الديمقراطيين أن نحو 30 نائبا حاليا من النواب الجمهوريين أعلنوا أنهم سيتقاعدون ولن يسعوا لتجديد انتخابهم، وهو رقم يزيد كثيرا عن مثيله في أي انتخابات جرت منذ انتخابات التجديد النصفي عام 2006 على الأقل، وعلى الرغم من أن بعض هذه المقاعد ما زال التوقع السائد بشأنها هو ميل جمهور الناخبين لإعادة انتخاب جمهوري لها، إلا أن هناك 6 مقاعد منها على الأقل يبدو من استطلاعات الرأي أنها أصبحت تميل أكثر للديمقراطيين.
وبشكل عام لا يعد انتقال 24 مقعدا من حزب لآخر أمر نادر الحدوث في الانتخابات الأمريكية، فقد حدث أن انتقل 24 مقعدا أو أكثر في نصف عدد الانتخابات التي جرت منذ عام 1994. وعلى سبيل المثال استطاع الحزب الديمقراطي الحصول على 32 مقعدا كانت في حوزة الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي عام 2006 لتصبح له الأغلبية في مجلس النواب، بل إن الحزب الجمهوري استطاع أن يحقق الفوز بـ64 مقعدا كانت في يد الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي عام 2010 ليسيطر على الأغلبية في مجلس النواب منذ هذا الوقت وحتى وقتنا الراهن.
حرج موقف الإدارة والرئيس في انتخابات التجديد النصفي، بالذات في مجلس النواب، ربما تكون الدافع وراء النكوص عن بعض القرارات التي كانت تتشدد فيها الإدارة من قبل، إذ أعلن فجأة وزير الخزانة ستيفن منوتشين يوم الإثنين الماضي أن الولايات المتحدة تريد تجنب التأثير على أسواق النفط العالمية لدى إعادة فرض عقوبات على إيران، وأنها ستدرس منح إعفاءات في حالات معينة، إذا كانت الدول تحتاج إلى مزيد من الوقت لخفض مشترياتها من النفط الإيراني إلى الصفر، بينما كانت الإدارة وحتى أسبوع واحد فقط تؤكد تشددها في هذا الشأن.
ويصبح هذا النكوص مفهوما إذا عرفنا أن التاريخ المحدد لبلوغ العقوبات الأمريكية على إيران مداها الكامل هو يوم 4 نوفمبر المقبل، بينما ستجري الانتخابات يوم 6 نوفمبر، لذا فالتساهل النسبي حتى إجراء الانتخابات هو الرسالة التي تلقاها الأطراف في أسواق النفط من هذا التصريح.
إلى جانب ما سبق هناك أيضا حديث تواتر مؤخرا عن احتمال لجوء الإدارة إلى إطلاق جزء من المخزون الاستراتيجي من النفط الخام، وحسب تصريح أحد المحللين بشركة استشارات نفطية لوكالة بلومبيرج يوم الثلاثاء الماضي "جانب العرض في المعادلة هو صاحب التأثير الأكبر على أسعار النفط.. إنها قصة المخزون الاستراتيجي التي أدت إلى خفض الأسعار يوم الإثنين، فكل شيء آخر كان مطروحا في الأسواق بالفعل".
لذا ورغم ما تمر به السوق من تقلب يمكن توقع أن تبقى هناك حركة دائبة وضغوط قوية من أجل خفض الأسعار حتى نوفمبر المقبل على الأقل، ولا يحول هذا بالطبع دون احتمال عدم نجاح هذه الجهود، ولكن بات تحقق ذلك يقتضي الآن أن يلم حدث ضخم بالدول التي تعاني من مصاعب في الإنتاج كفنزويلا أو أنجولا أو ليبيا أو نيجيريا فرادى أو مجتمعة، حيث تنقطع كمية كبيرة من النفط ولفترة ممتدة من الزمن، أما إذا مضت الأمور في الطريق الذي تسير فيه، مع احتمالات بحدوث انقطاعات مؤقتة من حين لآخر، فالتوقع الأقرب للمنطق هو استمرار أسعار نفط برنت قريبة من 70 دولارا للبرميل وأقل، خاصة كلما اقتربنا من موعد انتخابات الكونجرس.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة