الإمارات هي منفذ 60% من صادرات الصين للشرق الأوسط، وأول دولة في منطقة "الحزام والطريق" حصلت على إعفاء من تأشيرة دخول مواطنيها للصين
في قمة "منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي"، التي عقدت في بكين يومي 14 و15 مايو 2017، بمشاركة وفود أكثر من 130 دولة من بينها الإمارات، أعلن الرئيس الصيني جملة من الأرقام المثيرة المتعلقة بهذا المشروع الذي أطلقته الصين في عام 2013: 8.7 مليارات دولار أمريكي للدول النامية، قروض قيمتها أكثر من 52 مليار دولار لدعم تعاون "الحزام والطريق"، إضافة 14.3 مليار دولار لصندوق الحرير، 42 مليار دولار لدعم صناديق العملة الصينية في الخارج، وغير ذلك.
الإمارات حاليا هي منفذ لنحو 60% من صادرات الصين إلى منطقة الشرق الأوسط، وهي أول دولة في منطقة "الحزام والطريق" حصلت على إعفاء من تأشيرة دخول مواطنيها إلى الصين، فضلا عن أنها عضو مؤسس للبنك الآسيوي للاستثمارالحقيقة أن مبادرة "الحزام والطريق" والتي يقصد بها الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين، والتي تمثل إستراتيجية صينية رئيسية، ليست اختراعا للعجلة، فهي مسعى للاستفادة من مشروعات وإستراتيجيات قائمة من خلال التنسيق بينها والبحث عن نقاط مشتركة، ومحركات قوة جديدة بما يحقق الفائدة لكل الأطراف المشاركة.
بعبارة أخرى، الصين تريد تعاونا يحقق النفع المشترك، وحزمة الدعم التي أعلن عنها الرئيس شي جين بينغ تهدف إلى وضع الدول غير القادرة على طريق التنمية الذي يهيئ لها المشاركة في مشروعات تحقق الكسب المتبادل. ولهذا فإن التمويل الصيني يستهدف رئيسيا إنشاء بنى أساسية قوية، من طرق ومواصلات واتصالات ومحطات طاقة وخطوط نقل للنفط والغاز
وقد كان عنوان الاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني- العربي الذي عقد في العاشر من يوليو 2018 في بكين: "التشارك في بناء الحزام والطريق وتعزيز التنمية السلمية"، بين الصين والدول العربية ومنها الإمارات. ومن ثم، فإن ما تمتلكه الإمارات من مقومات من حيث موقعها الجغرافي المتميز، وتطور البنى التحتية في مجال النقل والمواصلات والسياحة والثقافة، وتوافر الموانئ العالمية والتنوع الثقافي والنهضة الحضارية فيها، يضعها في بؤرة "الحزام والطريق". والإمارات حاليا هي منفذ لنحو 60% من صادرات الصين إلى منطقة الشرق الأوسط، وهي أول دولة في منطقة "الحزام والطريق" حصلت على إعفاء من تأشيرة دخول مواطنيها إلى الصين، فضلا عن أنها عضو مؤسس للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية الذي اقترحته الصين، كما تم تدشين صندوق الاستثمار الصيني- الإماراتي المتبادل.
إن ما يميز مبادرة "الحزام والطريق" عن غيرها، هو أنها ليست مجرد كلام أجوف وإنما حقائق موجودة على الأرض، فهي ليست دعاية سياسية أو برنامجا خياليا وإنما مشروعات وخطط وتعاون مربح للجميع. وقرار الصين بإنشاء آلية اتصال لمنتدى "الحزام والطريق"، يعني أن العمل الحقيقي للاستفادة من المبادرة الصينية قد بدأ بالفعل. وقد شهدت الإمارات الثمار المبكرة للتعاون في هذا الإطار، حيث بدأ تشغيل مشروع توليد الكهرباء بالفحم النظيف في الإمارات الذي تعهدت الصين بإنشائه.
إن ثمة حقائق يجب تأملها عند التعاطي مع مبادرة "الحزام والطريق"، أولها أن الصين وإن كانت أطلقت مبادرة "الحزام والطريق"، إلا أنها لا تعتبر هذه المبادرة تخصها وحدها، بل تشمل العالم كله؛ ثانيا: أن "مبادرة الحزام والطريق" مشروع طويل الأجل ومتعدد الأطراف؛ أن الصين، بهذه المبادرة ترسخ دورها القيادي في العالم من خلال تبني توجهات تصب في مصلحة العولمة الاقتصادية وتحرير وتيسير التجارة والاستثمار؛ رابعا: أن الصين تدرك التحديات التي يواجهها العالم، ولديها رؤية واضحة لمواجهة تلك التحديات، فالصين ترى أن البشرية تواجه تحديات العجز في السلام والتنمية والحوكمة، في عالم "محفوف بالتحديات"، ولكنها ترى أيضا أن البشرية تعيش في عصر من التقدم العظيم، والتحول العظيم، والتغير العميق.
إن فكرة "طريق الحرير" في حد ذاتها تستدعي إلى الذاكرة العربية والصينية تاريخا من التعاون والتلاقح الفكري والثقافي والمعرفي، وإذا كان الحديث في سنوات سابقة عن "إحياء طريق الحرير القديم" ظل حديثا مبهما يوتوبيا إلى حد كبير، فإن المبادرة الصينية بإقامة حزام اقتصادي على طول طريق الحرير تحول الفكرة إلى واقع يستند إلى حقائق قائمة بالفعل، سواء من خلال العلاقات الثنائية التي تربط الصين والدول المعنية بذلك الطريق أم من خلال الآليات الجماعية، ومنها منتدى التعاون الصيني- العربي ومنظمة شانغهاي للتعاون التي أنشئت في عام 2001 بهدف مكافحة الإرهاب والحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، إضافة إلى تعزيز التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة وحماية البيئة والثقافة والعلوم والتكنولوجيا والتعليم والطاقة والمواصلات والمال وغيرها من أجل تعزيز التنمية المتوازنة والشاملة في مجالات الاقتصاد والمجتمع والثقافة. ومن خلال أيضا المؤتمر الوزاري للتعاون الاقتصادي الإقليمي في آسيا الوسطى، ومنتدى التعاون الصيني- العربي، ومنطقة التجارة الحرة بين الصين ودول الخليج العربية التي يجري التباحث حولها، وغيرها.
ولكن، من غير المتصور أن لا تواجه مبادرة الحزام والطريق الكثير من العقبات والعوائق، وخاصة من جانب القوى الدولية التي لاترغب في رؤية الصين منفتحة على مناطق أخرى في عالم اليوم، تلك القوى التي دأبت على ترويج مفاهيم ونظريات بالية ثبت شططها وانحرافها، ومنها "الخطر الصيني"، و"الاستعمار الصيني الجديد"، و"التهديد الصيني"، إلخ.
نحن أمام مشروع للتنمية والسلام يحتاج إلى تكاتف وتعاضد الأطراف المعنية به حتى يعود خيره على الجميع، والإمارات طرف أصيل في هذا المسعى.
* نائب رئيس الطبعة العربية لمجلة "الصين اليوم"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة