الصين من الشركاء الاستراتيجيين والأصدقاء المهمين لدولة الإمارات، فقد مر البلدان بظروف تاريخية وتحديات كبيرة.
بعد يومين على قيام اتحاد دولة الإمارات في الثاني من ديسمبر عام ١٩٧١، بعث مؤسس الدولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه برقية إلى شو ان لاي، رئيس مجلس الدولة الصيني يبلغه فيها بقيام الدولة، ورد الأخير ببرقية تهنئة، يؤكد فيها اعتراف الصين بدولة الإمارات العربية المتحدة، وهنا كانت نقطة البداية لعلاقات دبلوماسية بين البلدين بدأت رسميا في نوفمبر من عام 1984.
وبعدها بخمس سنوات جاءت أولى الزيارات الرسمية من الرئيس الصيني آنذاك يانج شانجكون إلى دولة الإمارات ثم تبعتها زيارة من القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، إلى الصين عام 1990 لدعم وتعزيز التعاون الثنائي بين الدولتين، وتم خلال الزيارة تأسيس مركز الإمارات العربية المتحدة لتدريس اللغة العربية والدراسات العربية.
ومنذ تلك السنة تحديداً أي في فترة التسعينيات كانت الصين تشهد مساراً متصاعداً، إذ بلغت نسبة نمو اقتصادها مستويات قياسية، وانضمت الجمهورية إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001 مما عزز من قوة اقتصادها لتنخفض معها التعرفات الجمركية المفروضة على المنتجات الصينية في شتى البلدان، وهو ما أدى إلى انتشار هذه السلع في كل مكان، فأصبحت الصين ورشة العالم كما لقبّها ديفيد مان، كبير الاقتصاديين الدوليين في بنك ستاندارد تشارترد.
ولاشك أنه منذ ذلك الوقت والصين من الشركاء الاستراتيجيين والأصدقاء المهمين لدولة الإمارات، فالبلدان قد مرا بظروف تاريخية وتحديات كبيرة، حتى وصلا إلى مواقع حيث يستحق أن يقال عنهما قوى عالمية يحسب لهما ألف حساب من الدول العظمى وسائر الدول.
فالصين التي لم يتطلب الأمر إلا أقل من سبعين عاماً لتتحول من دولة معزولة إلى واحدة من أعظم القوى الاقتصادية في العالم، وهي تحتفل بالذكرى السنوية الحادية السبعين لتأسيسها كجمهورية شعبية، تجذرت علاقاتها مع الإمارات منذ أكثر من ٣٥ عاماً لتجمعها شراكات استراتيجية واتفاقيات ومشاريع عديدة.
تلك الشراكات انتقلت من مستوى الاستراتيجية إلى الاستراتيجية الشاملة بعد الزيارة التاريخية للرئيس شي جين بينغ للعاصمة أبوظبي، في 21 يوليو 2018، وقبلها كانت هناك أربع زيارات لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة وآخرها العام المنصرم، فتعمق التعاون في قطاعات عدة كالطاقة والفضاء والاتصالات والتعليم والرعاية الصحية والذكاء الاصطناعي والبنية التحتية والتصنيع والثقافة والسياحة وغيرها.
و تعتبر دولة الإمارات محطة مهمة للأعمال والتجارة الصينية وبوابة العبور لـ 60٪ من الصادرات الصينية إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتتخذ نحو 4200 شركة صينية من إمارات الدولة مقرات لممارسة أنشطتها التجارية، إضافة إلى أكثر من 270 ألف مواطن صيني يقيمون ويعملون في الإمارات.
و يشهد التبادل التجاري بين البلدين ارتفاعاً تصاعدياً يصل إلى نحو الـ 70 مليار دولار في العام 2020، ومن كان يتوقع ذلك في بلاد مثل الصين حيث يقول كريس ليونغ، الخبير الاقتصادي في بنك سنغافورة للتنمية، "عندما تسلم الحزب الشيوعي مقاليد الحكم في الصين، كانت البلاد فقيرة جداً، ولم يكن لديها أي شركاء تجاريين ولا علاقات دبلوماسية واسعة، كانت الصين تعتمد كليا على الاكتفاء الذاتي"، وها هي اليوم تعد من أكبر مصدري السلع في العالم، و تجتذب كميات قياسية من الاستثمارات الخارجية، ولها استثمارات خارجية تبلغ قيمتها مليارات الدولارات.
وبموازاة تنامي قوة الصين الاقتصادية والعسكرية يتصاعد مع هذا الوجه الخشن نجمها كقوة ناعمة وهو ما عزز من التعاون الإماراتي الصيني في المجالات الثقافية والتعليمية، حيث أبرمت المنظومتان التعليميتان في كلا البلدين، مجموعة من الاتفاقيات في التبادل الأكاديمي والمعرفي، فأبناؤنا يدرسون مادة اللغة الصينية منذ مراحل رياض الأطفال، وتجمعهما العديد من النشاطات الثقافية المتبادلة التي قربت بين ثقافات وشعبي البلدين، وطال تأثير ذلك على القطاع السياحي، وخاصة مع إعفاء مواطني الصين من شرط الحصول على التأشيرة في عام 2016.
وأخيراً.. ورغم الظروف الصحية الراهنة التي يعيشها العالم بأسره والمرتبطة بانتشار فيروس كورونا المستجد، استطاعت الصين أن تجعل صورتها أكثر نصاعةً حينما نجحت في مساعدة الكثير من الدول، وسدت جزء من احتياجاتها الطبية، وهو أمر تشترك فيه مع دولة الإمارات وأياديها البيضاء التي وصلت إلى مختلف دول العام لمساعدة القطاع الطبي على مواجهة هذه المحنة .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة