المعروف تاريخيًّا أنّ القاعدة الرئيسة التي يُصَوِّت عليها اﻷمريكيّون في كلّ اﻷوقات، هي قاعدة الاقتصاد.
نحو أربعة أسابيع تفصل اﻷمريكيّين والعالمَ عن انتخابات رئاسيّة ليست مثل كلّ الانتخابات السابقة، فالمتغيِّرات كثيرة، والمهدِّدات متعدّدة، والمخاوف تدعو للجزع والهلع، أمريكيًّا وعالميًّا، ذلك أنّه وإن لم تكن أمريكا هي سيّدة قيصر التي لا تخطئ، إلا أنّها لا تزال مالئة الدنيا وشاغلة الناس حتّى الساعة، والقطب الذي من دونها تختلّ الكثير من التوازنات اﻷمميّة، لا سيّما وأنّ البديل عنها غير موجود في المدى المنظور.
الكثير من الأسئلة التي تعطينا إشارات عن توجُّه هذه الجولة من الانتخابات، وفي المقدّمة منها هل هناك تغيُّر ما حدث في هذه الحملة عن حملة الانتخابات الرئاسيّة السابقة 2016؟
يمكن القطع بأنّ المتغيّر هنا يجيء على صعيد الحزب الديمقراطيّ وليس الجمهوريّ، فالمرشَّح ترامب يبقى كما هو، بالطبع مع إضافة الملامح والمعالم التي أضافتها أربع سنوات من الرئاسة المثيرة للجدل.
على صعيد الحزب الديمقراطيّ تبدو حظوظ بايدن داخل الحزب جيدة، فالحزب هذه المرّة متماسك ولا انشقاقات بينيّة تشوبه، ما أعطى المرشَّح فرصة، بخلاف ما كان عليه الحال من أربع سنوات، حيث الصراعات بين هيلاري كلينتون وبيرني ساندرز، أفقدت الحزب الكثير من الزخم، ما أضاع فرصة الفوز بالمقعد الرئاسيّ، وعليه يكون التساؤل محلّ النقاش هذه المرّة، هل سيؤدّي النسيج الواحد والقويّ للديمقراطيّين إلى تجاوز المرشّح الجمهوريّ واقتناص الفرصة السانحة؟
والشاهد أنّه في مواجهة هذا التطوّر الذي حدث على صعيد الديمقراطيّين، يُضحِي من الطبيعيّ التساؤل عن خطط ترامب المتغيِّرة هذه الانتخابات، وكيف اختلفت عمّا استخدمه من آليّات وفعاليّات للاحتفاظ بموقعه الرئاسيّ.
المؤكّد أنّ المشهد الانتخابيّ في 2020 مليء بالتحدّيات بالنسبة للرئيس، وبخاصّة بعد أن واجه الكثير جدًّا منها، وفي المقدّمة تفشّي فيروس كورونا، غير أنّه وبعد قرابة ثمانية أشهر، استطاع ترامب أن يُخفِّف من تأثيرات الأزمة على فرصته الرئاسيّة الثانية، وقد اعتبر قطاعٌ كبير من الأمريكيّين أنّ القضيّة "قضاء وقدر"، فيما فصيلٌ أمريكيّ يُعَدّ بالملايين ذهب إلى أنّ ترامب ضحيّة لأطماع وغَدْر دول أخرى، وذلك هو السبب الرئيس في الأذى الكبير الذي حاق بأمريكا.
على هامش من هذا التحوّل، من الواضح جدًّا أنّ ترامب لا يزال الجواد الرابح للتيّار اليمينيّ الأمريكي، سواءٌ كان أقصى اليمين، أو اليمين الأصولي، أو يمين الوسط، والذي يتمثَّل بشكل كبير في منطقة الحزام الإنجيليّ في الجنوب اﻷمريكي، وهؤلاء ولاؤُهم وانتماؤهم لترامب مطلق.
هل نجح ترامب خلال السنوات الأربع المنصرمة في إعادة بلورة تيّار دينيّ أمريكيّ استقطب الملايين من حافّة العلمانيّة إلى عُمْق الدائرة الروحانيّة الدينيّة؟
هذه قصّة قائمة بذاتها في واقع الأمر، وإن كانت كذلك بالفعل، وقبل أيّام كان مئات الآلاف من الذين يوقنون بأنّهم مؤمنون يتظاهرون مؤكّدين على توجّههم الدينيّ في واشنطن. وبالتبعيّة كان من الواضح أنّ ولاء وانتماء هؤلاء عائد إلى ترامب وليس بايدن.
من بين علامات الاستفهام المطروحة قبل الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل: "على أيّ أساس سيُصَوِّت الناخب اﻷمريكي؟
المعروف تاريخيًّا أنّ القاعدة الرئيسة التي يُصَوِّت عليها اﻷمريكيّون في كلّ اﻷوقات، هي قاعدة الاقتصاد، بمعنى أنّ ما يَهُمّ المواطن الأمريكي فرص العمل، وتقليل نسبة البطالة، وإيجاد وظائف جديدة، قبل أيّ منطلَق آخر.
في هذا الإطار، بالقطع يكتسب الرئيس ترامب نقاط قوّة، ذلك أنه وقبل أن تستفحل كورونا في الداخل اﻷمريكيّ، كان الاقتصاد الأمريكيّ قبلُ قد بلغ مرحلةً متقدّمة جدًّا من الازدهار، وبلغت نسبة البطالة أقل نسبة في سجلّات البلاد منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية، ولو لم تكنْ كورونا قد فعلت فعلها لكانت فرصة ترامب محسومة مقدَّمًا.
مرتكز الاقتصاد يستدعي في أذهان اﻷمريكيّين عَقْد مقاربة حُكْميّة وحتميّة بين المرشَّحَيْن، والتي تصبّ، ولا شكّ في ذلك، في صالح الرئيس ترامب، فالرجل "صانع صفقات"، ويدري جيّدًا كيف يُسَوِّق لنفسه وللحزب الجمهوري، أفضل اﻷفكار التي تنعكس حتمًا على اﻷسواق اﻷمريكيّة، وتعيد الازدهار للشارع مرّةً أخرى، وبخاصّة بعد الانتهاء من كورونا.
على جانب آخر، يدرك الأمريكيّون أنّ المرشَّح بايدن لم يكن طوال أربعة عقود من العمل السياسيّ صاحبَ كاريزما ما، ولهذا فإنّ خوضه غمار حرب اقتصاديّة لتحسين أوضاع اﻷمريكيّين بعد كورونا لن يقي أمريكا شَرّ كوارث اقتصاديّة قائمة وقادمة، في ظلّ ارتفاع رقم الدَّيْن الأمريكيّ الخارجيّ إلى رقم غير مسبوق.
ولعلّه من نافلة القول إنّ الامريكيين يدركون أنّ اتّهامات ترامب لبايدن بوصفه "جو النعسان"، بها نصيب وافر من الحقيقة، ولهذا فإن كثيرين جدًّا حتّى من الديمقراطيّين أنفسهم يتخوّفون من أن تكون ولاية رئاسيّة لجو بايدن ليست سوى فترة رئاسيّة ثالثة لباراك أوباما، الذي لا ينفكّ يتدخّل في شؤون الانتخابات الجارية بشكل غير مسبوق أو معهود من رئيس سابق.
هل السياسة الخارجيّة الأمريكيّة ستكون مؤشِّرًا أو محدّدًا مهمًّا في انتخابات العام الجاري؟
المعروف أنّ الأمريكيّين في الداخل لا يقيمون وزنًا للخارج إلا في حالتين اثنتَيْن فقط لا غير: إمّا الحرب، أو الاقتصاد.
على صعيد الحرب، لا يبدو أنّ الرئيس ترامب يتطلّع لفتح جبهات حروب أخرى خارج البلاد. أمّا الاقتصاد، فإنّ الرجل فتح بالفعل الكثير من تلك الجبهات، وأدار المعارك رغبةً في أن يُحرِزَ أفضل الصفقات لبلاده، وقد أجبر الصينيّين بالفعل على تغيير الكثير من مساراتهم، وبما يخدم الاقتصاد الأمريكيّ الذي تَعرَّضَ لعسف شديد من قبل الصينيّين طوال أكثر من عقدَيْن من الزمن.
أخيرًا، هل حسم الجميع أصواتهم؟ ولمن سيُصَوِّتون؟
ليس سرًّا أنّ الولاء الأيديولوجيّ في هذا الإطار هو الحاكم. وعليه، فإنّ الذين يناصرون بايدن لن يغيّروا مواقفهم، وبالقدر نفسه فإن الذين يؤيّدون ترامب يفعلون الشيء عينَه دون أدنى تردُّد، فيما السباقُ الرئاسيّ يبقى أبدًا ودومًا من حول الولايات المتأرجحة، وهي التي يمكنها أن تحدِّد مسارات ومساقات الرئيس القادم.
هل من مفاجآت يمكن أن تحدث؟
ربّما يحمل أكتوبر/ تشرين أوّل الجاري بعضًا منها، سواءٌ على الصعيد المحليّ الداخليّ أو على الصعيد الخارجيّ، وقد تكون من المفاجأة بأن تحول المسارات لصالح مرشّح أو آخر بعينه.
والخلاصة أنّنا أمام سباق رئاسيّ مثير، ونتيجته ربّما يطول حسمها..لماذا؟
إلى اللقاء في قراءة قادمة بإذن الله.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة