في تصريحات كاشفة تحمل الكثير من الدلالات قال الشيخ عبدالله بن زايد إن أي اتفاق مستقبلي مع إيران لا بد أن يشمل دول المنطقة
في تصريحات كاشفة تحمل الكثير من الدلالات قال الشيخ عبدالله بن زايد إن أي اتفاق مستقبلي مع إيران لا بد أن يشمل دول المنطقة، مؤكدا في مؤتمر صحفي مع نظيره الألماني في أبوظبي الأسبوع الماضي أن أي اتفاق مع إيران يجب أن يشمل بالإضافة إلى الملف النووي وقف دعمها للإرهاب وبرامج الصواريخ البالستية.
ما أكده وزير الخارجية الإماراتي يجلي الغبار عن حقيقتين مهمتين تجاهلهما المجتمع الدولي كثيرا وبدأ يدرك مؤخرا عواقب هذا التجاهل. الحقيقة الأولى تتمثل في أن مشكلة إيران مع المجتمع الدولي كما ينبغي النظر إليها يجب ألا تقتصر فقط على برنامجها النووي، فالمشكلة الحقيقة تكمن في وجود مشروع إيراني توسعي يسعى للتمدد في المنطقة بجميع الطرق والوسائل غير المشروعة عبر الدخول في تحالفات مذهبية، ودعم جماعات إرهابية ومليشيات مسلحة ووكلاء إقليميين، وما البرنامج النووي إلا أحد تجليات هذا المشروع، ولعل حقائق الأسابيع القليلة الماضية أثبتت صحة هذه الفرضية بعدما شهدت مياه الخليج العربي وكبرى مدنه أعمالا تخريبية طالت أهم ممرات النفط الدولية وأهم منابعه ومصادره، ولم يتهم أحد بارتكابها سوى إيران ونظامها، فلو كانت إيران دولة طبيعية تحترم جيرانها ولا تتدخل في شؤونها ولا تتآمر عليها ولا تشارك في الأعمال التخريبية ضدها ولا تزعزع أمنها واستقرارها ولا تذكي نار الصراعات الطائفية والمذهبية في المنطقة، ولا تسعى لتصدير ثورتها المزعومة، لما أثار برنامجها النووي هذا القدر من الشك والريبة، رغم تفانيها وتفاني حلفائها في الدفاع عن سلميته، فهناك دول كثيرة من بينها الهند وباكستان طورت برامج نووية لكنها لم تثر حفيظة المجتمع الدولي. وهناك دول عربية تطور برامج للطاقة النووية لأغراض سلمية، لكنها تحظى بثقة المجتمع الدولي، إذن المشكلة التي يجب التعامل مع إيران انطلاقا منها تتمثل في مجمل سلوك نظام إيران، وليس فقط برنامجها النووي، خاصة إذا كان هذا النظام ثيوقراطياً عقائدياً لا يتورع عن فعل أي شيء تحت شعار الدين وخلف ستار الجهاد في سبيل الله، بما في ذلك استخدام الأسلحة النووية.
في اعتقادي أن هذه الصيغة التفاوضية التي تصبح فيها الأطراف المتضررة جزءا رئيسا من المعادلة هي وحدها الكفيلة بالوصول إلى اتفاق شامل وعادل يراعي مخاوف جميع الأطراف وليس فقط مصالح طرف واحد، وهذا بدوره قد يكون كفيلا بعدم جر المنطقة إلى أتون حرب قد لا تتحملها
الحقيقة الثانية التي لفتت تصريحات الشيخ عبدالله بن زايد النظر إليها يمكن بلورتها في تساؤل رئيسي مؤداه: من سيشارك في عملية "التفاوض الجديدة" مع إيران حول أي اتفاق مستقبلي قد يعالج مجمل تهديدات إيران وليس فقط ملفها النووي ويجبرها على تغيير سلوك نظامها؟ مرد هذا السؤال الذي كنا قد طرحناه في مقال سابق في هذا المكان قبل نحو عام، يعود إلى قناعة تتمثل في أن ما أفشل اتفاق 2015 وأوصله إلى هذا المصير الذي انتهى إليه هو أن من تفاوض حوله كانت الأطراف المستفيدة منه وليست الأطراف المتضررة. فدول أوروبا الرئيسية التي شاركت في عملية التفاوض نظرت إلى الاتفاق على أنه فرصة اقتصادية بالأساس، فإيران لم تشكل بالنسبة لها أي تهديد، لذلك بذلت ولا تزال محاولات يائسة لإنقاذ هذا الاتفاق المعيب للإبقاء على تعاونها الاقتصادي مع إيران وإنقاذ استثمارات شركاتها هناك دون النظر إلى من تضرر من هذا الاتفاق. وفي واشنطن كانت لدى الرئيس السابق باراك أوباما مقاربة مثالية ساذجة للتعامل مع الخطر الإيراني تعتمد بالأساس على "احتواء إيران"، ومن ثم توهم أن توقيع "اتفاق تاريخي" معها يمكن أن يجعلها أقل خطرا، وربما كان أوباما أيضا يسعى إلى مجد شخصي، فقد أراد أن يثبت أنه يستحق جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها قبل أن يبدأ مهام عمله، لذا أحاط نفسه بمؤيدين لإيران ولتطبيع العلاقات معها، وعلى رأسهم روبرت مالي الذي عينه أوباما في مطلع ولايته الثانية مسؤولا عن سوريا والعراق وإيران في مجلس الأمن القومي، وكان قبل توليه منصبه دائم الانتقاد لأوباما لأنه لم يأخذ بجدية "خيار الاحتواء" في التعامل مع إيران، وكان دائما ما يشير إلى أن النقاش حول "التعايش مع إيران نووية" لم يأخذ مساره الكامل ولم ينل نقاشا كافيا داخل أروقة الإدارة الأمريكية، وتحت رئاسة روبرت مالي كانت تعمل "سحر نورزادة" التي كانت من ضمن فريق أوباما المسؤول عن مفاوضات التوصل إلى الاتفاق النووي، نورزادة أيضا أثارت مثل رئيسها تساؤلات كثيرة قبل توليها منصبها عندما كشفت وسائل إعلام أمريكية أنها عملت مع "المجلس الوطني الأمريكي الإيراني"، الذي يعده الكثير من الأمريكيين قريبا من النظام الإيراني، وفوق هؤلاء كانت سوزان رايس، مستشارة الأمن القومي، التي لعبت دورا كبيرا في صناعة القرار الأمريكي حيال إيران وقتها، وكانت من أكثر المدافعين عن الاتفاق النووي الذي اعتبرته "تاريخيا"؛ إذن.. كانت هناك أطراف مستفيدة من اتفاق 2015 سعت لتبريره وقتها ويسعى بعضها لإنقاذه حاليا، لذا تفاوضت هذه الأطراف سريعا لإنجازه للانتقال لحصد مكاسبه، ولعل هذا ما أدى في النهاية إلى "تمزيقه" من قبل إدارة ترامب دون أن تتحقق أي من الأهداف المبتغاة من إبرامه، هذا المنطق المرفوض في التفاوض والمبني على قاعدة براجماتية بحتة أساسها الاستفادة يجب أن يتغير في أي اتفاق جديد محتمل مع إيران، فإذا كان هذا الاتفاق يسعى لمعالجة مجمل السلوك الإيراني المزعزع لأمن واستقرار المنطقة وليس فقط برنامجها النووي، فإن المنطق يقتضي أن تشارك في الحوار والمفاوضات حول هذا الاتفاق الدول المتضررة من هذا السلوك وهي كثيرة.
ولعل هذا ما كان يعنيه الشيخ عبدالله بن زايد عندما طالب بأن تكون دول المنطقة طرفا في أي اتفاق مستقبلي مع إيران، وفي اعتقادي أن هذه الصيغة التفاوضية التي تصبح فيها الأطراف المتضررة جزءا رئيسا من المعادلة هي وحدها الكفيلة بالوصول إلى اتفاق شامل وعادل يراعي مخاوف جميع الأطراف وليس فقط مصالح طرف واحد، وهذا بدوره قد يكون كفيلا بعدم جر المنطقة إلى أتون حرب قد لا تتحملها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة