للموت قدسية وجلال لا يتجاوزها إلا من ضعفت مروءته وتراجعت قيمه، وصار واحدا من تنظيم الإخوان الفاشل الذين يشمتون في كل ميت يختلف معهم.
للموت قدسية وجلال لا يتجاوزها إلا من ضعفت مروءته، وتراجعت قيمه، وصار واحدا من تنظيم الإخوان الفاشل الذين يشمتون في كل ميت يختلف معهم، ويسبون الموتى ويلعنونهم.. والحمد الذي عافانا أن نكون من هؤلاء، فرحمة الله الواسعة على الدكتور محمد مرسي، الإنسان البسيط العفوي الطيب القلب، البريء براءة الطفل.. اللهم ارحمه وتجاوز عن سيئاته، وأبدله دارًا خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وجماعةً خيراً من جماعته.
الدكتور محمد مرسي كان عضواً متميزاً داخل تنظيم الإخوان، شديد الطاعة للقيادة، يكون بين يدي المرشد مثل الميت بين يدي المغسل، حتى وهو رئيساً لمصر، كان يعامله المرشد كتابع ٍأمين، وكخادمٍ مطيع، ونسي الاثنان أن الدكتور مرسي في تلك اللحظة كان رئيساً لمصر، والدكتور محمد بديع مواطن مصري بين يدي الرئيس، ولكن كان المشهد على العكس، فالدكتور بديع هو المرشد، والدكتور مرسي هو عضو التنظيم الذي أقسم على السمع والطاعة في المنشط والمكره، ولم يسقط القسم، أو يتغير حتى بعد وصول الدكتور مرسي لسدة الحكم في مصر.
على الرغم من يقين قيادات تنظيم الإخوان أن عودة مرسي مستحيلة، إلا أن طبيعتهم الانتهازية، والمنافقة لم تمكنهم من مصارحة جماهيرهم، ولذلك كان وجود الدكتور محمد مرسي على قيد الحياة عائقاً أمام قيادات التنظيم للدخول في مناورات ومبادرات لتحقيق مصالح وقتية لهم ولقياداتهم في السجون.
للحقيقة والتاريخ فقد ظُلم الدكتور مرسي ثلاث مرات، ظلم أولاً: حين تم استخدامه كاحتياطي لمن تولى كبرهم، لمن يحمل مسؤولية كل الكوارث التي مر بها الإخوان منذ 2011 حتى اليوم، للمهندس خيرت الشاطر؛ فلم يكن الدكتور مرسي مؤهلا لمنصب الرئيس، ولا موقعه في تنظيم الإخوان يسمح له أن يتقدم لهذا المنصب، ولا قدراته العقلية، أو العلمية أو الفكرية، أو حتى الأبعاد الظاهرية تؤهله لذلك، لكنه خاض المغامرة تنفيذاً لأوامر التنظيم، ولتقديرات خيرت الشاطر الذي يسِّير التنظيم، وتم تزوير نتيجة الانتخابات، وإعلان النتيجة بعد ساعات من نهاية التصويت، وقبل أن تعلن اللجنة العليا للانتخابات أي نتائج أولية، وكما أخبرني أحد قياداتهم بأنه تم توزيع النتائج التي جمعها الإخوان من جميع المحافظات؛ بعد طباعتها مجمعة في سجل واحد على 28 سفارة أجنبية في مصر، وبعد تم ابتزاز المجلس العسكري، وتدخلت السفيرة الأمريكية، وتم اختطاف منصب الرئاسة بطريقة العصابات.
وبعد ذلك يأتي أردوغان، الراعي الرئيسي لتنظيم داعش، مدبر الانقلاب المفبرك الذي استخدمه ليعتقل أكثر من 55 ألف تركي من العلماء والقضاة والعسكريين ورجال الأعمال، وطرد أكثر من 177 موظفا وقطع أرزاقهم، يأتي هذا المجرم الذي شارك في ذبح الآلاف من السوريين والليبيين، وينعى الدكتور مرسي بصفته الرئيس الوحيد المنتخب المدني في مصر، ثم تكرر ذلك كل أبواق الإخوان الذين يقولون ما يلقنهم إياه التنظيم، ولا يعلم هؤلاء أن محمد علي باشا كان رئيسا منتخبا من العلماء والتجار والأشراف والنقابات، وأن سعد زغلول كان رئيسا للسلطة التنفيذية منتخباً من الشعب، وفي ذلك الوقت كان رئيس الوزراء في النظام البرلماني هو رأس السلطة التنفيذية مثل رئيس الدولة، وهكذا كان أردوغان منذ سنوات قليلة، وبعده النحاس باشا، ومحمد محمود باشا، وصدقي باشا.... إلخ. جميعهم رؤساء للسلطة التنفيذية مدنيون منتخبون.
والمرة الثانية التي ظُلِم فيها الدكتور مرسي بعد توليه منصب الرئاسة، فقد حرصت كل قيادات الإخوان أن تهمش دوره، وتهينه، وتضعف مركزه، وتظهره في موقع الضعيف، الذي لا يتحكم في الأمر، ولا يدير الدولة، وإنما هو مجرد صبي ينفذ أوامر المعلمين الكبار في عصابة مكتب الإرشاد، فقد كانت تصريحات ومواقف كل قيادات مكتب الإرشاد تظهر للشعب المصري كل يوم أن الدكتور مرسي ليس هو الرئيس، وإنما هو مرؤوس، لآخرين، يصدرون له الأوامر، والتوجيهات، ويصرحون ويتخذون مواقف بدون إذنه، بل يوجهونه علنا في وسائل الإعلام بما يجب عليه أن يفعل، من يراجع تصريحات عصام العريان، ومحمد البلتاجي، وأحمد أبو بركة، وصبحي الصالح وغيرهم طوال فترة حكم الدكتور مرسي سيكتشف أن هؤلاء جميعا كانوا يتصرفون كأنهم يقررون للرئيس ماذا يجب أن يفعل.
كذلك فعل مكتب الإرشاد عندما حاصر المحكمة الدستورية العليا، ومدينة الإنتاج الإعلامي لشهور أثناء فترة حكم الدكتور مرسي، فظهر الرئيس ضعيفاً لا يستطيع التحكم في الجماعة التي تحاصر أعلى مؤسسة دستورية في مصر باسم الرئيس، فظهر الدكتور مرسي كأنه هو من يحاصر المحكمة الدستورية، وكانت قاصمة الظهر عندما حركت الجماعة عصاباتها المجرمة من الجهلاء والدهماء لتفريق المظاهرات التي كانت تقف أمام القصر الجمهوري بعد الإعلان الدستوري المكمل في فبراير وديسمبر 2012، وهنا ظهر مرسي كأنه ضد كل مؤسسات الدولة، فكيف لرئيس الدولة أن يأتي بعصابات من القرى والأرياف لتواجه الحرس الجمهوري.
لقد كانت قيادات الإخوان بدوافع من الغيرة أو الاحتقار، أو المنافسة هم أول من هدم هيبة الدكتور مرسي، ودفع المصريين للثورة عليه، ليس فقط كرها له ولسياساته، وإنما وبصورة أكبر كرهاً للتنظيم الذي وضع نفسه فوق الدولة، وللقيادات التي صارت تختطف دور الرئيس، وتتصرف بدون حق في مؤسسات الدولة، ويجب ألا ننسى ما فعل خيرت الشاطر مع المخابرات العسكرية، أو ما فعل محمد البلتاجي مع الرقابة الإدارية، وهاتان المؤسستان من أكبر المؤسسات السيادية في مصر، فقد حاولا التحكم فيهما بدون إذن الرئيس حينذاك. ولا ننسى كذلك كل ما قام به التنظيم من تآمر مع تركيا وقطر وحماس، جرائم حمل وزرها الدكتور محمد مرسي على الرغم من أن التنظيم هو من أمر بها ونسقها ونفذها باسم الرئيس مرسي.
وأخيراً ظُلِم الدكتور مرسي بعد موته حين قامت كل الكيانات الإخوانية من الحكومتين التركية والقطرية إلى القنوات الفضائية تتاجر بموته من أجل تعظيم مصالحها، وصناعة حسينية جديدة، ومأساة جديدة تضخ دماء في عروق تنظيم الإخوان الذي يشبه في تاريخه مصاصي الدماء، ذلك التنظيم يعيش على الدماء، والمآسي التي يبالغ في صناعتها من أجل استحمار واستنعاج الدهماء من الأتباع.
وللحقيقة والتاريخ أن تنظيم الإخوان قد زال عنه عبء كبير بموت الدكتور مرسي رحمة الله عليه، وليس كما يظهر الإعلام الموالي لهم من دموع التماسيح التي تمثل الحزن لتحقيق مصالح سياسية، وعظيم العوائد السياسية لموت هذا الإنسان البسيط، فقد رُفِع العبء عن تنظيم الإخوان الانتهازي بزوال الضغط الذي تمارسه قواعد الإخوان عليهم، والمتمثل في الالتزام بعودة الدكتور مرسي للحكم، وعلى الرغم من يقين قيادات تنظيم الإخوان أن عودة مرسي مستحيلة، إلا أن طبيعتهم الانتهازية، والمنافقة لم تمكنهم من مصارحة جماهيرهم، ولذلك كان وجود الدكتور محمد مرسي على قيد الحياة عائقاً أمام قيادات التنظيم للدخول في مناورات ومبادرات لتحقيق مصالح وقتية لهم ولقياداتهم في السجون.
أما تركيا وقطر فقد خسرا الرهان، وضاعت كل استثماراتهما في تنظيم داعش في سيناء لضرب الدولة المصرية وإسقاط النظام، وعودة الرئيس مرسي كما كان يحلم حمد بن خليفة آل ثاني، لذلك العزاء الحقيقي لتركيا وقطر، أما تنظيم الإخوان فقد استراح من عبء عودة مرسي للحكم، وسيعود إلى طبيعته الانتهازية للتفاوض والمناورة، وتحقيق المكاسب الصغيرة من أجل البقاء في المشهد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة