حدث في رمضان.. مولد أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية
في يوم 23 رمضان عام 220 هجريا الموافق 20 سبتمبر/أيلول 835 ميلاديا ولد أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية، في مدينة بغداد عاصمة دولة الخلافة.
في يوم 23 رمضان عام 220 هجريا الموافق 20 سبتمبر/أيلول 835 ميلاديا ولد أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية، في مدينة بغداد.
اهتم به أبوه واعتنى به فعلمه الفنون العسكرية، وتعلم الفقه والحديث، ثم رحل إلى طرطوس؛ ليكون على مقربة من علماء الفقه والحديث والتفسير فيها، وبعد رجوعه صار موضع ثقة الخلفاء العباسيين؛ وذلك لكثرة علمه وشجاعته.
بعد مقتل بايكباك عام 256هـ الموافق 870م، تم إسناد ولاية مصر إلى يارجوخ الذي كانت تربطه بابن طولون عَلاقات طيبة ومصاهرة، فأقرَّه على ما بيده، وزاد في سلطته بأن استخلفه على مصر كلها، باستثناء الخراج الذي كان تحت يد منافسه أحمد بن المدبر الذي اشتُهِر بسوء السيرة؛ ما دفع ابن طولون إلى أن طلب من الخليفة المهتدي أن يُقِيل ابن المدبر من خراج مصر ويولِّيه إياه، فاستجاب الخليفة لطلبه، كما ولاّه إمرة الثغور الشامية على إثر اضطراب أوضاعها.
وبعد وفاة يارجوخ أصبح ابن طولون حاكم مصر عام 259هـ الموافق 873م، وتولى مقاليد الأمور كلها وخضعت الإسكندرية وبرقة، وقدم له أمراء الكور الخضوع والطاعة.
واجهت ابن طولون عقبات وصعوبات إثر اشتعال ثورات أصحاب المصالح لتصرفه عما جاء من أجله، لكن ابن طولون لم يكن كمن سبقه من الولاة؛ فسرعان ما اشتدَّ نفوذه، وأخمد الفتن التي اشتعلت بكل حزم، وأجبر ولاة الأقاليم على الرضوخ له وتنفيذ أوامره، وكانوا من قبل يستهينون بالولاة، ولا يعبئون بقراراتهم؛ استخفافا بهم، ويعملون على ما يحلو لهم.
بعد ذلك كثرت اعتداءات الدولة البيزنطية على ثغور الشام في أنطاكية وطرسوس والمصيصة وغيرها؛ فلم يجد الخليفة المعتمد أفضل من ابن طولون يوليه أمر الشام؛ لدفع هذا الخطر، وردّ البيزنطيين، خاصة أن دولة الخلافة كانت مشغولة بالقضاء على فتنة الزنج في البصرة، حيث شبت كالحريق الهائل، وأصبحت تهدد كيان الدولة وتهز أركانها.
كان أحمد بن طولون رجل دولة من الطراز الأول؛ فعُنيَ بشئون دولته، وما يتصل بها من مناحي الحياة، ولم تشغله طموحاته في التوسع وزيادة رقعة دولته عن جوانب الإصلاح والعناية بما يحقق الحياة الكريمة لرعيته؛ ولذا شملت إصلاحاته وإسهاماته شئون دولته المختلفة.
وكان أول ما عُني به إنشاء عاصمة جديدة لدولته شمالي "الفسطاط" سنة 256هـ عُرِفت بـ"القطائع"، وقد بناها على غرار نظام مدينة "سامراء" عاصمة الخلافة العباسية، واختار مكانها على جبل "يشكر" بين الفسطاط وتلال المقطم، وبنى بها قصرا للإمارة، وجعل أمامه ميدانا فسيحا يستعرض فيه جيوشه الجرّارة، ويطمئن على تسليحها وإعداده، ثم اختطّ حول القصر ثكنات حاشيته وقواده وجنوده، وجعل لكل فئة من جنوده قطعة خاصة بهم؛ فللجنود من السودان قطعة، وللأتراك قطعة، وكذلك فعل مع أرباب الحرف والصناعات. ومن هنا جاءت تسمية المدينة الجديدة بـ"القطائع"، وهي العاصمة الثالثة لمصر بعد الفسطاط والعسكر.
وأنشأ في وسط المدينة مسجده المعروف باسمه "مسجد ابن طولون" إلى اليوم؛ وهو من أكبر المساجد، وتبلغ مساحته 8487 مترا مربعا، ولا يزال شاهدا على ما بلغته الدولة الطولونية من رقي وازدهار في فنون العمارة، ويُعد من أقدم الأبنية الإسلامية التي بقيت على ما كانت عليه.
واشتهر المسجد بمئذنته الملوية التي تشبه مئذنة مسجد سامراء. وقد انتهى ابن طولون من بنائه عام 265هـ، وبلغ من عنايته به أن عيّن له طبيبًا خاصا، وجعل به خزانة بها بعض الأدوية والأشربة لإسعاف المصلين من روّاد المساجد في الحالات الطارئة.
وفي عام 259هـ أنشأ ابن طولون "بيمارستانا" لمعالجة المرضى مجانًا دون تمييز بينهم؛ حيث يلقون عناية فائقة، وتقدَّم لهم الأدوية، ويُستبقَى منهم من يحتاج إلى رعاية ومتابعة داخل البيمارستان، ولم يكن المرضى يدخلون بثيابهم العادية، وإنما كانت تُقدَّم لهم ثياب خاصة، كما هو الحال الآن، وكان المريض يودع ما معه من مال وحاجات عند أمين البيمارستان، ثم يلحق بالمكان المخصَّص له إلى أن يتم شفاؤه فيسترد ما أودعه. وكان ابن طولون يتفقد المرضى، ويتابع أعمال الأطباء.
كما اهتم ابن طولون بالزراعة؛ فعُني بتطهير نهر النيل، وشق الترع، وإقامة الجسور، وشجع الفلاحين على امتلاك الأراضي حتى تزداد عنايتهم بها، وخصص لذلك ديوان الأملاك، كما أصلح مقياس النيل في الروضة لمتابعة الزيادة والنقصان في منسوب مياه نهر النيل، وأمدّ الفلاحين بما يحتاجونه من البذور والآلات الزراعية، وكان من شأن هذا أن ازدادت رقعة الأراضي حتى بلغت نحو مليون فدان.
وازدهرت الصناعة في عهده، وخاصة صناعة النسيج التي كانت أهم الصناعات في عهده، وتقدمت صناعة الورق والصابون والسكر وصناعة الأسلحة، كما نشطت التجارة في مصر والشام؛ نظرًا لموقعهما المتميز في طرق التجارة العالمية.
وكان من نتيجة هذه النهضة أن عمَّ الرخاء، وازدادت مالية الدولة، وامتلأت خزانة الدولة بفائض من المال، استغله ابن طولون في تحسين أحوال الناس المعيشية، وفي بناء جيش قويّ بلغ 100 ألف جندي، وأنشأ أسطولا بحريا لحماية شواطئ الدولة، وإقامة الحصون المنيعة في يافا والإسكندرية وعكا.
وفي عام 270هـ زحف ابن طولون إلى طرطوس ليقمع الفتنة التي وقعت هناك، فلما وصل إليها مرض مرضا شديدا ولم يستطِع الاستمرار في الحصار؛ فأسرع بالعودة إلى مصر، حيث توفي في يوم 10 من ذي القعدة عام 270هـ.
aXA6IDE4LjExNi41Mi40MyA= جزيرة ام اند امز