مكيفات الجو.. هل تخفض الحرارة أم تزيد الاحترار العالمي؟

مع تصاعد درجات الحرارة في أنحاء مختلفة من العالم، يتزايد الاعتماد على مكيفات الهواء لتوفير الراحة والسلامة.
وفقًا لوكالة الطاقة الدولية، فإن مكيفات الهواء تسهم حاليًا في انبعاث نحو مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، من أصل 37 مليار طن تُطلق عالميًا. ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى الطلب المتزايد على الكهرباء التي تُنتَج في الغالب من مصادر تعتمد على الوقود الأحفوري، ما يؤدي إلى مضاعفة مشكلة الاحتباس الحراري.
الدراسات الحديثة التي شارك فيها باحثون من جامعة ييل، تشير إلى أن وجود أجهزة التكييف داخل المنازل يقلل من مخاطر الوفاة المرتبطة بموجات الحر بنسبة تصل إلى 75%. وتُعد هذه النسبة مؤشرًا مهمًا لمدى تأثير التبريد الصناعي على الصحة العامة، لا سيما في دول مثل الولايات المتحدة، حيث تتوفر أجهزة التكييف في نحو 90% من المنازل. وعلى الجانب الآخر، فإن أقل من خمس السكان في المناطق الحارة حول العالم يتمتعون بهذه الوسيلة، وفقًا لإحصاءات الوكالة الدولية.
ومن المتوقع أن يشهد عدد مكيفات الهواء حول العالم زيادة ملحوظة خلال العقود المقبلة، مدفوعًا بارتفاع الدخول وتوسع الطبقة المتوسطة، لا سيما في بلدان مثل الصين والهند وإندونيسيا. ففي الهند مثلًا، يمكن أن ترتفع نسبة المنازل المزوّدة بهذه الأجهزة من 10% حاليًا إلى 40% بحلول عام 2050، وهو ما سيؤدي إلى تقليص التعرض لمخاطر ارتفاع درجات الحرارة، لكنه في الوقت نفسه يضاعف استهلاك الطاقة بشكل كبير.
القلق لا يقتصر فقط على استهلاك الكهرباء، بل يمتد أيضًا إلى استخدام غازات التبريد الشائعة في مكيفات الهواء، والتي تُعد أكثر ضررًا من ثاني أكسيد الكربون من حيث التأثير على المناخ. كما تسهم هذه الأجهزة في ظاهرة "الجزيرة الحرارية" التي تزيد من سخونة المناطق الحضرية، إلى جانب إثارة قضايا متعلقة بالعدالة الاجتماعية، إذ لا تستطيع الأسر ذات الدخل المحدود تحمل تكاليف شراء هذه الأجهزة أو تشغيلها بشكل مستمر.
الخبراء يقترحون مجموعة من الحلول لتقليل الضرر، تبدأ بتوسيع الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة لتشغيل أجهزة التبريد، وتطوير نماذج جديدة تستهلك كميات أقل من الكهرباء، مع وضع معايير أكثر صرامة لكفاءة الطاقة. كذلك، يُشدد المختصون على أهمية التصميم العمراني الذي يشمل زيادة المساحات الخضراء وتطوير بنى تحتية تساهم في تقليل درجة حرارة المحيط الخارجي.
وتشير مداخلات أكاديمية من جامعة كافوسكاري الإيطالية إلى أهمية الجمع بين أجهزة التكييف التقليدية وتدابير مساندة، خصوصًا لدى الفئات المعرضة للخطر مثل المسنين والنساء الحوامل، لضمان الحد الأدنى من الأمان الحراري.
ويبدو أن التحكم في التبريد بات من الملفات التي تتطلب قرارات جريئة وتخطيطًا مستدامًا، لا سيما مع التوقعات باستمرار ارتفاع درجات الحرارة عالميًا. وتشير توصيات المختصين إلى أن مواجهة هذا التحدي ترتبط أساسًا بالإرادة السياسية وبتحقيق التوازن بين الاحتياج الإنساني والتأثير البيئي.