لقد أخطأ رينزي بالدعوة إلى استفتاء لتعديل الدستور في وقت يعرف فيه اليمين المتطرف صعوداً متنامياً في أوروبا والعالم.
مما لا شك فيه أن نتيجة الاستفتاء الإيطالي حول الإصلاحات الدستورية التي تقدم بها رئيس الوزراء اليساري زعيم «الحزب الديمقراطي» ماتيورينزي،في الرابع من الشهر الجاري، تضعف الاتحاد الأوروبي الذي يعاني اليوم أزمات سياسية واجتماعية على خلفية مشكلة النازحين والمهاجرين والبريكست ثم انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة، ناهيك عن الانتخابات التي تستعد لها ألمانيا حيث تتراجع شعبية أنجيلا ميركل لمصلحة اليمين الشعبوي بسبب سياساتها المتعلقة بالنازحين، وفرنسا حيث يحضّر فرانسوا فيون لخوض حملة انتخابية بخطاب يميني متشدد يؤهله للوصول إلى الإليزيه.
بعد سبعة أشهر من الشلل السياسي قال الإيطاليون، في الرابع من الشهر الجاري، «لا» مدوية للإصلاح الدستوري الذي اقترحه رينزي والذي اضطر عندئذ للاستقالة.
لقد كان الإصلاح الدستوري المقترح يريد تخفيض سلطات مجلس الشيوخ بشكل كبير وتحديد صلاحيات المناطق وإلغاء المقاطعات وتخفيض عدد النواب..الخ. وكانت أغلبية واضحة في اليمين التقليدي الذي يتزعمه برلسكوني واليمين الشعبوي والمتطرف في حركة النجوم الخمسة أو جامعة الشمال بزعامة ماتيو سالفيني، قد دعت إلى التصويت ضد الإصلاح المذكور.
لقد أخطأ رينزي بالدعوة إلى استفتاء لتعديل الدستور في وقت يعرف فيه اليمين المتطرف صعوداً متنامياً في أوروبا والعالم. لقد انعكس تأثير البريكست وانتخاب ترامب على الاستفتاء الإيطالي حيث جاء فوز ال«لا» الساحق ليقدم دليلاً جديداً على أن أوروبا تغرق في الشعبوية.
بعد هذا الاستفتاء واستقالة الحكومة هناك خوف شديد من أن تدخل إيطاليا في حقبة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي. ويعود للرئيس سيرجيو ماتيريلا اختيار طريقة إدارة المرحلة الانتقالية المقبلة، فأما أن يدعو إلى انتخابات مبكرة، وإما أن يعين حكومة تكنوقراط تقوم على عاتقها مهمة إقرار قانون انتخابي جديد .
لكن الوضع الاقتصادي المقبل هو الذي يقلق المراقبين والسياسيين في إيطاليا والاتحاد الأوروبي، والذين لاحظوا كيف كان رد الفعل السلبي للبورصة والعملة الأوروبيين لحظة إعلان نتيجة الاستفتاء الإيطالي. والتوقعات الاقتصادية تبقى غير متفائلة ، ذلك أن إيطاليا تواجه استحقاقات سياسية واقتصادية ومالية قد تعرضها ومعها أوروبا إلى هزات عنيفة يصعب التكهن بتداعياتها منذ اللحظة.
هل يشكل كل ذلك مقدمة لخروج إيطاليا من الاتحاد الأوروبي، على غرار ما فعلت بريطانيا؟ الأصوات اليمينية الشعبوية ترتفع في روما لمثل هذا الخروج. لكن نظرية أحجار الدومينو قد لا تنطبق على أوروبا، أقله في الوقت الحاضر، وإن كانت الدعوات للخروج تعود في كل مرة يمر فيها بلد أوروبي بأزمة جديدة أو انتخابات تشهد صعوداً لليمين المتطرف. لقد قيل كلام كثير عن خروج اليونان (غريكست) على خلفية الأزمة المالية والاقتصادية التي عصفت بأثينا وشروط بروكسل التقشفية الصعبة التي فرضت على الشعب اليوناني في مقابل المساعدات المالية الأوروبية. كذلك في النمسا قيل كلام كثير عن خروجها الوشيك من الاتحاد إذا ما فاز اليمين المتطرف في الانتخابات الرئاسية التي جرت في مطلع الشهر الجاري. صحيح أن هناك معارضين كثر للبقاء في الاتحاد في غير بلد أوروبي، ولكنها معارضة غير منظمة وتختلف أسبابها من بلد إلى آخر. في بريطانيا تقليد قديم معروف ضد الاندماج الأوروبي، وفي إيطاليا شك بقدرة أوروبا على تنظيم استقبال النازحين، وفي اليونان في لحظة معينة رفضوا الاتحاد بسبب سياسة التقشف التي فرضتها بروكسل عليهم، وفي فنلندا انتقادات كثيرة لسياسات التضامن المجموعتية الأوروبية، وأكثر شعب قريب من الخروج هو الدانمركي والذي في الأصل صوت ضد الدخول في الاتحاد الأوروبي، في استفتاء عام 1995، والذي أعيد بعد عام واحد على خلفية حملة ترويجية للاتحاد استخدم فيه الترغيب والترهيب فجاءت نتيجته لمصلحة الانضمام إلى أوروبا. ولكن حتى الحزب الشعبي الدانمركي، اليميني الشعبوي المعادي للأجانب، لا يدعو إلى استفتاء حول البقاء في الاتحاد الأوروبي، أقله في المدى المنظور، ذلك أن قيادته تفضل انتظار مفاعيل البريكست على بريطانيا لتتخذ القرار، وهذا سيأخذ وقتاً ليس بالقصير.
* نقلا عن الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة