تتوجه أنظار العالم، الثلاثاء، إلى قاعدة بايكونور (Baikonur) في كازاخستان، حيث تنطلق مركبة الفضاء الروسية سويوز MS-27.
وستقلّ المركبة على متنها طاقم محطة الفضاء الدولية 72/73، المكوّن من رائد الفضاء الأمريكي جوني كيم، ورائدي الفضاء الروسيين سيرجي ريجيكوف وأليكسي زوبريتسكي.
ومن المقرر أن يمكث الطاقم حوالي ثمانية أشهر كاملة في محطة الفضاء الدولية، قبل عودتهم في ديسمبر/كانون الأول 2025.
وتكتسب الرحلة أهمية خاصة جدًا، إذ تُعدّ إحدى المهام التجريبية لرواد الفضاء، تمهيدًا لمهام "أرتميس" المأهولة التي تستهدف عودة البشر إلى القمر وتأسيس وجود دائم هناك، والتي ستبدأ العام المقبل.
كما تكتسب الرحلة أهمية سياسية بالغة، نظرًا لأنها تمثل أول رحلة فضائية روسية تنطلق من قاعدة بايكونور ضمن برنامج روسي، وتضم رائد فضاء أمريكي منذ بدء التوترات الأمريكية-الروسية الأخيرة على خلفية الحرب في أوكرانيا.
بعد مسار مداري مدته ثلاث ساعات إلى محطة الفضاء الدولية، ستلتحم المركبة الفضائية تلقائيًا بوحدة بريشال التابعة للمحطة، لتُفتح بعدها البوابات بين سويوز ومحطة الفضاء الدولية.
وبمجرد صعود رواد الفضاء الثلاثة على متن محطة الفضاء الدولية، سينضم الثلاثي إلى طاقم المحطة الذي يضم رواد فضاء ناسا نيكول آيرز، آن ماكلين، ودون بيتيت، إضافة إلى رائد الفضاء الياباني تاكويا أونيشي، ورواد الفضاء الروس أليكسي أوفشينين، كيريل بيسكوف، وإيفان فاغنر.
"العين الإخبارية" التقت رائد الفضاء الأمريكي جوني كيم في لقاء عن بُعد من قاعدة بايكونور في كازاخستان، قبل ساعات من انطلاقه في مهمته الفضائية الأولى.
وأبدى كيم إعجابه ببرنامج الفضاء الإماراتي، كاشفًا عن ذكرياته التي جمعته مع أول رائد فضاء إماراتي، هزاع المنصوري.
وعن التعاون الفضائي الأمريكي-الإماراتي، قال كيم: "العمل الجماعي الدولي هو جوهر استكشاف الفضاء... ونحن أقوى معًا".
وكشف كيم عن تفاصيل مثيرة للتجارب المقررة خلال مهمته في محطة الفضاء الدولية، قائلاً: "جزء من أهمية التجارب المقررة هذه المرة هو دراسة التغيرات على أجسادنا البشرية في ظل الحياة لفترات طويلة في الفضاء، حيث تعد تلك التجارب حيوية ومهمة للغاية في رحلات البشر الطويلة في الفضاء".
وإلى نص الحوار:
- رائد الفضاء جوني، هذه ستكون أول مهمة فضائية لك. هل يمكن أن تحدثنا قليلاً عن رحلتك؟ ما الذي ألهمك لتصبح رائد فضاء؟
في الحقيقة، شغفي بالفضاء بدأ في مرحلة مبكرة جدًا. ومع ذلك، لم أفقد طموحي لأكون رائد فضاء؛ بل استمر معي. أعتقد أن عنصر الاستكشاف، الذي أراه متأصلًا فينا كبشر، كان جذابًا للغاية بالنسبة لي، لاستكشاف المجهول والمساهمة فيه.
أهم شيء بالنسبة لي كان فرصة إلهام الجيل القادم. السبب وراء أهمية الإلهام بالنسبة لي هو أنني أعتقد أن إحدى أعظم الهدايا التي يمكننا منحها لبعضنا البعض هي الإلهام والحلم. بدون أحلام أو إلهام، يصعب تحقيق الأمور الصعبة. وغالبًا ما يتطلب تحقيق أفضل ما في الحياة بذل جهد كبير. لذا، فإن العديد من هذه الأسباب تضافرت لتلهمني لأصبح رائد فضاء.
- من المتوقع أن تمكث في محطة الفضاء الدولية قرابة ثمانية أشهر. ما أهم التجارب التي ستجريها على متن محطة الفضاء الدولية، وكيف ستدعم تلك التجارب البعثات البشرية المستقبلية الطويلة إلى القمر والمريخ؟
إحدى أهم التجارب تُسمى "CIPHER"، وهي اختصار لعبارة "مجموعة الجسيمات المتكاملة لأبحاث الاستكشاف البشري". "الشيفرة" أو CIPHER هي نهج دولي تعاوني متعدد الجوانب لفهم كيفية استجابة البشر لرحلات الفضاء طويلة الأمد، وتداعيات ذلك على رحلات المستقبل التي قد تستمر سنوات طويلة.
أهمية هذه التجربة تكمن في أنه إذا لم نفهم تمامًا كيفية استجابة البشر لهذه الضغوطات، فسيكون من الصعب علينا المضي قدمًا إلى رحلة المريخ وما بعده. أنا، وكذلك رواد الفضاء الآخرين في هذه المهمة، جزء من هذه التجربة.
لأبسط الأمر، هذه التجارب لا تقتصر على تغطية الجوانب الطبية أو السلوكية، بل تشمل أيضًا الأداء الناتج عن التمارين والإدراك. وقد بدأت هذه الدراسات قبل وقت طويل من انطلاقنا إلى الفضاء، وستستمر أثناء الرحلة وبعدها. آمل أن أتمكن من المساهمة في الإجابة عن بعض هذه الأسئلة المهمة حقًا.
- وهل ترغب في المشاركة في مهمة إلى القمر أو المريخ في المستقبل؟
مبتسمًا، في الحقيقة، سأشعر بقلق كبير إذا سألت أي رائد فضاء هذا السؤال وكانت الإجابة "لا". أعتقد أننا جميعًا نود أن نكون جزءًا من الرحلات التاريخية، سواء إلى القمر أو حتى المريخ.
أعتقد أن هذا هو الجزء الأهم من رحلتنا كرواد فضاء؛ إنه جوهر مهمتنا، وهو دعم عمليات استكشاف الفضاء لتحسينها. الأمر لا يتعلق بالأفراد فقط، بل بالفريق، بقيمنا الأساسية، وبالمهمة ككل. ولذلك، أي رائد فضاء سيرغب بالتأكيد في أن يكون جزءًا من هذا الجهد.
وأعتقد كذلك أن الأهم من ذلك هو أن رواد الفضاء يريدون فقط أن يتمكنوا من المساهمة بكل ما في وسعهم في مجالاتهم لجعل هذه المهمات التاريخية حقيقة واقعة.
- كيف تنظر إلى التعاون الدولي في الفضاء، ولا سيما تلك الجهود الدولية التي استندت إليها محطة الفضاء الدولية خلال ربع القرن الماضي؟
في الحقيقة، محطة الفضاء الدولية، والتي قارب عمرها على 25 عامًا في الفضاء، كما تعلم هي مختبر مداري، وهو الوحيد لدينا من هذا النوع. لم يكن من الممكن إنجازها لولا التعاون الدولي.
بصراحة، أنا متحيز جدًا للعمل الرائد والجهد العظيم في محطة الفضاء الدولية، لكنني أعتقد أنها من أعظم إنجازات الهندسة البشرية التي أنجزناها على الإطلاق. كونها لم تكن لتتحقق إلا بالتعاون الدولي، أعتقد أنها تعكس قيم وأهمية هذا النوع من العمل الجماعي.
هناك مقولة شهيرة، أنا متأكد من أنك سمعتها من قبل يا محمد، تقول: "إذا كنت تريد أن تنطلق بسرعة، فتحرك بمفردك... أما إذا أردت الذهاب بعيدًا، فتحرك مع الآخرين". أعتقد أن محطة الفضاء الدولية تعكس هذا المبدأ حقًا.
- ما رأيك في الدور الرائد لدولة الإمارات العربية المتحدة في استكشاف الفضاء؟
كما ذكرت لك، أعتقد أننا أقوى معًا. وكما تعلم، كان بعضٌ من أحدث رواد الفضاء المرشحين من وكالة محطة الفضاء الأوروبية، ومن الإمارات العربية المتحدة أيضًا. لقد كونوا شراكاتٍ استثنائية معنا في مقر تدريب ناسا لرواد الفضاء في هيوستن، تكساس، حيث لدينا رواد فضاء من مختلف أنحاء العالم، ونعمل معًا.
دعني أكشف لك أنني تعاملت عن قرب مع رائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري، حيث سبق لنا أن عملنا معًا وتلقينا تدريبات مشتركة في مختبر MBL. تضمنت تدريباتنا ارتداء بدلة فضاء تحت الماء للمساعدة في الاستعداد لمشقة السير في الفضاء. لقد سعدت كثيرًا بالعمل عن قرب مع هزاع، وأعتقد أننا عملنا معًا بشكل ممتاز. كما أعتقد أن العمل سويا عكس جميع المبادئ التي تحدثت عنها فيما يتعلق بالتعاون والعمل الجماعي الدولي.
- بصفتك أمريكيًا من أصل كوري، كيف أثرت خلفيتك كأحد أبناء المهاجرين إلى الولايات المتحدة على رحلتك لتصبح رائد فضاء؟ وما هي نصيحتك لأبناء المهاجرين الطامحين لأن يصبحوا رواد فضاء في المستقبل؟
كما تعلم، أنا فخور جدًا بتراثي الكوري. أنا أمريكي كوري، وأول جيل أمريكي لعائلتي الكورية التي هاجرت من كوريا الجنوبية واستقرت في الساحل الغربي لكاليفورنيا. لكن أولًا وقبل كل شيء، أنا أمريكي فخور جدًا. أعتقد أننا كأمريكيين نستمد قوتنا الكبرى من التنوع الذي يميزنا ويقوينا.
بالعودة إلى سؤالك، بالنسبة لي، كان ذلك يكمن في دمج الكثير من جذوري، ولكن أيضًا هويتي الأمريكية، في العمل الجاد من أجل ما أؤمن به وما أعتقد أنه يستحق النضال من أجله.
لذا، إذا أردتُ أن أقدم نصيحة لأي شخص، بغض النظر عن خلفيته، فهي أن يحلم، وأن يعمل بجد لتحقيق تلك الأحلام، وألا يتوقف عندما لا تسير الأمور كما يريد.
دعني أذكرك وأذكر قراءك من فضلك، تذكروا أن الفشل هو جزء من عملية النجاح. أعتقد أن هذه قيم أساسية يجب على الجميع اتباعها. أولئك الذين سلكوا هذا الطريق يدركون أن الرحلة نحو النجاح مليئة بالتحديات، لكن الجهد يجعل الإنجاز أكثر قيمة.
من هو جوني كيم؟
تم اختيار رائد الفضاء جوني كيم، والملازم أول (LCDR) في البحرية الأمريكية، للعمل في وكالة ناسا عام 2017. كيم طيار بحري وجراح طيران، وقد أكمل، بصفته جنديًا سابقًا في قوات النخبة البحرية (SEALs)، أكثر من 100 عملية قتالية حول العالم.
ولد ونشأ كيم في لوس أنجلوس، كاليفورنيا، لأبوين مهاجرين من أصل كوري. وهو متزوج ولديه ثلاثة أطفال. تخرج من مدرسة سانتا مونيكا الثانوية في سانتا مونيكا، كاليفورنيا، وحصل على شهادة بكالوريوس في الرياضيات، بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى، من جامعة سان دييغو، كاليفورنيا. كما نال دكتوراه في الطب من كلية الطب بجامعة هارفارد، بوسطن، ماساتشوستس، حيث تدرب طبيبًا في برنامج الإقامة في طب الطوارئ التابع لجامعة هارفارد، في مستشفى ماساتشوستس العام ومستشفى بريغهام، بوسطن.
وكيم طيار بحري وجراح طيران معتمد من هيئة الطب الجوي المزدوج (AMDD). أكمل تدريبه الأساسي على الطيران في قاعدة كوربوس كريستي الجوية البحرية، تكساس، وتدريبه المتقدم على الطيران باستخدام المروحيات في قاعدة وايتينغ فيلد الجوية في ميلتون، فلوريدا. كما تلقى تدريبًا كجراح طيران بحري في المعهد الطبي الفضائي البحري في قاعدة بينساكولا الجوية، فلوريدا.
بدأ كيم خدمته في وكالة الفضاء الأمريكية (NASA) في أغسطس 2017، وأكمل عامين من التدريب كمرشح لرواد الفضاء. وفي عام 2020، بدأ كيم دعم عمليات محطة الفضاء الدولية كمسؤول اتصالات كبسولة (CapCom) في مركز التحكم في البعثات في هيوستن، بالإضافة إلى عمله في برنامج أرتميس التابع لقسم استكشاف رواد الفضاء.
شغل كيم منصب قائد الزيادة في محطة الفضاء الدولية للبعثة 65 عام 2021، وواصل دعم عمليات البعثة والطاقم في مناصب مختلفة بمكتب رواد الفضاء، بما في ذلك عمله كضابط عمليات، ومنسق T-38 لقسم عمليات الطائرات، ورئيس مهندسي الاتصالات الكبسولة المؤقت لمحطة الفضاء الدولية.