قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية للقدس هو تحصيل حاصل للأوضاع التي شهدتها فلسطين والقدس منذ عام 1917
قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية للقدس هو تحصيل حاصل للأوضاع التي شهدتها فلسطين والقدس منذ عام 1917 ومروراً بعام 1948 ثم بالهزيمة القاسية للعرب عام 1967، والحقيقة أن الفلسطينيين والعرب لم يُهزموا عسكرياً فقط؛ بل توالت هزائمهم سياسياً وتنموياً وأخلاقياً، وهذه الأخيرة أشد وطأة على العقلية العربية التي تحارب وتفاوض تحت مظلة من الشعارات الجوفاء والمزايدات الرخيصة حتى أصبح أهل الرأي والعقل موصومين بالخيانة أحياء وأمواتاً دون أن يقدم أهل الشعارات سوى خسارة مزيد من الأراضي الفلسطينية والمواقف السياسية.
الفلسطينيون والعرب هم أعداء أنفسهم، فقد أثبتت الأحداث منذ عام 1948 أنهم يعيشون زماناً غير زمانهم، وأنهم أمة الفرص الضائعة التي عاشت على العنتريات والشعارات الجوفاء، فيما كان واقعها يجسد حالة التشظي والانقسام المرير، بدءاً من دائرة الفلسطينيين أنفسهم داخل فلسطين وخارجها وانتهاء بمحيطهم العربي والإسلامي الكبير.. فهم لم ينجحوا في حرب أو سياسة أو بناء أو تنمية، ولذلك فهم يجنون باستحقاق حصاد عقود من الأخطاء المتراكمة!
وأحد أهم وأكبر هذه الأخطاء هو صدور عدة قرارات من الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي مؤيدة ومدعومة من ممثلي فلسطين، تمنع زيارة القدس والمسجد الأقصى على عموم العرب والمسلمين، بحجة أن هذا يعد تطبيعاً مع الكيان المحتل واعترافاً به! ولو كنت مناهضاً للعرب لدعوت الله أن يستمر هذا القرار وألا تفيق الجامعة العربية من غفوتها وتخبطها المستحكم في التعاطي مع القضية المركزية لديها، لأنه يسمح لإسرائيل بتهويد مدينة القدس والأقصى دون إزعاج ودون رمزية روحية تبين لها وللعالم أجمع مدى ارتباط المسلمين بالمسجد الأقصى!
لا مسوّغ دينيا أو عقليا أو حتى سياسيا يوجب أن يمنع العرب والمسلمون أنفسهم من شد الرحال إلى الأقصى تأكيداً لهويته العربية والإسلامية، فعزل الأقصى والقدس والمقدسيين عن محيطهم العربي والإسلامي أكبر خدمة تقدم إلى إسرائيل حالياً!
لا مسوّغ دينيا أو عقليا أو حتى سياسيا يوجب أن يمنع العرب والمسلمون أنفسهم من شد الرحال إلى الأقصى تأكيداً لهويته العربية والإسلامية، فعزل الأقصى والقدس والمقدسيين عن محيطهم العربي والإسلامي أكبر خدمة تقدم إلى إسرائيل حالياً!
إن السماح بتنظيم زيارة المسجد الأقصى، هو أكبر رد ليس على نقل السفارة الأمريكية فقط، بل لو نقلت كل سفارات الأرض إلى القدس فليس لذلك معنى وهي تزدحم بملايين المسلمين، ولا يمكن أن يتصور منطق عقلي أو سياسي أن احتلال مدينة وفقاً لظروف عسكرية وسياسية يتوجب على أهل المدائن الأخرى ألا يزوروا إخوتهم في المدينة المحتلة، بحجة أن هذا تطبيع واعتراف بالوضع القائم، فكلفة الغياب عن زيارة الأقصى وترسيخ وضع الاحتلال والتهويد القائم أعظم من تعاود الأقصى والقدس من قبل ملايين المسلمين حتى لوكان ذلك بتأشيرة إسرائيلية!
بل إن حتى فرض حل الدولتين الذي ارتضاه الفلسطينيون والعرب وتقسيم القدس إلى عاصمتين شرقية للفلسطينيين وغربية لإسرائيل لا يمكن أن يكون في المفاوضات واقعاً على الأرض، خصوصاً بالنظر إلى خطط إسرائيل في تحويل القدس إلى الغالبية اليهودية المطلقة، مستغلين قراراً عربياً وإسلامياً مضاداً حرم الأقصى والقدس أن يكون بجواره ثلاثة ملايين زائر عربي ومسلم يثبتون للعالم أن الأقصى سيبقى ويظل عربياً مسلماً ويغير من سياسة الأمر الواقع هناك.
سأظل وغيري من العقلاء الذين أخفي صوتهم بشعارات غبية لا تؤكل عيشاً نرى أن زيارة القدس والمسجد الأقصى ليست خيانة ولا تطبيعاً؛ بل هي واجبة على كل عربي مسلم وعملية إنقاذ شجاعة لا تعطي أي اعتبار لشعارات المزايدين والأغبياء لتضييع 100 سنة أخرى من عمر القدس وهم يصرخون من مقاهيهم لن ندخلها إلا فاتحين!
نقلا عن "عكاظ"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة