في رحاب الأزهر الشريف، كان اللقاء حول «نصرة القدس»، اجتمعت كل المؤسسات والهيئات الإسلامية مع ممثلي كل الكنائس في محبة زهرة المدائن.
في رحاب الأزهر الشريف، كان اللقاء حول «نصرة القدس»، اجتمعت كل المؤسسات والهيئات الإسلامية مع ممثلي كل الكنائس المسيحية في محبة زهرة المدائن.. بل وضم اللقاء، إلى جانب كبار المثقفين والمفكرين، بعض الحاخامات اليهود المعادين للصهيونية، والمنكرين للجرائم التي تتم باسمها.
هذا التجمع، في حد ذاته، كان رداً بليغاً على قرار ترامب بمنح القدس للكيان الصهيوني، في مخالفة لكل القوانين والقرارات الدولية، وفي تحدٍ لمشاعر مئات الملايين من المسلمين والمسيحيين في كل أنحاء العالم. تجمّع ممثلو المسلمين والمسيحيين في رحاب الأزهر، ليؤكدوا تمسكهم بعروبة القدس، كان رداً على رهان خائب بأن القدس هي قضية أهلها وحدهم، واللغة التي سادت في حوارات المؤتمر، كانت في مستوى الحدث، لم تكن جرياً وراء شعارات، ولا ترديداً لأناشيد الحماسة..
تأتي الرسالة هنا من قلب الأزهر الشريف، تحمل رؤية المسلمين والمسيحيين في العالم أجمع، الرافضة لمسلك الإدارة الأميركية، والمؤمنة بأنه لا سلام في المنطقة إلا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وقيام دولة فلسطين المستقلة، وعاصمتها القدس العربية
بل كانت رسالة واضحة، صاغها الخطاب الممتاز للإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر، في أن كل احتلال إلى زوال، وأن عروبة القدس ليست محل مساومة، وأننا طلاب سلام، لكننا أيضاً أصحاب حق لا يمكن أن يضيع.
في قرارات المؤتمر أن يكون هذا العام هو عام القدس، وأن نبدأ خلاله في جعل تاريخ زهرة المدائن وعروبتها جزءاً من التكوين الثقافي والمعرفي لأبنائنا، وأن يكون اليقين كاملاً بأننا قادرون، ببناء قوتنا الذاتية، على قهر كل المؤامرات التي تستهدفنا، وعلى استعادة كل حقوقنا المسلوبة.
لكن يبقى انعقاد المؤتمر، وبهذا المستوى من التمثيل، وفي هذا التوقيت الذي تمر به القضية الفلسطينية بلحظات حاسمة، هو المعنى الأهم، وهو الرسائل التي يحسن للجميع، وأولهم الإدارة الأميركية، أن يقرؤوها جيداً!!
لقد راهنت إدارة ترامب على أن قرارها غير الشرعي حول القدس، لن يزيد رد الفعل عليه عن بعض الاحتجاجات في العواصم العربية والإسلامية، ثم تهدأ الضجة وتستقر الأمور.
هكذا أخبرتنا السيدة نيكي هيلي، مندوبة ترامب في الأمم المتحدة، قبل أن يفاجئها العالم بالوقوف صفاً واحداً مع إدانة القرار الأميركي، وقبل أن تدرك أن القدس ليست «ضيعة» يهديها ترامب إلى نتنياهو، فيحول بلاده إلى شريك في العدوان على حقوق العرب، والاستهانة بمشاعر المسلمين والمسيحيين.
ولعل الرسالة من الأزهر الشريف هنا، أن الجريمة لن تمر، وأن القدس ستظل الفارق بين السلام العادل، وبين احتلال لا بد أن ينتهي.
وراهنت الإدارة الأميركية، ومعها حكومة اليمين العنصري في الكيان الصهيوني، أن ما يمر به العالم العربي من ضعف وانقسام وهروب، لن يمكِّنه من التصدي للموقف، وأن جماعات التطرف والإرهاب التي أطلقوها لتعيث في الأرض العربية فساداً ودماراً، ستكون عوناً لهم، حين تتلقف الهدية المسمومة من ترامب لتتاجر بها.
وتأتي الرسالة هنا من قلب الأزهر الشريف، تحمل رؤية المسلمين والمسيحيين في العالم أجمع، الرافضة لمسلك الإدارة الأميركية، والمؤمنة بأنه لا سلام في المنطقة إلا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وقيام دولة فلسطين المستقلة، وعاصمتها القدس العربية.
وراهنت الإدارة الأميركية على أن القضية الفلسطينية كلها قد أصبحت في آخر الاهتمامات العربية والإسلامية، بعد أن تم تدمير دول وتشريد شعوب، وبعد أن أصبح على العرب أن يواجهوا مخاطر الإرهاب والتقسيم ومطامع القوى الأجنبية..
ولا شك أن إحدى الرسائل التي صدرت عن الأزهر الشريف ومؤتمره العالمي حول القدس، هو أن ما فعلته الإدارة الأميركية بقرارها الأحمق بشأن القدس، لم يكن له من أثر إلا استعادة قضية فلسطين لمكانتها، واصطفاف العرب جميعاً حول المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني.
ويبقى الرهان الأخير من جانب الرئيس الأميركي ترامب وإدارته، فالرجل يعمل على أساس أن استمرار الضغوط على الفلسطينيين والعرب، سوف يؤدي بهم إلى قبول ما لا يمكن قبوله، والرجل ينتقل وفق جدول أعمال إسرائيلي بالكامل، يقوم على فرض الأمر الواقع على الأرض، وتصفية القضية الفلسطينية تحت دعوى حلها(!!).
وتوجيه الضربات المتوالية في هذا الاتجاه لتكون القدس، بكل أهميتها، هي البداية لهذا الطريق. من هذا المنطلق، تأتي تصريحات الرئيس ترامب في محاولة تبرير قراره حول القدس، وضغوطه وتهديداته بقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية إذا لم تعد للمباحثات، بأنه قد تكرم بإزاحة قضية القدس المعقّدة من على مائدة التفاوض، ليكون الوصول إلى اتفاق أسهل وأسرع!!
ويبدو أن البند الثاني على «الطريق الترامبي» بالنسبة لفلسطين، هو قضية اللاجئين، وأن الرجل يريد أن «يتكرّم» بإزاحة قضيتهم من على مائدة التفاوض الذي يتصورنه(!!).. ومن هنا، تأتي القرارات المتسارعة التي تستهدف منظمة غوث اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، والانتقال الفوري من مرحلة التهديد بقطع المعونة عنها، إلى مرحلة التنفيذ.. الأسباب المقدمة من واشنطن هنا، لا تقنع أحداً.. والتبرير الحقيقي يقدمه نتنياهو، الذي لا يخفي سعادته وأمنياته، مطالباً بإغلاق منظمة الأونروا.
لأنها تبقي قضية اللاجئين الفلسطينيين حية، وتذكّر العالم بمسؤوليته نحو هذه الجريمة، التي ارتكبت بحق شعب فلسطين.. وما زالت فصولها تتوالى، ويبدو أن جدول الأعمال الترامبي، الذي بدأ بالقدس، ويتوقف الآن عند اللاجئين وحق العودة، يخطط للمرور بعد ذلك على باقي القضايا التي كانت تسمى بقضايا الحل النهائي.
معتبراً ذلك «إنجازاً» على طريقة منح القدس لإسرائيل، التي اعتبرها الرئيس الأميركي إزالة للعقبة الأساسية أمام صفقته الموعودة..
بينما هو ينسف فرص السلام ويشعل حرائق لن تنطفئ، ولا يدرك أن إسرائيل ستكون أكبر الخاسرين من هذه الخطوات الحمقاء، وأن أميركا نفسها لن تنجو من آثار هذه السياسات المعادية للمنطق وللعدل، وللشرعية الدولية.. وحتى لمصالح أميركا نفسها!
لو قرأ العقلاء من صناع السياسة الأميركية رسالة مؤتمر الأزهر، ولو أدركوا معنى الإجماع بين ممثلي مليارات البشر من المسلمين والمسيحيين، على أن عروبة القدس وحقوق الشعب الفلسطيني، هي الطريق الوحيد للسلام، والتعبير الحقيقي عن المحبة بين البشر.. لو قرؤوا ولو أدركوا، فربما يسهمون معنا في منع الكارثة التي تقودنا إليها السياسات «العبقرية» للسيد ترامب!!
نقلا عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة