"أيها الذاهبون إلى صخرة القدس.. مرّوا على جسدي.. أيها العابرون على جسدي.. لن تمرّوا.. أنا الأرض في جسد.. لن تمروا".
"أيها الذاهبون إلى صخرة القدس.. مرّوا على جسدي.. أيها العابرون على جسدي.. لن تمرّوا.. أنا الأرض في جسد.. لن تمروا".. أبيات خالدة من قصيدة "الأرض" لشاعر فلسطين محمود درويش.. تجددت معانيها، اليوم، بمؤتمر دولي حاشد تحول لتظاهرة عالمية لنصرة القدس، تحت لواء الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين، وعلماء دين وباحثين ورموز سياسية واجتماعية من 86 دولة، وقفوا في وجه القرار الأحادي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بإعلان القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، وما تبع القرار من ترحيب إسرائيلي وإجراءات متسارعة لتوسيع الاستيطان وتغيير معالم المدينة المقدسة.
إعلان الأزهر الشريف في ختام المؤتمر الذي استضافته القاهرة تحت رعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، جدد التأكيد على أن القدس هي العاصمة الأبدية لدولة فلسطين المستقلة، التي يجب العمل الجاد على إعلانها رسمياً والاعتراف الدولي بها وقبول عضويتها الفاعلة في المنظمات الدولية كافة، وأكد أن القدس ليست مجرد أرض محتلة؛ بل هي حرم إسلامي مسيحي مقدس، والمسلمون والمسيحيون وهم يعملون على تحريرها من الاغتصاب الصهيوني الغاشم، فإنما يهدفون إلى تأكيد قداستها.
- عمرو موسى بمؤتمر الأزهر: لا تتعاملوا مع زيارة القدس ببساطة
- مكرم محمد للفلسطينيين بـ"نصرة القدس": لا تغادروا أرضكم
عام القدس
اعتمد المؤتمر اقتراح الأزهر بأن يكون عام 2018 عاماً للقدس الشريف، داعياً كل الشعوب بمختلف مرجعياتها وهيئاتها ومؤسساتها إلى تبني هذه المبادرة، خدمة لقضية القدس بمختلف أبعادها، كما عادت القضية بؤرة للاهتمام على الساحة العربية بملايين التغريدات والتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، تأكيداً من العرب قادة وشعوباً، على أن فلسطين ستظل القضية المركزية الأولى، رغم الأخطار المحدقة والأزمات المتلاحقة.
عروبة القدس
"عروبة القدس أمر لا يقبل العبث أو التغيير.. وهي ثابتة تاريخياً منذ آلاف السنين، ولن تفلح محاولات الصهيونية العالمية في تزييف هذه الحقيقة أو محوها من التاريخ، ومن أذهان العرب والمسلمين".. تلك واحدة من أبرز رسائل المؤتمر للساعين إلى فرض الأمر الواقع على المدينة المقدسة والأرض المحتلة، والتي ألقى الأزهر الشريف بثقل قوته الناعمة في كفتها، وحشد الرأي العام الدولي حولها، انسجاماً مع رفض دولي لقرار الرئيس الأمريكي.
قرار يغذي التطرف
فضلاً عن الرفض القاطع لقرارات الإدارة الأمريكية الأخيرة، حذر المؤتمر من أن هذا القرار إذا لم يسارع الذين أصدروه إلى التراجع عنه فوراً فإنه سيغذي التطرف العنيف، وينشره في العالم كله، حيث اعتاد المتطرفون والمتشددون ومنظروهم استغلال القضية الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني منطلقاً لتكفير المجتمعات وستاراً لأفكارهم الإرهابية الهدامة، وغطاءً لتفجيراتهم الغادرة في مختلف أرجاء المعمورة.
اعتبار بالتاريخ
حرص المؤتمر على توجيه خطابه للفئة المعتدلة من اليهود داخل إسرائيل، مؤكداً حرصه على عدم استبعاد أي طائفة، باعتبار القدس مدينة للأديان السماوية الثلاثة دون تمييز أو إقصاء، وهو أمر ضرب به قرار ترامب عرض الحائط، حيث حث المؤتمر عقلاء اليهود أنفسهم للاعتبار بالتاريخ، الذي شهد على اضطهادهم في كل مكان حلّوا به إلَّا في ظل حضارة المسلمين، وأن يعملوا على فضح الممارسات الصهيونية المخالفة لتعاليم موسى عليه السلام.
الانحياز للمقاومة
عمدت سلطات الاحتلال الإسرائيلية لتصدير صورة لخيار المقاومة على أنه "إرهاب وخروج عن القانون"، وهو أمر حرصت السلطة الفلسطينية على المقاربة السياسية له بكبح جماح الفلسطينيين عن الانتفاض أو ممارسة أعمال العنف التزاماً بالمسار التفاوضي، غير أن قرار ترامب جاء ليرفع هذا الالتزام تماماً عن كاهل السلطة الفلسطينية، وأعاد مؤازرة الشعوب العربية لخيار المقاومة السلمية والانتفاضة سبيلاً لاستعادة القدس المسلوب، وقد أعلن المؤتمر مؤازرته لصمود الشعب الفلسطيني الباسل ودعم انتفاضته في مواجهة هذه القرارات المتغطرسة بحق القضية الفلسطينية ومدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك، موجهاً التحية لروح التلاحم الشعبي بين مسلمي القدس ومسيحييهم.
القضية ستبقى حية
قرر المؤتمر تصميم مقرر دراسي عن القدس الشريف يُدرَّس في المعاهد الأزهرية وجامعة الأزهر، استبقاءً لجذوة قضية القدس في نفوس النشء والشباب، وترسيخاً لها في ضمائرهم، مع الدعوة إلى تبني مثل هذه المبادرة، وهو أمر يعكس رسالة من الأزهر، بأذرع علمه الممدودة في أطراف العالم كافة بأن الاحتلال مصيره الزوال، وأن الحق الفلسطيني سيظل سبيلاً للنضال والتضحيات حتى يعود".