قضية التدويل ليست حديثة إنما طرحت في ثلاثينيات القرن الماضي
تجاوز النظام القطري الحدود الأخلاقية والدينية بمطالبته المؤسسات التي تعزف على أوتار السياسة القطرية، من خلال مذكرة رفعها إلى الأمم المتحدة، يطالب فيها بتدويل الحرمين الشريفين.
وزعمت الخارجية القطرية أن المذكرة تطالب بتدويل قضية ما أسموها بتسييس الحج، فماذا يعني هذا كله غير العزف على التدويل؟ وهل تتحدث الجزيرة خارج سياق توجيهات القيادة القَطَرية؟ فما هذه المباهلة المكشوفة وتلك المطالبة الملغومة بوضع الفِخاخ وتصعيد الخلاف؟ وكيف أقدمت السلطات القطرية على هذه الخطوة التي تؤدي إلى تصعيد الصراعات المحتدمة مع الرياض؟
قناة الجزيرة تمارس هجوماً شرساً على السعودية من خلال الترويج لقضية تدويل الحرمين الشريفين، وقد تبنت حملات مشبوهة لتهميش الدور السعودي، ولكن هذه الحملات سوف تفشل جميعها في تحقيق أهدافها كما فشلت في العقود المنصرمة.
قضية التدويل ليست حديثة إنما طرحت في ثلاثينيات القرن الماضي، وأيضاً سبق أن طرحتها ليبيا في عهد معمر القذافي وإيران وتركيا وبعض الدول التي لا تحترم تلك المقدسات في مكة والمدينة المنورة، وزعم النظام القطري تعرض بعض المعتمرين القطريين للإهانة ولم يثبت ذلك، ثم زعم منع السعودية القطريين من الحج، واتضح أن الجانب القطري، ممثلا في وزارة الأوقاف، قد أغلق التسجيل الآلي للراغبين في أداء مناسك الحج.
ولهذا التوجه خطورته وتَبِعاته واحتمالات تعقيده للأزمة الخليجية وربما نقلها إلى مَرحلة المواجهة العَسكرية، لأن الذين يؤيدون مثل هذا التوجه ويطالبون به بطرقٍ مباشرة أو غير مباشرة، منذ عقود وربما قرون، ويطربون لمجيئه على لسان دولة عربية وخليجية على وجه الخصوص، في ظِل تنافس المرجعيات السنية والشيعية حول إدارة الأماكن المقدسة وزعامة العالم الإسلامي.
قناة الجزيرة تمارس هجوماً شرساً على السعودية من خلال الترويج لقضية تدويل الحرمين الشريفين، وقد تبنت حملات مشبوهة لتهميش الدور السعودي، ولكن هذه الحملات سوف تفشل جميعها في تحقيق أهدافها كما فشلت في العقود المنصرمة، وهو الأمر الذي يكذّبه الواقع، حيث سخّرت المملكة العربية السعودية إمكانياتها كافة لخدمة ضيوف الرحمن، وتأمين أداء مناسك وشعائر الحج، واتخذت قرارات عدة للتيسير والتسهيل على جميع الحجاج القادمين من دول العالم، وسياسة الجزيرة الإعلامية مرتبطة كلياً بالنظام الحاكم في الدوحة، وهي صوته والناطق باسمه وجزء من سياسته التدميرية الداعمة للإرهاب والإرهابيين، وتلعب دوراً كبيراً في الحرب النفسية ضد الدول العربية والخليجية المقاطعة لها بسبب دعمها للتنظيمات الإرهابية.
وزادت قناة الجزيرة من حدة الهجوم على السعودية وعلى الدول المقاومة للإرهاب بشكل أكبر من ذي قبل، وبدأت تشن حملة مضادة ضدها منذ بداية الأزمة مروراً بموسم الحج الذي حاولت إفساده وتسييسه بزعم منع حجاجها من الذهاب إلى المشاعر المقدسة.
هذه الفبركات الإعلامية بتزوير الحقائق لا تنطلي على ذوي النفوس المؤمنة الذين يتمتعون برجاحة العقل ورباطة الجأش وقوة البصيرة ومعرفة حقيقة ما يجري من تفاعلات مثيرة وتناقضات يفتعلها هؤلاء، ولم تتمكن دول عديدة من تحقيق مرادها وتنفيذ رغباتها وما تطلبه يقود المنطقة إلى احتدام الصراعات المذهبية، وستفشل قطر بما ذهبت إليه وغايتها العبث بمقدرات الأمة الإسلامية دون وازع أخلاقي وديني، ويتطلب عدم نسيان تصرفات النظام القطري بشأن تدويل الحرمين حتى وإن تم حل الأزمة بين قطر والدول الخليجية.
فكرة تدويل الحرمين الشريفين تعد مساساً بالمقدسات الدينية، التي أمرنا الله تعالى بالدفاع عنها وتقديسها وشد الرحال إليها، حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى"، فالجهود المتواصلة التي تبذلها المملكة العربية السعودية لم تبخل على خدمة ضيوف الرحمن وتأمين الحجاج الذين يفدون إلى المشاعر المقدسة من كل فجّ عميق، ولا تدخر جهداً في توفير كل سبل الراحة وتذليل الصعاب التي تواجه ضيوف الرحمن، إضافة إلى التوسعة التي تقوم بها في الحرمين الشريفين والتي تقدر تكلفتها بمليارات الدولارات.
المزاعم القطرية بشأن الحج جميعها ادعاءات كاذبة وتخرصات فارغة، تنكرها الشعوب العربية والإسلامية والهدف منها هو تسييس وتدويل الحج والحرمين الشريفين، من أجل أهداف خبيثة صهيونية وعنصرية، والإضرار بالمملكة والدول العربية ببث الفتن وتشتيت العرب، والنظام القطري لجأ إلى هذا السيناريو لتدويل الحج بعدما ضاق ذرعاً وأصبح يقف على حافة الهاوية بعد مقاطعة الرباعي العربي له، وهذا يكشف عن مدى موقف قطر ومصالحها المرتبطة مع القوى العنصرية وتفضيلها على قدسية الحرمين الشريفين.
كعبة الله المشرفة في مكة المكرمة هي من أمنع الحصون الدينية والتاريخية والحضارية، أما المدينة المنورة التي تضم أطهر البقاع على الإطلاق، ومن هذا ندرك أن لهذين الحرمين؛ الحرم المكي والحرم النبوي، ولهذين البلدين مكة المكرمة والمدينة المنورة مكانة عظيمة، فهما أفضل بقاع الأرض قاطبةً وقد رعاهما الله وحماهما ورد عنهما كيد الأعادي وعاديات الزمن.
وحري بنا أمة الإسلام أن نعقل دور بيت الله الحرام في التاريخ وأثره في الإيمان وعظمته في مجالات السلام والأمن والاستقامة، وروى ابن ماجة عن عياش بن أبي ربيعة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة حق تعظيمها فإذا ضيعوا ذلك هلكوا".
ولمن لديه مثل هذه النوايا الخبيثة أن يتعظ ويدرك أبعاد ما يرمي إليه، لأن الاقتراب من الأماكن المقدسة ومواقع الشعائر الإسلامية قد تجعله في أسفل السافلين، فمَن لم يفكر بالعواقب لا يأمن من المصائب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة