"الشهيد الحي" و"بنادق الظل".. مسيرة الكاظمي في مواجهة "المليشيات"
"الشهيد الحي" "مشروع فدائي"، ألقاب يتخذها مصطفى الكاظمي وهو يواجه خطر المليشيات الموالية لإيران، وهي تستهدف حياته وأمن العراقيين.
ففي أول تعليق له على محاولة اغتياله بطائرة مسيرة بدون طيار، فجر الأحد قال الكاظمي: "كنت وما زلت مشروع فداء للعراق وشعب العراق، صواريخ الغدر لن تثبط عزيمة المؤمنين، ولن تهتز شعرة في ثبات وإصرار قواتنا الأمنية البطلة على حفظ أمن الناس وإحقاق الحق ووضع القانون في نصابه".
ودعا الكاظمي في تغريدة على حسابه بموقع تويتر إلى "التهدئة وضبط النفس من الجميع، من أجل العراق"، في مرحلة حرجة، يبدو أنها رفعت من وتيرة إرهاب المليشيات الموالية لإيران، التي لم تكتف بزج المئات في أتون معاركها الخاسرة، بل طالت رئيس الوزراء، في محاولة اغتيال وصفها الرجل بـ"الجبانة".
مرحلة تتوج علاقة الرجل الذي اعتبر نفسه يوما "الشهيد الحي"، في سبيل تحقيق غاية العراقيّين بإنهاء السلاح المنفلت بيد المليشيات، التي تسعى لتطبيق أجندة إيران بالعراق، لبقاء هيمنة طهران على هذا البلد.
صدام من أول يوم
فمنذ أيام وصوله الأولى إلى رئاسة الوزراء، لم يكن مصطفى الكاظمي مرحباً به من قبل القوى الحزبية، المرتبطة بإيران، ومليشياتها المسلحة، بعد أن وضع محاربة المال السياسي والفساد، وحصر السلاح في يد السلطة، بمقدمة أجندته الحكومية.
ووصل الكاظمي إلى منصب رئيس الوزراء عقب أحداث مضطربة، على وقئع احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول 2019، التي دفعت رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي القريب من طهران، إلى تقديم استقالته.
ورغم عمليات القتل والتصفية والملاحقة، التي طالت أكثر من 600 ضحية وآلاف الجرحى من محتجي ما يعرف في العراق بـ"احتجاجات تشرين"، إلا أن ذلك لم يمنع الجماهير المنددة بالفساد والتبعية من قول كلمتها وفضح "الدولة الخفية".
وشكّل وصول الكاظمي صدمة كبيرة للأحزاب والمليشيات المسلحة التي رأت فيه ما يهدد بقاءها، ويسلبها مكتسباتها غير الشرعية طوال عقدين من سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين.
وتعهد الكاظمي مراراً وتكراراً بإعادة "الدولة المختطفة" -وفق وصف نشطاء عراقيين- وإنهاء المظاهر المسلحة وتحقيق انتخابات تشريعية مبكرة نزيهة وشفافة، حسب شهادات المراقبين.
وبدأ الكاظمي مشواره الحكومي بتدشين عملية أمنية لمطاردة أشباح الفساد في المنافذ الحدودية، والتي تمثل العصب المالي للكثير من المليشيات المتنفذة.
وبعد أيام من ذلك، أقدمت قوة أمنية على اقتحام مقر للمليشيات جنوبي بغداد، عرفت بحادثة "الدورة"، اعتقل خلالها 14 عنصراً من فصائل "كتائب حزب الله"، التي تتمتع بدعم وإسناد كبير من إيران.
وعدّت الفصائل المسلحة حينها أن العملية "إعلان" مباشر من قبل الكاظمي ببدء المواجهة، خصوصاً أنها المرة الأولى التي تقتحم فيها قوة أمنية حصن مليشيات ضاربة في القتل والاغتيال، يقول العراقيون.
لا تراجع
ولم تمنع التهديدات وأساليب ضرب الاستقرار الأمني من قبل تلك المليشيات، بدفع الكاظمي عن التراجع بملاحقة "السلاح المنفلت"، وهو يردد "أنا الشهيد الحي".
وعمدت تلك الفصائل المسلحة إلى تصعيد عملياتها ضد مقار البعثات الدبلوماسية خصوصا الأمريكية منها، في محاولة لتقديم سلاحها رديفاً عن الدولة وأنها من "تختار السلام أو الحرب"، على الأرض.
واستطاع الكاظمي خلال الأشهر الأولى من توليه منصب رئيس الوزراء من تفكيك الكثير من معاقل القوة المالية واللوجستية للقوى الولائية المسلحة، عبر سلسلة من الإجراءات تمثل بعض منها في ضرب مصادر تمويلهم وتقييد تحركاتهم "المميتة".
و مع مرور الوقت، كانت الهوة تتسع بين الكاظمي والأحزاب التي تتلقى الدعم من إيران، خصوصاً عندما أدار رئيس الوزراء بوصلة العراق نحو الحاضنة الخليجية والعربية والتحليق نحو الفضاء الغربي.
وباتت "بنادق الظل"، تعاني التراجع والصدمات المتوالية شيئاً فشيئاً، بعد أن جاءت عملية اعتقال قيادي كبير في مليشيات الحشد، في مايو/أيار، بمثابة التأكيد أنه "لا عاصم"، من سطوة القانون لأي عنوان أو جهة، لا تؤمن بوجود دولة مؤسسات.
وفي الشهر ذاته، أعلن الكاظمي عن اعتقال عصابات متهمة بقتل المتظاهرين ونشطاء الحركات الاحتجاجية عرفت بـ"فرق الموت"، يرتبط عناصرها بخطوط دعم إقليمي بحسب مصادر مطلعة.
وقطع الكاظمي فيما بعد الطريق على المليشيات المسلحة التي تهاجم وجود المصالح الأمريكية في العراق بذريعة "القوات القتالية"، بإنهاء وجودهم عسكرياً عبر اتفاقية الإطار الاستراتيجي ضمن الجولة الرابعة والأخيرة في أغسطس/آب الماضي.
وعمدت المليشيات المسلحة منذ مطلع العام الماضي على تصعيد هجماتها باستهداف التمثيل الدبلوماسي والوجود العسكري للولايات المتحدة في العراق، عبر سلسلة من الهجمات المتصاعدة بذريعة أن بقاءها يمثل "خرقاً سيادياً" للبلاد.
طلقة "الرحمة"
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي جاءت الانتخابات التشريعية المبكرة "طلقة الرحمة"، التي دفعتهم إلى الهامش بعد تراجع حظوظهم بشكل كبير مقارنة بما كانت عليه قبل ذلك التاريخ.
وعدت "صدمة الانتخابات" لقوى الظل أكثر الأحداث قسوة وأكبرها فداحة بعد أن لفظهم الشارع الانتخابي، مما جعلهم أمام خيار مواجهة المشروع السياسي في العراق برمته، أو الاستسلام لنتائج انتخابات 10 أكتوبر.
واتهمت تلك القوى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وأطرافا أخرى من بينها جهات دولية بتزوير نتائج الانتخابات، والدفع بهم نحو "خندق" الخاسرين عمداً.
ولاقت الانتخابات التشريعية المبكرة دعماً دولياً وأممياً غير مسبوق، أفضى إلى تحقق أجواء آمنة ونزيهة أدلى من خلالها الناخب العراقي بصوته بعيداً عن ضغط "بنادق اللادولة".
فيما لن يتبق لتلك القوى الخاسرة سوى التشكيك وكيل الاتهامات بسرقة أصواتها الانتخابية ومصادرة استحقاقها "المزعوم"، حسب متابعين للمشهد السياسي بالعراق.
وحشدت القوى الخاسرة أنصارها للتظاهر بمناطق مختلفة من البلاد بعد ساعات من إعلان النتائج، في مسعى للضغط عبر "السلاح" لتغيير وقائع الصناديق والأرقام المعلنة.
وتصاعدت حدة التحشيد والوعيد عند المنطقة الرئاسية ببغداد، بعد إعلان مفوضية الانتخابات تطابق عمليات العد والفرز للمحطات المطعونة بصدق أرقامها مع النتائج الأولية المعلنة.
وأول أمس القريب، تحركت مجاميع بين حشود لأنصار القوى الخاسرة عند المنطقة الخضراء، واشتبكت مع قوات حفظ النظام مما أسفر عن وقوع قتيل ونحو 125 جريحاً.
وتحدثت مصادر أمنية مطلعة أن عناصر بين المتظاهرين عمدت إلى استخدام السلاح، وإطلاق الرصاص الحي صوب القوات المكلفة بحماية المنطقة الرئاسية.
وتوعدت قيادات لفصائل ولائية بتصعيد الموقف و"الثأر" لقتلى وجرحى جماهيرهم المرابطة عند المنطقة الخضراء، ليستقظ العراقيون اليوم الأحد على محاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.