عقد على مقتله.. هل قبرت الرصاصة بن لادن وإرثه؟
عقد من الزمن مر منذ اخترقت رصاصة أمريكية رأس الزعيم السابق لتنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن فأردته قتيلا بمخبئه بمدينة أبوت آباد في باكستان.
قضى مقتولا على بعد سنتيمترات من زوجته، وألقى الأمريكيون بجثته في البحر حتى لا يتحول قبره إلى مزار أو رمز لمعاداة الأمريكيين، لكن؛ هل نجحت واشنطن بالفعل في وأد إرث رجل يعتبر أول من دعا إلى الجهاد العالمي وأدرك أهمية الإعلام الدعائي؟
الرمز والوصم
الباحثة كاثرين زيمرمان، من مركز "كريتيكال ثراتس بروجكت" التابع لمعهد "أمريكان إنتربرايز"، ترى أن "صورة بن لادن صمّمت بشكل يجعله قائدا روحيا وعسكريا للجهاد".
طرح لا يؤيده الكثير من المسلمين حول العالم ممن يرون أنه شوّه صورة الإسلام ووسم المسلمين عن غير حق بـ"الإرهاب"، وهو من ربط الدين بهذا الوصم حتى تكاد صورته تقترن في أذهان الغرب بشكل خاص بالقتل والدم.
لكن، وبعيدا عن انعكاس صورة بن لادن في الأذهان، وانقسام الآراء حوله، تظل إحداثيات الواقع فيصلا في الحكم على رجل يعتبره البعض "مؤسس الجهاد العالمي"، واستطاع توظيف "رمزيته" لتجنيد عدد ضخم من العناصر في تنظيمه الإرهابي وتعبئة آخرين في دول أخرى غير أفغانستان.
نجح الرجل في الترويج لعقيدته، وأدرك مبكرا أهمية السياسة الدعائية، فاعتمدها سبيلا لاستقطاب المسلحين، فكان كثير الظهور لصيقا بالمنصات الإعلامية التي اتخذها وسيلة لبث رسائل "القاعدة".
أقل "كاريزما"
شكل مقتل بن لادن ضربة قاصمة لـ"القاعدة"، ويعتبر بقاء التنظيم على قيد الحياة "إنجازا" في حد ذاته لخلفه أيمن الظواهري، وإن يفتقد الأخير لـ"كاريزما" سلفه.
واضطر الظواهري إلى الاختباء في منطقة يعتقد على الأرجح أنها قرب الحدود الأفغانية الباكستانية، وسط تكهنات حول ما إن كان لا يزال على قيد الحياة، في حين باتت "القاعدة" مختلفة كثيرا عن المجموعة الإرهابية التي ضربت الولايات المتحدة في 11 سبتمبر/أيلول 2001، وإن لا تزال تشكل تهديدا حتى في ظل هيكل قيادي مختلف تماما.
باراك مندلسون؛ الخبير بشؤون الإرهاب في كلية "هارفرد" في بنسلفانيا، اعتبر أن "القاعدة أصبحت مجرد ظل لما كانت عليه في السابق، وأكبر نجاح للظواهري كان إبقاء التنظيم على قيد الحياة".
وقال مندلسون إنه بدلا من أن تكون قيادة القاعدة "مركزا لصنع القرار"، أصبحت الآن أقرب إلى "مجلس للمستشارين" الذي يجمع العناصر في جميع أنحاء العالم ويساعدهم.
غموض وارتباك يلفان قيادة "القاعدة" طفت إلى السطح خصوصا في أغسطس/آب الماضي، أي عقب مقتل عبد الله أحمد عبد الله، الرجل الثاني في التنظيم بعد الظواهري، والمعروف باسمه الحركي أبو محمد المصري.
وإذا كان الظواهري لا يزال على قيد الحياة، فهذا يعني أن من يقود "القاعدة" حاليا رجل مريض وفي حالة صحية صعبة، والأسوأ أنه لا يتمتع بذات الكاريزما التي كان سلفه يستقطب بها المقاتلين والولاء.
مشهد جديد
بعد 20 عاما من الاعتداءات التي حملت توقيع بن لادن، تستعد واشنطن لمغادرة أفغانستان دون أن تدعي النصر، فيما يرى مراقبون أن الرجل نجح في ضرب القوة العالمية الأولى، وجرها الى حرب استنزاف في أفغانستان لم تخرج منها منتصرة أبدا.
ولا يعتبر انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان الحدث الأوحد في المشهد الجديد، بل سبقته متغيرات كثيرة فرضها مقتل بن لادن، أبرزها اندثار جزء واسع من حقول التدريب التي استحدثها في مناطق الحرب، ونضوب التمويلات المخصصة للمقاتلين في أفغانستان والشيشان مرورا بالبوسنة وغيرها.
وبغيابه أيضا، انفرط عقد العديد من الشبكات الإرهابية في العالم، ما أحدث تغييرا مفصليا في المشهد، حيث تراجعت "القاعدة" ليتصدر "داعش" وتستعر نيران الصراع بين التنظيمين، سواء عسكريا أو عقائديا.
ماضٍ أم حاضر؟
آراء متباينة تحكم هذا الشق من التقييم لإرث بن لادن بعد عقد على مقتله، بين من يرى أن الإرهابيين حول العالم، بمن فيهم عناصر داعش، "لا يزالون ينظرون بإعجاب" لبن لادن، بل إن التنظيم يرى نفسه "أحد الورثة الشرعيين" للزعيم السابق لـ"القاعدة".
لكن غلين روبنسون؛ صاحب كتاب عن الجهاد العالمي يرى أن بن لادن "بات من الماضي" بالنسبة لكثيرين.
الانقسام طال أيضا إرثه العقائدي، حيث ترى بعض التنظيمات أن استهداف الولايات المتحدة في 2011 كان الخطأ الأكبر الذي جاء بنتيجة عكسية على الأرض.
روبنسون يقول: "ينظر في أوساط كثيرة إلى استراتيجية بن لادن باستهداف الولايات المتحدة أولا، العدو البعيد، على أنها خطأ كبير"، معتبرا أن الدليل هو أن عددا قليلا جدا من الإرهابيين ساروا على هذا الطريق.
طرح تؤيده حيثيات الواقع، حيث تقاتل فروع تنظيم القاعدة في منطقة الساحل الأفريقي والصومال وبعض دول الشرق الأوسط، ولا ينفذ ضربات في الغرب، ما يشي بأن عقدا من الزمن لم يمحي فقط جسد بن لادن من الوجود، إنما غيب إرثه العقائدي أيضا، وأحال تنظيمه إلى تقاعد إجباري.
aXA6IDE4LjIyMy4yMDkuMTI5IA== جزيرة ام اند امز