العراق أمام عدة سيناريوهات.. ماذا تعني استقالة "نواب الصدر"؟
بعد سجال واحتدام طويل دام لأكثر من 7 أشهر، دفع رئيس التيار الصدري، مقتدى الصدر، باستقالة أعضاء كتلته النيابية الأكبر في مجلس النواب العراقي والنأي بعيداً عن المنافسة في أزمة تشكيل الحكومة الجديدة.
وتأتي خطوة انسحاب الصدر من مشهد الأزمة على خلاف انسداد سياسي متصاعد مع خصومه في قوى ما يعرف بـ"الإطار التنسيقي" على خلفية إصرار الأخير على الدخول في عملية تشكيل الحكومة كطرف رئيسي.
وكان التيار الصدري قد حصد 73 مقعداً نيابيا في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول المبكرة، قابلها تراجع كبير لقوى الفصائل والمليشيات المسلحة المقربة من إيران على حساب وصول شخصيات وكيانات مستقلة جاء أغلبها من رحم الشارع الاحتجاجي.
ومنذ إعلان نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، كان الصدر قد أعلن عن برنامجه الحكومي في حال وصوله إلى رأس السلطة وصفه حينها "لا شرقية ولاغربية" في إشارة إلى إخراج البلاد من الاصطفافات الإقليمية والدولية.
في الجانب الآخر، ارتكزت قوى "الإطار التنسيقي"، على زعزعة الشارع العراقي عبر التهديد بورقة السلم الأهلي والدفع بفصائلها المسلحة لتطويع إرادة الصدر الرامية إلى تدشين "حكومة أغلبية وطنية".
وظهر ذلك الخلاف بشكل علني في أكثر من مرة وانعكست وتيرة ذلك الصراع بتأزم المشهد العام ونذر وقوع الحرب الأهلية إلا أنها دائما ما كانت تنطفئ النيران في اللحظات الأخيرة.
ومع اجترار الوقت وفيما كان الصدر يشق الطريق مع حلفائه من القوى السنية (عزم وتقدم)، يلحقها الديمقراطي الكردستاني لتكوين الكتلة الأكبر والمضي بانتخاب رئيس الجمهورية وتكليف مرشح الكتلة بتشكيل الحكومة، جاء قرار المحكمة الاتحادية ليضع العصا في الدولاب الشيعي بما يعيد الروح لقوى الإطار التنسيقي بعد تفسير "الثلث المعطل".
وردت المحكمة الاتحادية بتفسير مادة تتعلق بمنصب رئيس الجمهورية الجديد حين فرضت التصويت بأغلبية الثلثين أي بواقع 220 نائباً، مما أعطى قوى ما يعرف بـ"الإطار التنسيقي" قدرة التعطيل والتمرير داخل مجلس النواب.
وكان الصدر قد قدم ولأكثر من مرة مبادرات للمعسكر الخصم بتشكيل الحكومة وفق مدد معينة إلا أن الأخير أخفق في التقاط الفرصة. كما أعطى الضوء الأخضر للقوى المستقلة الذهاب نحو ذلك المسار ولكن انتهت بالفشل والإخفاق أيضاً.
ماذا تعني استقالة الصدر؟
والخميس الماضي، وجه الصدر نوابه الـ73 بتحضير استقالتهم ووضعها تحت اليد بانتظار القرار الحاسم قبل أن يقدمها ممثل الكتلة، حسن العذاري، إلى رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي الذي جاء توقيعه بالموافقة على "مضض"، كما وصف ذلك في تغريدة على صفحته الشخصية.
وبابتعاد الصدر ونوابه عن المشهد المأزوم، تدخل البلاد في احتمالات قلقة تنذر بالنهايات المفتوحة على مصراعيها كما يقول المحلل السياسي عصام الفيلي.
ويوضح الفيلي، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أنه "بانسحاب الصدر ونوابه واضمحلال المشروع الوطني، سنكون أمام مشهد أكثر ضبابية وأكبر تعقيداً وخصوصاً أن الشارع العراقي بات لا يتحمل كثيراً عودة النسخ السياسية المكررة التي حكمت البلاد وفق إطار التوافق والمحاصصة".
من جانبه، يقول الأكاديمي والمختص بالعلوم السياسية، عقيل عباس، إن "الصدر وبعد قرار الرحيل من العملية السياسية قد أعطى خصومه في الإطار التنسيقي تفاحة مسمومة ووضعهم أمام خيارات مرة وقاسية".
ويضيف عباس، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "التيار الصدري هو الطرف الشيعي الوحيد القادر على ضبط الشارع وفرض عمليات الإصلاح بما فيها حصر السلاح المنفلت وتقنين دور القوى المسلحة غير الشرعية وبالتالي فإن ابتعاده ستكون له تداعيات وخيمة وكبيرة لن يرتضيها الشارع العراقي الذي قدم آلاف الضحايا من أجل إحداث حالة من التغيير".
وبشأن مواقف حلفاء الصدر في تحالف "إنقاذ وطن"، علّق رئيس تحالف السيادة، خميس الخنجر، على قرار الاستقالة، بأن "معالجة خطايا النظام السياسي في العراق ضرورة وطنية نتفق عليها مع كل من يؤمن بالوطن، وسنواصل حواراتنا من أجل هذا الهدف".
وبعد نحو ساعة من توقيع رئيس البرلمان العراقي على طلبات الاستقالة للنواب، أصدر رئيس التيار الصدري توجيهاً آخر يتضمن غلق جميع المكاتب السياسية التابعة له وحصرها بالمؤسسات الدينية فقط.
وأطلق أنصار الصدر فور توقيع استقالة نوابهم وسمًا على مواقع التواصل الاجتماعي بأنهم "جاهزون للنزول والتظاهر".
ماذا بعد الاستقالة؟
وأثارت استقالة نواب الصدر تساؤلات حول الإجراءات القانونية المترتبة على ذلك القرار وكيفية سد النقص الحاصل في أعضاء البرلمان العراقي.الخبير القانوني، علي التميمي، يوضح لـ"العين الإخبارية"، أنه "حال توقيع رئيس البرلمان على استقالة أعضاء مجلس النواب ستكون باتة وملزمة التطبيق ولا تحتاج إلى تصويت مجلس النواب، ولكن هناك مساحة للتراجع بحسب ما نصت عليه المادة الأولى من قانون 49 لسنة 2007".
ويوضح التميمي أنه "بموجب تلك المادة يسمح للنواب المستقيلين بالتراجع عن قرارهم خلال مدة أقصاها 30 يوماً قبيل اتخاذ القرار القطعي فيها من قبل رئاسة مجلس النواب عقب مفاتحة مفوضية الانتخابات بشكل رسمي".
ويلفت التميمي إلى أنه "في حال قبول الاستقالة ستضطر مفوضية الانتخابات إلى الدفع بمرشحين آخرين من أعلى الخاسرين ضمن الدائرة الانتخابية ذاتها التي فاز فيها النائب المستقيل".
يأتي ذلك في وقت كشف مصدر في مفوضية الانتخابات أن "بدلاء نواب الكتلة الصدرية، سيكونون أعلى الخاسرين بالدائرة الانتخابية، بعيداً عن انتماء المرشح لأي كتلة كانت"، لافتاً إلى أن "قانون الانتخابات أكد أن بديل أي نائب يكون الذي يليه بأعلى الأصوات، بعيداً عن الكتلة التي ينتمي إليها".
وأشار المصدر، في تصريح لوسائل إعلام محلية تابعته "العين الإخبارية"، إلى أن "المفوضية ستقوم بجمع الأسماء والأرقام لبدلاء نواب الكتلة الصدرية، فهم حتى الآن غير معروفين، وهذا الأمر يحتاج إلى وقت، وبعد تسلم استقالة النواب بشكل رسمي، سيتم البحث عن البدلاء في كل دائرة انتخابية استقال منها نائب عن الكتلة الصدرية".
من جانبه، تحدث النائب المقال، مشعان الجبوري، عن مصير مجلس النواب بعد انسحاب نواب الكتلة الصدرية واستقالتهم.
وقال الجبوري، في تغريدة "بتويتر": "يبقى (مصطفى) الكاظمي وحكومته ويحل البرلمان نفسه والذهاب إلى انتخابات مبكرة في العام القادم".