توقعات "العين الإخبارية" صدقت .. "Roma" أفضل فيلم أجنبي في جولدن جلوب
تقرير يرصد عوامل نجاح فيلم "Roma" التي أهلته للفوز بجائزة أفضل فيلم بلغة أجنبية في "جولدن جلوب"
صدقت توقعات "العين الإخبارية" التي رجحت قبل 48 ساعة من بث حفل جوائز جولدن جلوب بدورتها الـ76، بفوز فيلم "Roma" بجائزة أفضل فيلم أجنبي، وذلك لما قدمه مخرجه "ألفونسو كوارون" من متعة بصرية ومضامين عقلية ومواقف نفسية بالغة الدقة عبر صورة بالأبيض والأسود تزخر بالمعنى والعاطفة.
الفيلم الذي قالت عنه "العين الإخبارية" إنه سيظل الأفضل بين المرشحين لنيل الجائزة حتى لو اختارت رابطة الصحافة الأجنبية في هوليوود "HFPA" سواه، كان حقق إجماعاً حول مستواه الفني، فيما شكل فوزه انتصاراً لمفهوم القيمة الفنية التي لا معنى لها ما لم تحمل رسالة ثقافية سامية، وهو ما عبر عنه مخرج الفيلم كوارون في معرض تعليقه على فوزه بالجائزة، بقوله: "السينما في أفضل حالاتها، تبني جسوراً لثقافة أخرى، ونحن ننمي هذه الجسور".
يبدو فيلم "Roma" الذي أنتجته "نيتفلكس" رسالة حب من المخرج "ألفونسو كوارون" إلى مسقط رأسه مكسيكو سيتي، وتحديداً حي روما الذي تربى فيه، إذ يعود ليرصد واقع الحياة فيه في أوائل سبعينيات القرن الفائت، ليكتب مذكراته عنه بالصور، من خلال حكاية خادمة تعمل عند عائلة في حي من الطبقة المتوسطة تدعى "كليو"، كان استوحى حكايتها من قصة خادمة ومربية أطفال حقيقية تدعى ليبو .
ويكشف الفيلم طبيعة العلاقة بين الخادمة وأفراد العائلة، التي رغم حميمتها الظاهرة تبقى الحواجز بينهم، إذ لا تكف كليو عن القيام بمهامها المنزلية من طهي وتنظيف ورعاية الأطفال الأربعة طوال اليوم، إلى أن تتسارع الأحداث التي تعكر صفو عملها وحياة العائلة حولها، حين تواجه أزمة صحية، في وقت تتلمس بوادر أزمة أخرى تهدد استقرار العائلة، بعد أن تكتشف سيدة العائلة أن غياب زوجها المتكرر بداعي السفر، سببه علاقته بامرأة أخرى.
وإلى جانب شؤونها المنزلية، ترتبط الخادمة كليو بعلاقات اجتماعية عديدة خارج الأسرة، إضافة إلى أنها تعيش قصة حب سرعان ما تتشابك خيوطها وتتأزم لتحدث خللاً في توزان حياتها.
تُعرف "نتفلكس" فيلمها "Roma" في الشريط الترويجي له بأنه "رؤية مؤثرة عن الحب والشجاعة والأمل والتغيير والوطن"، وهي رؤية تكتسب قوتها من العاطفة الشخصية للمخرج كوارون وتجاربه الشخصية التي تتقاطع على نحو كبير مع عوالم "Roma"، إضافة إلى ذاكرته التي تنعكس على نحو بليغ في أسلوب توليفه للقطات الفيلم، الشبيه بترتيب الشاعر لكلمات قصيدته، سعياً إلى تحقيق صورة ذات إيقاع جذاب وعمق إنساني في المعنى.
اهتمام المخرج المكسيكي الخلاق بتفاصيل إنسانية وفلسفية في فيلمه "Roma"، جعلت من هذا الأخير مساحة تأمل جمالية تعكس فهمه البليغ لمعنى السينما، بأنها "كل ما لا يمكن روايته" على حد تعبير المخرج الفرنسي رينيه كلير، وهو المعنى الذي ستظهر تجلياته من خلال إدارة ألفونسو كوارون الخلاقة للصورة السينمائية، بوصفها وسيلة فرعية للسرد الفيلمي.
تشكل العاطفة عماد السرد الحكائي والصوري في الفيلم، ولا شيء يمر على شاشة كوارون من دون معنى عميق، فنجده يعتمد الرمز لتجسيد مضامين عقلية وفلسفية على درجة عالية من الحساسية، ورغم أنه لا يثقل على صورة برمز يسيء إلى صدقيتها، ولكنه يبقيها بالمقابل قادرة على الإيحاء للمتفرج بأكثر مما يظهر فيها، بمعنى أنها تحمل المعنى أكثر من كونها تفسره، وفي هذا الترميز الجمالي لصورة شديدة الواقعية يكمن سحر "Roma".
إلى جانب جائزة أفضل فيلم بلغة أجنبية، فاز المخرج ألفونسو كوارون بجائزة جولدن جلوب لأفضل مخرج، ولكنه أخفق في نيل جائزة أفضل سيناريو التي ذهبت إلى منافسه "Green Book".