مسجد الأشاعرة.. تقاليد رمضانية فريدة في منارة اليمن الروحية
يحظى مسجد الأشاعرة باليمن بمكانة روحية وتاريخية فريدة كأحد بيوت الله الأولى التي تأسست بعهد النبي في السنة الثامنة من الهجرة النبوية.
ويرجع تشييد هذه المنارة الدينية الواقعة في مدينة زبيد التاريخية بمحافظة الحديدة (غرب)، إلى الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري عندما وَلَّاهُ النبي محمد على زبيد وعدن ومعه قبيلته الأشاعرة اليمنية.
وزبيد، تعد إحدى أهم المدن التاريخية المدرجة على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، منذ عام 1993 نظرا لأهميتها التاريخية والدينية وهندستها المعمارية وتخطيطها المدني المتفرد.
تاريخ فريد
وتحتضن زبيد أكثر من 82 مسجدا ومدرسة تاريخية، وأقدمها هو مسجد "الأشاعرة" الذي شيد في السنة الثامنة للهجرة، بينما تم تخطيط مدينة زبيد عام 205 هـ، ليحظى المسجد بمكانة روحية وتاريخية في اليمن.
ويروي الأهالي أن مسجد "الأشاعرة" هو خامس أقدم مسجد في تاريخ الإسلام، وقد خضع لأعمال توسيع، كان أهمها في عهد بني طاهر على يد الملك عبد الوهاب بن داود عام 891 هجرية.
ويشغل المسجد مساحة مستطيلة تقدر بـ 35.50 في 24.50 متر، ويحتوي على صحن مكشوف تحيط به أربعة أروقة أعمقها رواق القبلة، ويمكن الدخول إليه عبر البوابة الرئيسية أو من خلال مداخل أخرى شرقا وجنوبا.
منارة إسلامية
ويحظى شهر رمضان بمكانة رفيعة في مسجد "الأشاعرة" وعموم مدينة زبيد التي لها عادات وتقاليد متجذرة في التعبد وختم القرآن.
وقال الباحث والمؤرخ اليمني عرفات الحضرمي إن "زبيد مدينة علمية شهيرة وهي إحدى أهم الحواضر التي عرفت الإسلام باكرا وكان لجامع الأشاعرة الذي أسسه الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري وأفراد قبيلة الأشاعرة في العام الثامن الهجري أثرا كبيرا في نشر الإسلام في عموم اليمن".
وتحدث الحضرمي، وهو أحد المؤرخين البارزين في مدينة زبيد التاريخية لـ"العين الإخبارية"، عن دور مسجد الأشاعرة في نشر الإسلام، حيث "امتد الدين الحنيف من هذا الجامع ومدينة زبيد إلى القرن الأفريقي والحبشة والصومال والحواضر الأفريقية على ضفتي البحر الأحمر المقابلة لليمن".
وأضاف: "أيام نشأة الدويلات المستقلة في اليمن، ظلت زبيد تحتفظ بمكانتها العلمية وكانت نقطة إشعاع وصل إلى الهند وشرق آسيا والقرن الأفريقي وتخرج عديد العلماء من هذه المدينة الإسلامية من شتى بقاع العالم على مدى 1400 عام مضت".
منارة دينية
ولا يزال مسجد الأشاعرة منارة إسلامية يرتادها طلبة العلم وتقام فيه حلقات تدريس القرآن وعلومه والحديث واللغة العربية، ووفق الحضرمي فإن "الجامع يعد مدرسة دينية في تعليم القرآن والسنة النبوية من خلال ثلة من علماء وفضلاء زبيد".
وأوضح أنه خلال "رمضان تتغير أوقات الدراسة ويخصص وقت العصر للتعليم، حيث تصطف في زوايا وأعمدة جامع الأشاعرة كثير من الحلقات التقليدية التعليمية ومع انتهاء كل يوم دراسي يختم بدعاء أبي "حربة" وهو دعاء مشهور يعود للقرن الثامن الهجري".
ووفقا للباحث اليمني فإن الأهالي والطلاب يتوجهون في كل ليال رمضان إلى جامع الأشاعرة لأداء صلاة التراويح والتي تستمر حتى منتصف الليل ويختم بدعاء شهر رمضان لجلب الخير ودفع الضر.
رمضان في زبيد
ويحتل شهر رمضان مكانة روحانية في مدينة زبيد التي ظلت عاصمة اليمن لقرون، بما يعكس موروثاتها العلمية الزاخرة في شتى نواحي الحياة العلمية والثقافية والفكرية حيث كانت وما زالت مدينة العلم والعلماء والفكر والثقافة.
ومنذ اليوم الأول من الشهر الكريم، يبدأ الأهالي بتغيير عاداتهم اليومية، إذ يلازمون قراءة القرآن أثناء النهار، كما يحرص الأهالي على تناول وجبات الإفطار الجماعي في المساجد، وأداء الصلوات، لاسيما صلاة التراويح في الجامع الكبير وجامع الأشاعرة.
ولا يقتصر التعبد على المساجد والمدارس، بل حتى الدواوين ومجالس الذكر المنزلية تكون هي الأخرى عامرة بقراءة القرآن الكريم، وحفظه عن ظهر قلب، فيما يقام حفل اختتام القران الكريم للحفاظ، بحضور العلماء والطلبة وجموع المصلين في مظهر احتفالي كبير.
الزواج في رمضان
وبالنظر إلى ما يمثله شهر رمضان من مكانة عظيمة، يحرص الشباب الراغبون في الزواج على عقد قرانهم في إحدى الليالي الرمضانية، تبركا بالشهر الكريم.
ويقول الباحث والمؤرخ اليمني عرفات الحضرمي لـ"العين الإخبارية"، إنه في شهور شعبان ورجب ورمضان تتوقف الدراسة في مدينة زبيد وينخرط العلماء والطلاب والأعيان في دروس الأحاديث واستقبال شهر رمضان الفضيل وذلك في 82 مسجدا ومدرسة تحتضنها المدينة.
وأضاف الحضرمي أنه "تكثر الزيارات بين سكان زبيد لتوطيد التكافل الاجتماعي في رمضان ويكون في كل منزل "مبرز" أو مجلس لقراءة القرآن ويتداول فيه القراء قراءة 3 أجزاء يوميا ويتم ختم المصحف أكثر من 3 مرات خلال شهر رمضان الكريم".
يوم 11 رمضان
ومن أهم المظاهر في زبيد خلال رمضان هو يوم الـ11 من الشهر المبارك، حيث تخصص مدارس ومساجد زبيد، بحضور نساء المدينة، هذا اليوم لقراءة وتدبر سورة يوسف وما تحمله من مواقف وقصص ومحاسن سيدنا يوسف.
كما تقوم النساء في هذه الليلة المباركة بتوزيع النقود على الأطفال وزيارة بعضهن البعض تعبيرا عن الفرحة بنجاة سيدنا يوسف من المخاض العسير الذي مر به، وفقا للحضرمي.
ومع حلول الأيام العشرة الأخيرة من رمضان يبدأ الأهالي في طقوس وداع الشهر المبارك في المجالس والأسواق والمحال التجارية في أجواء يسودها التراحم، وتذهب الكراهية والبغضاء والفرقة والمشاحنات، لتحل الألفة والتآخي والأخلاق الطيبة، طبقا للباحث اليمني.
يشار إلى أن مباني زبيد بما فيها مسجد الأشاعرة تعاني من إهمال واسع فضلا عن زراعة الألغام في الأودية المحيطة بها من قبل مليشيات الحوثي التي تسيطر على المدينة وغالبية مديريات محافظة الحديدة المطلة على البحر الأحمر.
aXA6IDMuMTQ1LjE2NC40NyA= جزيرة ام اند امز