ضريح إيمدغاسن.. سر أمازيغي عمره 2300 سنة يجذب السياح للجزائر
حضارات كثيرة مرت على الجزائر، تركت وراءها إرثاً متعددا، وخلف كل إرث أسرارا لا يزال معظمها بعيدا عن الاكتشاف العلمي.
ومن بين تلك الآثار القديمة والضاربة في التاريخ يوجد ضريح "إيمدغاسن" شرقي الجزائر، الذي يعود تاريخه إلى القرن الـ3 قبل الميلاد، ومصنف كـ"أقدم ضريح ملكي" بكل منطقة شمال أفريقيا.
- أهم المدن السياحية في الجزائر.. 10 وجهات رائعة
- أهم المعالم السياحية في الجزائر.. آثار وقصور ومزارات طبيعية و"أهرامات"
ويقع الضريح في محافظة باتنة الواقعة شرق الجزائر والتي تعد "عاصمة الثورة التحريرية الجزائرية" ضد الاحتلال الفرنسي.
ويبدو الضريح منعزلا عن كل شسء قبل الوصول إليه ببضع كيلومترات وهو يظهر شامخاً من تلك المسافة، ليتأكد الزائر إليه فور الوصول بأن النظرة الأولى وكأنه "شيء يتيم بعيد" مجرد نظرة سطحية.
وعندما تطأ قدما الزائر "عرش الضريح" تبدأ وكأنها "مراسم استقبال ملكية على شرف الزائر"، قد تكون مبالغة، لكن لا يدري الإنسان وهو هناك كيف تتسرب إلى مخيلته حيوية ذلك المكان وهو يبوح بجزء بسيط فقط مما تراه العين وتُسحر به.
ولايزال هذا الضريح النوميدي إلى يومنا مزارا لمئات السياح من الجزائر ومختلف دول العالم، ليكون "إيمدغاسن" ورقة فقط من أوراق مجلدات تاريخ الجزائر العميق.
الملك النوميدي
قبل أن يكون ضريحاً أو مزارا سياحياً، فتلك المنطقة كانت موطناً للنوميديين، و"إيمدغانس" ملك أمازيغي نوميدي، وهو شاهد على ازدهار حضارة النوميديين منذ القرون الوسطى.
وكلمة "إيمدغاسن" باللغة الأمازيغية القديمة، وهي تنقسم إلى "ماد" "غيس" أو "الملك غيس"، ويقع في منطقة الأوراس التي كانت مهدا للثورة التحريرية الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي (1954 – 1962).
بينما تقول مراجع تاريخية أخرى بأن معنى كلمة "إيمدغاسن" "القبور" باللهجة الأمازيغية القديمة، وتذكر بأن الكلمة مشتقة من اسم منطقة محاذية للضريح الملكي والمسماة "مدغوسة".
أما الرواية الثالثة عن حقيقة الاسم فتذكر بأن اسم "مدغاسن" ينقسم إلى قسمين، "مدغ" وهو اسم الملك النوميدي، و"سن" وهو العدد "2" في اللغة الشاوية الأمازيغية لأهل منطقة الأوراس الجزائرية، أي "الملك مدغ الثاني".
ويصنفه المؤرخون أقدم ضريح ملكي في شمال أفريقيا، فيما لايزال الطلب الجزائري لدى منظمة "اليونيسكو" "معلقاً" منذ 2002 والخاص بإدراجه في قائمة التراث العالمي، غير أن المنظمة تصنفه كواحد من بين 100 أكثر الآثار المهددة بالزوال على كوكب الأرض.
بينما سارعت السلطات الجزائرية منذ 1967 إلى تصنيفه "تراثاً وطنياً محفوظاً"، رغم أن الاهتمام الرسمي بهذا الموقع التاريخي بقي بعيدا، وسط تحذيرات من أهالي المنطقة ومختصين من مخاطر تعرضه للمزيد من التلف.
وفي عام 2006 وخلال عمليات حفر، اكتشف علماء الآثار من الجزائر "معرضاً تحت الضريح" يبلغ طوله 7 أمتار، عُثر بداخله على أثاث جنائزي كبير يضم فخارا زجاجياً وقطعة من الفحم وعملة برونزية نوميدية قديمة.
وكان ضريح "إيمدغاسن" واحدا من المواضيع التي اهتم بها ودرسها ابن خلدون في مقدمته، ومما كتبه عنه بأن "مدغاسن وفقاً لمراجع المؤرخين البربر، كان سلفاً للنوميديين من البربر من فرع البُتر، من قبائل زناتة، كما أكد المؤرخ الأندلسي البكري، مدغاسن بأنه "كان ملكاً للبلاد في الفترة النوميدية".
الاهتمام العالمي بتاريخ ضريح "إيمدغاسن" في الجزائر جسده أيضا باحثان أمريكيان وهما "إليزابث فنترس" و"مايكل بريت" وذلك في كتابهما "البربر"، وأشارا إلى أن "إيمدغاسن" هو "ثمرة إرادة وتنظيم محكم للجهود البشرية والمادية، والمعرفة التي كان عليها الحرفيّون النوميديون الماسيسيليون وقادتهم، الذين جسدوا هذا البناء".
وكان الباحث الفرنسي "رابي كاهين" من أكثر المهتمين كذلك بتاريخ هذا الضريح، وخصص لذلك كتاباً بعنوان "مدغاسن"، ومما ذكر فيه أن هذا "إيمدغاسن" كان "واحدا من ملوك نوميديا، ويشكل ضريح مدغاسن أقدم وأجمل وأهم المعالم، فهو أقدم من الضريح الملكي الموريتاني قرب العاصمة الجزائرية (تيبازة) وقبور الجْدار قُرب وهران (تيارت)".
فيما ذكر الباحث الفرنسي "موريس بيكر" في كتابه "مدغاسن الضريح الأفريقي" بأن هذا الضريح هو "مدفن لعدد من ملوك الأمازيغ، ومنهم ماسينيسا نفسه أحد أعظم الملوك النوميديين، ولا يزال هذا الضريح يحوي الكثير من الأسرار التي لم نتمكن من كشفها".
قبة هرمية
كثير من الخبراء والمختصين يصنفه ضمن "أهرامات الجزائر المجهولة"، نظرا لشلكه الهندسي وطريقة تشييده، وكذا للأسرار التي لازال يخفيها.
ضريح "إمدغاسن" قبة عملاقة، وله تصميم فريد من نوعه حيث بني بالحجارة الضخمة، ويتوسط السهول والجبال الشاسعة لمنطقة الأوراس الجزائرية.
وضريح "إيمدغاسن" له قاعدة أسطوانية قطرها 59 مترا، ومزين بـ60 عمودا تحيط به بشكل دائري، وبه 3 أبواب كبيرة منقوشة على الحجر.
بالإضافة إلى غرفة جنائزية تمثل مرقدا للموتى، ومن الأعلى يتخذ الضريح شكلا مخروطياً، مثل الضريح الملكي الموريتاني في محافظة تيبازة الجزائرية (وسط).
وحول الضريح، يوجد نحو 10 أضرحة أخرى يقال إنها بربرية، مدفونة في مساحة تمتد على مساحة 500 متر.
aXA6IDMuMTcuNzUuMTM4IA== جزيرة ام اند امز