"كلنا البليدة".. الجزائريون يتضامنون مع الولاية الأكثر تضررا من كورونا
سكان محافظة البليدة يرفضون وصفها بـ"ووهان الجزائر" ويعتبرونها ضحية فيروس كورونا الذي انتقل إلى 134 من سكانها، وحملات تضامن واسعة معها
أطلق الجزائريون حملة تضامن واسعة مع محافظة البليدة (وسط) التي يفوق عدد سكانها مليون نسمة بعدما تقرر وضعها تحت الحجر الصحي التام لمدة 10 أيام كاملة عقب تسجيلها أكبر نسبة إصابات ووفيات بفيروس كورونا في الجزائر.
- الجزائر تفرض حظر تجول وتضع محافظة بالحجر خشية كورونا
- كورونا والجراد وأسعار النفط.. مصائب الجزائريين لا تأتي فرادى
وسجلت المحافظة لوحدها، مساء الثلاثاء، وفق إحصائية وزارة الصحة الجزائرية 134 حالة مؤكدة بفيروس كورونا من أصل 264 حالة مسجلة في جميع محافظات البلاد، وأكثر من 10 وفيات من أصل 19 وفاة مسجلة في الجزائر.
حجر صحي على مليون شخص
وقرر المجلس الأعلى للأمن القومي الذي اجتمع، الاثنين الماضي، برئاسة الرئيس عبد المجيد تبون 4 قرارات احترازية خاصة بمحافظة البليدة للحد من انتشار فيروس كورونا فيها بشكل أكبر.
وفُرض على الولاية وسكانها حجر تام في البيوت لمدة 10 أيام قابلة للتمديد مع منع الحركة من و إلى هذه الولاية.
وأن تكون الخرجات الاستثنائية مرخصاً بها مسبقا من طرف السلطات المختصة للدرك الوطني او الأمن الوطني، واتخاذ اجراءات استثنائية لضمان تموين السكان بالمستلزمات الطبية و المواد الغذائية، ووضع وضع حواجز مراقبة أمنية.
وبذلك، يصبح الحجر الصحي على محافظة البليدة الأول والأكبر من نوعه في تاريخ الجزائر، إذ يبلغ عدد سكان المحافظة 1 مليون و892 ألفاً 009 نسمة.
هاشتاغ (#كلنا_البليدة)
وعبر رواد مواقع التواصل الاجتماعي من مختلف المحافظات الجزائرية عن تضامنهم الواسع مع سكان ولاية البليدة المتضررة بشكل كبير من فيروس كورونا التي انتشر بشكل كبير فيها.
وأطلق الناشطون هاشتاغ (#كلنا_البليدة) وصوراً بالجُملة ذاتها، متبوعاً بأدعية رفع البلاء عن أهل البليدة، وأخرى أعربت عن يقينها في قدرة أهالي المحافظة الانتصار على الوباء، ودعتهم إلى الصبر ومقاومة الوباء.
كما نشر جزائريون صوراً لهم ومكتوب على يدهم رقم 9، وهو الرقم التسلسلي لولاية البليدة بين بقية المحافظات الجزائرية، في إشارة إلى تضامنهم مع سكان المدينة، المشهورة باسم "مدينة الورود".
كما قررت عدة جمعيات أهلية ورجال أعمال ومواطنون تنظيم حملات تضامن فردية وجماعية لصالح البليدة، من خلال إرسال مساعدات طبية وغذائية بعد قرار غلقها كلياً منعاً لانتشار فيروس كورونا.
بدورهم، رد عدد من سكان البليدة على حملات التضامن، بمنشورات موحدة رحبت بقرار الحجر الصحي والمنزلي التام للمدينة، منوهين أن الحجر "سيعمل على إنقاذ بقية الولايات".
وكتب في المنشور: "نحن سكان البليدة، نرحب بقرار الحجر، نضحي بحرية التنقل، لكي نحمي باقي الوطن، الله أكبر".
"جوهرة" الجزائر
في سياق متصل، أعرب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن وقوقه مع سكان محافظة البليدة، ونفى أن يكون قرار الحجر التام على المدينة "عقوبة" ووصفها بـ"جوهرة الجزائر".
وغرد عبد المجيد تبون عبر صفحته الخاصة على "تويتر" قائلا: "تحية تقدير لأهلنا في البليدة لصبركم على الحجر المفروض من فيروس كورونا بيقين منكم".
وتابع قائلاً "وحاشا أن يكون عقوبة، البليدة جوهرة الجزائر لا تعاقب، إن الله والدولة معكم ومع الجزائر قاطبة، سننتصر على الوباء، وبحول الله لن يطول، فعلينا جميعاً التقيد بإجراءات الوقاية، اللهم احفظ الجزائر".
"ضحية" كورونا
وأعرب سكان البليدة عن رفضهم وغضبهم من تسمية مدينتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي بـ"ووهان الجزائر"، نسبة إلى المدينة الصينية التي كانت بؤرة للفيروس في الصين والعالم.
وكتب عدد كبير من سكان المدينة منشورات عبر مواقع التواصل تنتفد ذلك الوصف، معتبرين أن البليدة "ضحية لكورونا" وليست بؤرة له كبقية المدن الجزائرية.
ولم تكن محافظة البليدة المدينة أول ولاية تسجل بها أول إصابة بفيروس كورونا، حيث كانت لرعية إيطالي دخل الجزائر يوم 17 فبراير/شباط الماضي عائداً إلى عمله بإحدى الشركات النفطية في مدينة "حاسي مسعود" الواقعة جنوب البلاد.
وتم اكتشافها والإعلان عنها من قبل "الصحة" الجزائرية في 26 من الشهر ذاته، قبل أن تقرر السلطات الإيطالية ترحيله إلى بلده بعد وضعه في الحجر الصحي يومين بعد ذلك.
ويقول الأخصائيون الجزائريون، إن البليدة لم تكن بؤرة لكورونا، كون الفيروس انتقل إليها عن طريق جزائريين قادمين من فرنسا، عكس ووهان التي كانت بؤرة للفيروس في الصين والعالم.
"قصة الانتشار"
في أقل من شهر، انتشر فيروس كورونا بسرعة كبيرة بين سكان ولاية البليدة الجزائرية، ومن حالة واحدة أوائل مارس/أذار إلى 134 حالة مؤكدة أياماً فقط قبل انتهاء الشهر نفسه.
البداية كانت في 2 مارس/أذار 2020، حينما تم الإعلان عن تسجيل حالتين جديدتين مصابتين بفيروس كورونا بولاية البليدة لسيدة تبلغ من العمر 53 عاماً وابنتها صاحبة الـ24 عاماً.
وبعد إجراء التحقيق الوبائي مع المصابتين، تبين أن الفيروس انتقل إليهما عن طريق مغترب جزائري مقيم في فرنسا يبلغ من العمر 83 عاماً وابنته، بعد أن قاما بزيارة العائلة من 14 فبراير/شباط الماضي إلى 21 من الشهر ذاته.
فيما سجلت أول وفاة بالمدينة يوم 12 مارس/أذار الماضي، وباتت معها البليدة منطقة موبوءة بفيروس كورونا، وشكلت نسبة الإصابات فيها 54 % من مجموع الإصابات الإجمالية في البلاد.
مدينة المقاومة ضد الإرهاب والأمراض
مع تفشي فيروس كورونا في الجزائر، خصوصاً في ولاية البليدة، بات كثير من الجزائريين يطلقون عليها بـ"ولاية المقاومة".
فقد كانت البليدة، واحدة من المحافظات الجزائرية التي حاربت الاستعمار الفرنسي وقدمت الكثير من الشهداء، وكُتب للمدينة المعروفة بهدوء سكانها وثقافتهم الواسعة أن تعود للمقاومة من جديد.
الإرهاب و"مثلث الموت"
وخلال ما يعرف في الجزائر بـ"العشرية السوداء" سنوات التسعينيات، كانت البليدة من بين المناطق الجزائرية الساخنة بالهجمات الإرهابية، إذ عانى سكانها من ويلات الجماعات الإرهابية التي استباحت دمهم، واقترفت أبشع المجازر.
وكانت البليدة إلى جانب الجزائر العاصمة ومحافظة المدية تعرف بـ"مثلث الموت" وسط الجزائر المعروفة بتداخل سلاسلها الجبلية التي كان الإرهابيون يتمركزون بها، بعد أن اشتدت الهجمات الإرهابية ووقعت سلسة من المجازر البشعة ضد سكان القرى العزل، وخلفت مقتل مئات الأشخاص.
ومن بين تلك المناطق "ولاد يعيش" التابعة لمحافظة البليدة، التي اقترف فيها الإرهابيون مجازر جماعية بأبشع الطرق، حتى إن "من نجى من الموت منع عليه المشاركة في دفن الضحايا من عائلاتهم"، بعد أن أصدرت الجماعات الإرهابية "فتوى مزعومة" تفيد بأن "كل من يحضر جنازة دفن الضحايا يعتبر معادياً للمشروع الإسلامي، ويتم استباحة دمه".
سيناريو "الكوليرا" يتكرر
ومن غرائب الصدف أيضا، أن عادت محافظة البليدة لتتصدر مشهد الوضع الصحي في البلاد، بعد أن تصدرت أخبارها الصحية وانتقلت إلى العالمية صيف 2018، عقب تفشي وباء الكوليرا بشكل مفاجئ.
وعاشت الجزائر في آب/أغسطس 2018 شهراً كاملاً "من الكابوس" الصحي بعد إصابة 74 شخصاً في 5 محافظات بوباء الكوليرا والذي خلف أيضا مقتل 5 أشخاص.
وكشفت وزارة الصحة الجزائرية عن أن نتائج تحليل معهد باستور أكدت الأربعاء أكدت بأن مصدر انتشار وباء الكوليرا جاء من "وادي بني عزة" بمحافظة البليدة التي سجلت أكبر عدد من الإصابات والوفيات.
بوفاريك.. كوارث جوية وأحداث سياسية
أحداث أخرى، قفزت بمحافظة البليدة لواجهة الأحداث، بعضها مأساوي والآخر مرتبط بأزمة سياسية مرت بها الجزائر.
ففي 11 أبريل/نيسان 2018، شهدت الجزائر أكبر كارثة جوية عقب سقوط طائرة عسكرية من طراز "إليوشن آي إل 76" مباشرة بعد إقلاعها من مطار بوفاريك، وخلف مقتل جميع ركابها البالغ عدد 257 شخصاً.
ودائرة بوفاريك إحدى المدن التابعة لولاية البليدة، وتبعد عن مقر المحافظة بنحو 12 كلم شمالاً، وتتوسط سهل متيجة وتعلو عن سطح البحر بنحو 41 مترا، ويوجد بها المطار العسكري.
ولأن هذه المنطقة كانت من أكثر المدن التي عاش واستقر فيها الفرنسيون إبان احتلالهم الجزائر، أطلق عليها اسم "la petite paris" أو باريس الصغيرة.
وفي 10 مارس/أذار 2019، اتجهت أنظار الجزائريين والإعلام العالمي إلى ذلك المطار العسكري، بعد أن حطت طائرة الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة عقب رحلة علاجية في جنيف، وسط تضارب في الأنباء حينها عن حقيقة وضعه الصحي.
وتزامنت عودته مع خروج ملايين الجزائريين في أضخم مظاهرات شعبية مطالبة بإلغاء ترشحه لولاية خامسة وتمديده للرابعة، قبل أن يجبره الحراك الشعبي على الاستقالة في 2 أبريل/نيسان من العام ذاته.
مدينة الورود
شاءت أقدار محافظة البليدة الجزائرية أن يرتبط اسمها بكوارث طبيعية وصحية وأحداث سياسية، غير أن تاريخها وثقافتها يؤكدان بأنها واحدة من أهم وأعرق المدن الجزائرية وأكثرها جمالاً.
تبلغ مساحتها الإجمالية 1479 كيلومتراً مربعاً، وهي من الولايات التي تقع في الشمال الجزائري، يحدها من الشمال العاصمة، ومن الغرب ولاية تيبازة، وجنوباً ولايتا عين الدفلى والمدية، وشرقاً محافظتا البويرة وبومرداس.
وعبر تاريخها، اشتهرت المدينة التي أسسها الأندلسيون بالورود ومستخلصاتها، ساعدها في ذلك تربتها الخصبة التي يتمتع بها سهل متيجة، بالإضافة منتجات زراعية أخرى، أبرزها الكروم والبرتقال واللوز.