إخوان الجزائر.. خلافات وانشقاقات معتادة تفتك بأحلام "حمس"

عكس المؤتمر الثامن لحزب حركة مجتمع السلم "حمس"، الذي شهد انتخاب أمين جديد للحركة، خلافات وانشقاقات معتادة في صفوف إخوان الجزائر.
فالمؤتمر الذي اختتم أعماله، السبت، فشل في تغيير جلد الحركة، الذراع السياسية لتنظيم الإخوان بالجزائر، عبر تقديم وجوه جديدة لقيادتها خلال الفترة المقبلة أو الانحياز لما يشغل المواطن الجزائري في تلك الفترة.
وجاء المؤتمر بأمين جديد للحركة خلفا لعبدالرزاق مقري، وهو كاتم أسراره وأحد المقربين منه عبدالعالي حساني الشريف، ليثير التساؤل: هل ما زال مقري يدير الحركة؟
مؤتمر أم"مسرحية"
المؤتمر الثامن للحركة عقد وسط زخم دعائي كبير أوحي للبعض أن ثمة تغييرات جذرية ستشهدها الحركة، لكن التيار التقليدي بداخل حركة الإخوان بالجزائر فرض سيطرته تماما، فلم يقدم صورة ذهنية جديدة لحركة يتنافس أفرادها على القيادة، أو جماعة قادرة على لم شمل أعضائها مرة ثانية.
ورسخ المؤتمر أسباب الانشقاق الكامنة، ووفر لها الأسباب للانفجار والعودة إلى الانشقاقات والتشظي من جديد، ولم يسمح التيار التقليدي بتقديم أي ملف لأي قضية يهتم به المواطن الجزائري، فجاء المؤتمر كأنه مسرحية أو مجرد دعاية انتخابية لـ"حمس".
وكالعادة استمر العناد الإخواني، حيث واصل المؤتمر تجاهل القضايا الأساسية التي تهم المواطنين الجزائريين الذين يجمعهم نفور جماعي من الأحزاب السياسية، خاصة تلك التي تزعم أنها ذات توجه إسلامي منذ فترة العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر بين عامي 1992 و2002 وخلفت أكثر من 150 ألف قتيل.
وحتى بعد العشرية السوداء، لم تهتم تلك الأحزاب بالمواطن الجزائري قدر اهتمامها بالحصول على صوته في الانتخابات، ولم يأت المؤتمر الثامن لحركة حمس بأي تصور جديد للخطاب السياسي للحركة وللتعامل مع قضايا المواطن الجزائري.
رسالتان من حمس
رسائل عدة وجهها المؤتمر لكافة الأطراف، كان أولها للتنظيم الدولي للإخوان مفادها "نحن من يمثلكم فكرا وتنظيما وقيادة"، لذلك وجه مقري الدعوة لإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" الفلسطينية لحضور المؤتمر كضيف شرف.
وكانت الرسالة الثانية شعبوية غازل فيها عبدالرزاق مقري عاطفة الجزائريين عندما أقدم في كلمته الافتتاحية على اتهام المملكة المغربية بأن ما أصابها من مشاكل يعود بالأساس لسياسة التطبيع مع إسرائيل، وهي محاولة لاستغلال الخلافات السياسية بين الجارتين الجزائر والمغرب، وتندرج في سياق المزايدات الإخوانية المعتادة، إضافة لكونه تدخلا غير مقبول في شؤون دولة عربية وإسلامية جارة.
الغلبة لبيعة الإخوان التآمرية
اختيار خليفة لمقري الذي قضى 10 سنوات على رأس الحركة، أظهر الطبيعة الاستبدادية للإخوان الذين لا يؤمنون بالتعددية ولا حرية إبداء الرأي، ويعتمدون مبدأ السمع والطاعة.
ففور إعلان القيادي بالحركة عبدالمجيد مناصرة، وهو وزير الصناعة الأسبق (1997-2002)، اعتزامه الترشح لخلافة مقري حتى قاد فريق الأخير ضده حملة شعواء وتوالت الاتهامات ضده، وظهرت الخلافات الداخلية كعادة تنظيمات الإخوان.
وانقسمت "حمس" إلى فريقين، الأول يرى أن الانتخابات التنافسية فرصة لإثبات أن الإخوان يؤمنون بالديمقراطية وتبادل المناصب، وأن تاريخ مناصرة مع الإخوان يسمح له بأن يقود الحركة في المرحلة المقبلة، إلا أن فريقا آخر اعتبر أن خلافة مقري محسومة للمرشح الذي سيختاره الأمين العام المنتهية ولايته، وأنه لا يجب السماح لقادة "جبهة التغيير" بالسيطرة على "حمس".
ولفهم هذه النقطة يجب العودة للوراء قليلا لفهم طبيعة الانقسامات والانشقاقات في تاريخ إخوان الجزائر.
الانشقاق آفة الإخوان
يحمل تكوين فرع الإخوان في الجزائر عيبا جينيا يجعل الجماعة تنشق على ذاتها مع كل وأي منعطف تمر به.
ففي البداية كون عبدالله جاب الله تيارا يتبع فكريا جماعة الإخوان بالجزائر، وذلك من منتصف السبعينيات وحتى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، ولكن تياره لم يكن منضبطا تنظيميا وتميز بسيولته وعموميته.
ثم في مطلع الثمانينيات أفرج الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد عن قياديين في التيار الإسلامي هما محفوظ نحناح ومحمد بو سليماني، زعيما جماعة الموحدين، وبعد خروجهما من السجن نشبت خلافات بينهما من جهة وبين جاب الله من جهة أخرى، فاتصل نحناح بتنظيم الإخوان المسلمين في مصر، وتحديدا بالمرشد في ذلك الوقت عمر التلمساني، وبالتنظيم الدولي بقيادة سعيد رمضان، وأُقر محفوظ نحناح مراقبا عاما للإخوان في الجزائر.
تبع ذلك انشقاق جاب الله ليؤسس جمعية النهضة للإصلاح الثقافي والاجتماعي عام 1989، وكان هذا أول خلاف بين جناحي الإخوان بالجزائر.
وسيطر جناح محفوظ نحناح على الجماعة، وسمحت له السلطات بالتمدد والعمل بدون ترخيص، حتى سمحت تشريعات 1989 بإنشاء جمعيات فأسس محفوظ جمعية "الإرشاد والإصلاح" لتكون هي الوعاء الدعوي لحركته.
وفي 6 ديسمبر/كانون الأول 1990 أسس نحناح حزبا سياسيا أطلق عليه حزب حركة المجتمع الإسلامي "حماس" ليكون الوعاء السياسي للإخوان بالجزائر، وفي المؤتمر الثاني للحزب الذي عقد في مارس/آذار 1998 غير اسمه ليصبح حزب حركة مجتمع السلم "حمس".
وبعد وفاة نحناح عام 2003 عقدت الحركة مؤتمرها الثالث لانتخاب "أبوجرة سلطاني" لتولي قيادة الحركة، ثم حدثت تجاوزات وخلافات بين أجنحة الإخوان، وبرز اسم عبدالمجيد مناصرة كقائد محتمل للحركة في ذلك الوقت.
وعام 2008 عقدت الحركة مؤتمرها الرابع، وأعلن مناصرة نيته للترشح لرئاسة الحركة، لكنه انسحب من سباق الترشح في اللحظة الأخيرة وأعيد انتخاب سلطاني.
ونتيجة للخلافات الكبيرة بين الفريقين انشق مناصرة ومعه عدد كبير من قيادات الإخوان، وأسسوا حركة جديدة أطلق عليها حركة "الدعوة والتغيير".
وتبع ذلك سحب تنظيم الإخوان الدولي في عهد المرشد محمد مهدي عاكف تأييده لأي من الجبهتين، حتى عام 2012، زاعماً أنه لا يحق لأي منهما أن يعتبر نفسه فرع الإخوان المسلمين بالجزائر.
وبعد الأحداث التي شهدتها عدة دول عربية عام 2011، قام عدد من أعضاء الإخوان بالتوسط للم شمل الجماعة المنقسمة على نفسها، فاقترحوا تكوين جبهة جديدة أطلقوا عليها "جبهة التغيير" وطالبوا المنضمين لها بترك الجبهتين المتناحرتين والانضمام لها، فكان أول المنضمين لها هو عبدالمجيد مناصرة ومعه العديد من القيادات، واعترف التنظيم الدولي بالجبهة كتنظيم ممثل للإخوان المسلمين بالجزائر.
لكن الأمور سارت على غير ما يأمل الإخوان، فعقب ثورة الشعب المصري على الجماعة ومحمد مرسي في عام 2013، وبدء تصنيفها كجماعة إرهابية في العديد من الدول العربية والعالمية، لم يعد اعتماد مكتب الإرشاد أو التنظيم الدولي أمرا له قيمة أو ميزة تسعى إليها الأطراف المتنازعة.
وسادت نغمة بين الإخوان أن "حمس" هي الوعاء الذي أسسه محفوظ نحناح، وأنه على الجميع العودة للبيت الكبير، ونجحت الوساطة في تقريب وجهات النظر، وفي عام 2017 تم دمج "جبهة التغيير" وقائدها عبدالمجيد مناصرة في صفوف حركة حمس تحت قيادة عبدالرزاق مقري، بعد فراق دام لسنوات.
وخاض الفريقان الانتخابات البرلمانية بقائمة واحدة، ونفذا حملة دعاية واحدة ولكن بقلوب مختلفة ومتشتتة، فلم يكن الاندماج تاما وحقيقيا، إذ بقيت أسباب انشقاق جبهة التغيير عن حركة مجتمع السلم قائمة، كما أن الاتفاق على الوحدة لم ينبع من قواعد الحزبين بل نبع من مجلس شورى حركة "حمس" وتم التعامل معه كأمر واقع.
انتخابات مسرحية ونتيجة محسومة
وحتى اليوم ظل الاندماج هشا وقابلا للكسر مرات ومرات، وبات واضحا أن حمس مليئة بالتيارات غير المنسجمة مع بعضها البعض.
هذا الانقسام ظهر جليا في الإعداد للمؤتمر الثامن الذي اختتم أعماله أمس السبت، حيث سيطر على لجان المؤتمر عناصر حمس، ولم يسمحوا لأعضاء جبهة التغيير بالعمل معهم.
كما طالت الاتهامات مناصرة، لأنه تجرأ وأعلن عن نيته للترشح لانتخابات الحركة قبل المؤتمر.
مناصرة أخرج الخلافات إلى العلن، حين كتب على حسابه بموقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي ردا على الحملة ضده "كيف يقال إن الترشح لا يكون إلا أثناء المؤتمر؟".
وعن خلافة مقري، قال مناصرة "كيف يقال إنها محسومة ولم يلتئم انعقاد المؤتمر؟ فهل تحول المؤتمر السيد إلى مؤتمر واجهة أو مؤتمر موجه؟ وكيف يقال إنها محسومة والشورى لم تتم بعد.. هل تحولت الشورى إلى معلمة وديكور؟".
ويبدو أن مناصرة أدرك أن فرصته معدومة في الوصول إلى مقعد الأمين العام للحركة، فأعلن انسحابه من الترشح في بداية المؤتمر، في موقف يعكس أن الطبع غلب التطبع، فطبيعة الإخوان المتآمرة والمتسلطة غلبت على ادعاء الديمقراطية والتشاور وحرية التعبير.
وقام المجتمعون بتزكية صديق "مقري" المقرب وكاتم أسرار وابن بلدته عبدالعالي حساني الشريف، ليكون الأمين العام للحركة، ليظل التساؤل الأساسي هو.. هل سيكون حساني رئيسا شرفيا ويظل مقري هو الرئيس الفعلي للحركة؟
عقدت حمس مؤتمرها وانتهى بعد أن أثبت أن مؤتمرات الإخوان مجرد ديكور، بشهادة مناصرة ذاته، وأن إيمانهم بالديمقراطية مزيف، ولا يسمحون بالرأي والرأي الآخر.
وفي ظل تلك الخلافات يظل السؤال هو هل سيشهد إخوان الجزائر انشقاقا جديدا يقضي على آمال الحركة في لعب أي دور سياسي في الفترة المقبلة؟
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTQ5IA== جزيرة ام اند امز