خبيران: الجزائر الجديدة خارج سجن أوروبا إلى سياسة براغماتية
بعد تصريحات رئيس الوزراء الجزائري بأن بلاده "تعلمت دروسا من أزمة كورونا" تدفعها لإعادة النظر في علاقاتها الدولية بعد انتهاء الجائحة.
جاءت تصريحات رئيس الوزراء الجزائري عبدالعزيز جراد حول اعتزام بلاده "إعادة النظر في علاقاتها الدولية" بعد انتهاء جائحة كورونا لتبلور صورة جديدة في عهد ما بعد حقبة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
- الرئيس الجزائري: العالم سيتغير جذريا بعد كورونا
- 4 دلالات وراء التغييرات بمخابرات الجزائر.. سيطرة تبون أبرزها
وتنبأ "جراد" بتغير معادلة السياسة الدولية بعد انتهاء الأزمة الصحية العالمية التي يعيشها العالم نتيجة تفشي فيروس كورونا المستجد، ووصفه بـ"العالم ما بعد كورونا".
ونوه بأن بلاده "استخلصت دروساً من أزمة كورونا"، وهو ما يفرض عليها "التفكير في ربط مصيرها بعلاقات دولية عادلة تؤمن بأن الأولوية هي حماية الإنسان كإنسان والإنسانية كإنسانية".
وسبق للرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون أن توقع أيضا تغيير معادلة العلاقات الدولية بعد انتهاء جائحة كورونا.
وقال تبون نهاية الشهر الماضي إن "ما يجري اليوم تحت أعيننا ينبئ بنهاية مرحلة حضارية في حياة الإنسان سوف تنبثق عنها بكل تأكيد مرحلة جديدة تشهد وضعاً جيوسياسياً يختلف جذرياً عما كان عليه العالم قبل ظهور الوباء".
ويأتي تصريح رئيس الوزراء الجزائري في سياق أزمة دبلوماسية معلنة بين الجزائر وباريس وفتور في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي على خلفية موقفهما من الأزمة السياسية التي مرت بها الجزائر العام الماضي.
كما تتزامن مع تقارب جزائري صيني غير مسبوق، عنوانه إنساني من خلال الجسر الجوي لتزويد البلاد بالمعدات الطبية لمجابهة فيروس كورونا، يقول مراقبون إنه "أزعج باريس" وسط دعوات فرنسية "لإنقاذ مصالحها في الجزائر من التمدد الصيني".
واعتبر خبيران جزائريان في تصريحات منفصلة لـ"العين الإخبارية" أن حديث رئيس الوزراء مؤشر على اعتزام إدارة الرئيس تبون للخروج بالجزائر من "سجن أوروبا" إلى سياسة براغماتية قائمة على مصالح البلاد.
وأكدا اعتزام الجزائر إعادة ترتيب أولويات علاقاتها الدولية تكون للصين أولوية اقتصادية وتجارية ودبلوماسية، في مقابل تراجع في علاقاتها التقليدية خاصة مع الاتحاد الأوروبي وفرنسا"، واستبعدا في المقابل دخول الجزائر في "سياسة الأحلاف الدولية".
الخروج من "سجن" أوروبا
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، إسماعيل دبش، لخص تصريح رئيس الوزراء في أن الجزائر تبحث عن مخرج مما وصفه "سجن أوروبا" بسبب اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الذي تعده الجزائر "مجحفاً في حقها".
وأوضح في تصريح لـ"العين الإخبارية" أن "الجزائر تبحث دائما عن التوازن في علاقاتها الدولية ولا تبقى سجينة دولة أو منطقة معينة، وهذا ما دفعها للتأني في وضع استراتيجية متوازنة مع الصين ومع الولايات المتحدة في الوقت نفسه".
ونوه بأن تصريح عبدالعزيز جراد "يعمق" تلك المقاربة بالسياسة الخارجية، مشيراً إلى اعتراض وشكوى الجزائر "من غياب التوازن في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي بسبب تلك الاتفاقية".
ولفت إلى أن الحل الذي توصلت إليه السلطة الجديدة في الجزائر هو "الاتجاه نحو بديل آخر يخفف من اعتمادها على أوروبا أو على الولايات المتحدة، وألا تبقى سجينة طرف دولي معين لأنها تراهن على أمنها الإقليمي وعلى القضايا الإقليمية".
وأشار إلى أن الصين باتت "البديل الأمثل" أمام الجزائر الذي يضمن مصالحها، وتوقع أن يؤدي التعاون الجزائري الصيني الحالي لمجابهة جائحة كورونا أن "تصبح بكين النموذج الأمثل للجزائر في سياستها الخارجية على أساس التعاون القائم على المنفعة المتبادلة".
مصالح فرنسا "تحت الاختبار"
واستبعد إسماعيل دبش، في المقابل، أن يكون تصريح رئيس الوزراء الجزائري موجهاً للمصالح الفرنسية في بلاده، وأشار إلى وجود مصالح متبادلة بين البلدين لا يمكن لهما تجاوزها، مشيراً إلى أن لها "علاقات متكاملة وقديمة مع باريس اقتصادية وثقافية".
وتوقع في المقابل أن "تستقبل باريس" موقف الجزائر الأخير بـ"نوع من القلق" خاصة "إذا أحست بأن مصالحها الاقتصادية باتت في خطر أمام تمدد المصالح الصينية".
فيما أكد أن "الفرصة أصبحت مواتية أمام فرنسا لتصحح طريقة تعاملها السياسي والتاريخي والاقتصادي مع الجزائر، وألا تبقى محكمة فقط بالمقاربة التجارية".
بدوره، قال المحلل السياسي عبدالرزاق صغور إن الجزائر ليست مستعدة لتغيير سياستها الخارجية، لافتاً إلى أن تصريح "جراد" مؤشر على رغبة الجزائر "في انتهاج سياسة براغماتية تضمن مصالحها، ومصالحها الاقتصادية اليوم مع الصين والعسكرية مع روسيا.
وأعلنت الجزائر شهر فبراير/شباط الماضي، إعادة "تقييم" لاتفاقية الشراكة الموقعة مع الاتحاد الأوروبي والمنطقة العربية للتبادل الحر والاتفاق التفاضلي مع تونس بالإضافة إلى مشروع المنطقة الحرة القارية الأفريقية.
وسعت الجزائر في الأعوام الأخيرة لإعادة النظر في اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الموقعة في 2002 ووصفت بنودها بـ"غير العادلة والتي تضمن مصالح الطرف الأوروبي فقط" وسط رفض أوروبي، فيما يقول خبراء اقتصاديون إنها تكلف الجزائر خسائر سنوية تقدر بـ8 مليارات دولار.
ووضعت الجزائر "أولى خطوات" فك الارتباط عن الاتحاد الأوروبي وفرنسا في علاقاتها السياسية والاقتصادية –وفق المراقبين– في يونيو/حزيران 2019 بعد توقيعها رسمياً على الانضمام إلى مبادرة "طريق الحرير" الصينية.
وأمس الإثنين، سجلت السلطات الصحية في الجزائر 89 إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" ليرتفع إجمالي المصابين إلى 2718 حالة مؤكدة في 47 محافظة و384 حالة وفاة.
aXA6IDMuMTQ5LjIzMi44NyA= جزيرة ام اند امز