"طوابير الاستهتار" تضاعف إصابات كورونا خلال رمضان في الجزائر
الجزائر تسجل خلال الأيام الـ26 لرمضان 4370 إصابة جديدة بالفيروس، وتبون ينتقد سلوكيات اجتماعية وعدم انضباط المجتمع مع تدابير الوقاية.
"المشكلة الحقيقية تكمن في ذهاب الناس نحو الفيروس، وليس العكس".. لم تكن "جملة غضب" من رواد مواقع التواصل ولا "تحذيرا من الأخصائيين"، بل "انتقاد لاذع" صدر عن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون.
وفي مقابلة تلفزيونية في 31 مارس/أذار الماضي تابعت تفاصيلها "العين الإخبارية، "وضع تبون نقاط المشكلة على أحرف أسبابها" عندما شدد بأن ما ينقص بلاده لمجابهة جائحة كورونا ليس العتاد "بل انضباط المجتمع" وهو ينتقد عدم التزام بعض الجزائريين بالإجراءات الاحترازية التي اتخذت لمنع تفشي فيروس كورونا المستجد، خاصة ما تعلق منها بتدابير الحجر الصحي المنزلي.
- الجزائر تشدد حظر التجوال بعطلة العيد إلى 18 ساعة
- "كلنا البليدة".. الجزائريون يتضامنون مع الولاية الأكثر تضررا من كورونا
كلام، يقول المتابعون إنه لم يصدر من فراغ، بل من سلوكيات اجتماعية استهانت بـ"وحشية مرض مخفي" قتل أكثر من 561 جزائرياً وأصاب نحو 7400 آخرين.
وهي السلوكيات التي استهجنها كثير من الجزائريين و"الجيش الأبيض" الذي يحارب الفيروس في الصفوف الأولى، وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صوراً وفيديوهات لـ"عدم اكتراث واستهتار" كثير من الجزائريين بـ"كافة التدابير الاحترازية بما فيها التباعد الاجتماعي والجسدي" التي يفترض أنها تقيهم من "كوفيد – 19" قبل غيرهم، كما رصدته "العين الإخبارية" عبر منصات التواصل.
"قنابل كورونية موقوتة"
تلك المشاهد التي تداولها الجزائريون لم تكن في الحقيقة إلا "قنابل كورونية موقوتة" على حد وصف بعض الاختصاصيين، بعدما شهد شهر رمضان تضاعفاً مريباً في عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد.
وسجلت الجزائر خلال شهر رمضان أكثر من 4370 إصابة جديدة بفيروس كورونا، مقابل 3007 "خلال شهري مارس/أذار وأبريل/نيسان".
تضاعف الأعداد، تزامن مع قرارات حكومية بتقليص إجراءات كورونا الصارمة، بينها خفض ساعات الحجر الصحي ورفع الحجر الشامل عن محافظة البليدة "بؤرة الوباء"، وفتح المحلات التجارية.
حتى إن محافظة البليدة الواقعة وسط البلاد "لم يتعظ" بعض من سكانها في كون مدينتهم الأكثر تضرراً من كورونا من حيث الإصابات والوفيات، وتخطت عتبة "1000 إصابة" في رمضان بتسجيلها 1022 حالة مؤكدة و117 حالة وفاة، عقب قرار إنهاء الحجر الشامل وتعويضه بآخر جزئي.
طوابير حلوى الزلابية "القاتلة"
مشاهد تكررت في مختلف مدن ومحافظات البلاد طوال شهر رمضان، تداولها الجزائريون بـ"غضب وحسرة" عبر منصات التواصل ورصدتها "العين الإخبارية"، دفعت بالأخصائيين إلى "توقع الأسوأ".
وكانت "طوابير حلوى الزلابية التقليدية" من أكثر الصور المتكررة في غالبية المدن إلى حد يخيل لمن يرى الصور والفيديوهات "أنها من منطقة واحدة".
ويُعرف عن الجزائريين عشقهم لحلوى الزلابية خلال شهر رمضان، وتكتظ محلات صناعتها كل عام بزبائنها "الأوفياء".
ورغم احترام هؤلاء الزبائن لعادة شراء الحلوى، فإنهم "لم يكونوا أوفياء لشروط الوقاية من فيروس كورونا" خلال رمضان الحالي و"كأن فيروساً لم يكن" كما عبر جزائريون عبر مواقع التواصل، وكما رصدته "العين الإخبارية" في بعض المناطق الجزائرية.
"مسافات أمان منعدمة بين الزبائن ووجوه عارية من الكمامات وأيادٍ تصافح وتلمس كل ما حولها"، وكل ذلك من "أجل حلوى رمضانية يمكن صنعها في المنازل"، لكن "لا وعي لمن تنادي" كما عبّر أطباء في فيديوهات تحذيرية وتوعية عبر موقع "الفايسبوك".
ولم تكن محلات "الزلابية" الوحيدة التي "دغدغت ملذات بعض الجزائريين في زمن الكورونا"، فقد كانت أيضا محلات بيع "مشروب الشاربات" مسرحاً لحالات الاستهتار بخطر فيروس كورونا، وعدم الالتزام بتدابير الوقاية منه.
لكن الأمر لم يتوقف عند ملذات الأكلات الرمضانية، فقد "تكرر الاستهتار" عشية شهر رمضان، عندما سارع "آلاف الجزائريين" إلى محلات بيع "أكياس السميد" الذي يعد المادة الرئيسية في غذاء المجتمع الجزائري.
وانتشرت عبر منصات التواصل صور "التهافت" على الأكياس تابعتها "العين الإخبارية" و"كأن الجزائر مقبلة على حرب طويلة أو أزمة مجاعة" وفق تعبير النشطاء، بعد سماعهم شائعات تحدثت عن "احتمال فرض حجر كامل في جميع الولايات خلال رمضان".
كما "فضّل بعض الجزائريين صحة الجيوب على صحة الأبدان" بعد قرار الرئيس الجزائري صرف منحة شهرية بقيمة 10 آلاف دينار جزائري (حوالي 77 دولار أمريكي) للعائلات الفقيرة خلال رمضان.
لم ينتظر أولئك الكشف عن آليات صرف المنحة، "فتوجهوا أفواجاً في اليوم الموالي" إلى مقرات البلديات، وشكّلوا معها طوابير طويلة "لحشر العباد" "مطالبين بحقهم في العشرة آلاف دينار".
ورغم أن وزارة الصحة الجزائرية بررت تضاعف أعداد الإصابات بفيروس كورونا في البلاد إلى "زيادة عدد مراكز الكشف والتحليل الخاصة بفيروس كورونا"، فإن تصريحات "المسؤول الأول في البلاد" ودراسات وأبحاث طبية كشف عنها اختصاصيون لـ"العين الإخبارية" أثبتت بأن "استهتار كثير من الجزائريين بفيروس كورونا وعدم التزامهم بالتدابير الاحترازية لمنع والحد من انتشاره" كانت "وراء تخطي البلاد عتبة الـ7 آلاف إصابة بعد تسجيلها أكثر من 4 آلاف إصابة في شهر واحد".
حتى أن كثيرا من الجزائريين "صبوا جام غضبهم" بالدرجة الأولى على "استهتار واستهزاء كثير من المواطنين بتدابير الوقاية من كورونا" في حادثة وفاة الطبيبة "بوديسة"، الأسبوع الماضي، والتي كانت حاملاً في شهرها الثامن.
وأرجع رواد مواقع التواصل أن "تجاهل كثير من الجزائريين لخطر الفيروس" يعد السبب الأول الذي تسبب في مقتل الطبيبة الحامل وجميع الأطباء الـ19 الذين خسرتهم الجزائر خلال جائحة كورونا، أكثر من التعسف وسوء التسيير الإداري.
تناقض الإجراءات والسلوكيات
يبقى المؤكد، وفق قراءات اختصاصيين تحدثوا لـ"العين الإخبارية"، أن "تلك السلوكيات الاجتماعية السلبية خلال شهر رمضان" تكون قد "أخلطت حسابات" السلطات الجزائرية التي توقعت انحسار انتشار الفيروس خلال أبريل ومايو.
وترجح معها الأرقام اليومية التي تكشف عنها "الصحة الجزائرية" فرضية "صعوبة قضاء الجزائر على فيروس كورونا على المدى المتوسط" في ظل استمرار "سياسة الاستهتار المجتمعي" من قبل "فئة قليلة أثرت على فئة كثيرة".
حتى أن اختصاصيين كشفوا لـ"العين الإخبارية" بأن كثيراً من الجزائريين "ما زالوا يؤمنون بأن الفيروس غير موجود وأنه صناعة غربية مفبركة، أو وهم أطلقته السلطة الجزائرية لوقف الحراك الشعبي".
ويجمع غالبية الجزائريين على ضرورة "اتخاذ إجراءات أخرى أكثر صرامة تصل إلى حد الحجر الشامل في جميع محافظات البلاد"، ومضاعفة العقوبات المالية وعدم الاكتفاء بـ"السجن 3 أيام ومصادرة السيارات" التي تخترق ساعات الحجر إلى "إقرار قانون لجعل الاستهزاء بتدابير التباعد الاجتماعي والجسدي جناية لا تقل عقوبتها عن جناية محاولة القتل العمد".