نزيف أطباء الجزائر.. 4000 طبيب يطلبون الهجرة
ليست الهجرة غير النظامية التي تضرب بعض سواحل الجزائر، فهناك ظاهرة هجرة من نوع آخر "تكسر ظهر مستشفيات" البلاد.
إذ تزايدت في السنوات الأربع الأخيرة ظاهرة هجرة الأطباء الجزائريين نحو وجهات خارجية مختلفة على رأسها فرنسا بالنظر إلى عدة أسباب وعوامل اجتماعية ومهنية وفق ما يحصرها المختصون.
- الجزائر ترفض ضغوط أوروبا في ملف الهجرة السرية: لن نكون شرطيا لكم
- للحد من ظاهرة "الحرقة".. اتفاق جزائري إسباني على هجرة "منتظمة"
وكشفت عمادة أطباء الجزائر لـ"العين الإخبارية" عما أسمته "التزايد الرهيب" في أعداد الأطباء "المطالبين للهجرة" أو كما يصفه كثيرون بـ"نزيف الأطباء".
وتحدثت عن تلقيها منذ بداية العام أكثر من 4 آلاف طلب من أطباء في مختلف التخصصات للعمل خارج البلاد، من خلال طلبات استخراج شهادات العمل وشهادات أخرى تثبت ممارسة مهنة الطب في الجزائر وأخرى ترتبط بحسن السيرة.
وتشير الأرقام الرسمية في الجزائر إلى هجرة أزيد من 28 ألف طبيب من البلاد خلال العقود الثلاثة الأخيرة، أغلبهم اختاروا فرنسا للعمل لما توفره من تسهيلات وامتيازات خاصة للأطباء القادمين من الجزائر بحكم تكوينهم باللغة الفرنسية وخبرتهم الميدانية، ويصل عددهم إلى 15 ألف طبيب، ويشكلون في الوقت 40 % من إجمالي أطباء فرنسا.
"التوهج" الخارجي
وسعت الحكومة الجزائرية منذ تفشي جائحة كورونا في البلاد إلى إعادة النظر في سياساتها الصحية، من خلال التركيز أيضا على الجانب الاجتماعي للأطباء وممارسي المهنة وظروف ممارستهم للمهنة في المستشفيات وتذليل العقبات أمامهم والمرضى، في محاولة لوقف ما تسميه "نزيف قوافل الأطباء".
ويتداول الجزائريون في العديد من المرات عبر منصات التواصل "قصص نجاح" أطباء جزائريين خارج بلادهم، خصوصاً في أوروبا وأمريكا، ونجاحهم في عدة تخصصات طبية ودخولهم العالمي بأبحاث علمية خاصة المرتبطة بإيجاد علاجات لأمراض مستعصية.
ومن بين أولئك السيدة ليليا حبية المختصة في جراحة الفك والوجه، المقيمة في بريطانيا منذ 8 أعوام وتعمل بإحدى مستشفيات لندن.
الطبيبة ليليا تداول الجزائريون قصة نجاحها الصعبة في بريطانيا، وبرز اسمها بشكل أكبر في وسائل الإعلام البريطانية بعد تكريمها من قبل شرطة مدينة "كنت" بعد تدخلها برفقة طاقم طبي لإسعاف سيدة تعرضت للضرب المبرح على يد زوجها.
ولم تكن اللغة الإنجليزية عائقاً أمام تلك الطبيبة الجزائرية التي تعتبرها "تأشيرة إلى كل دول العالم" وليس فرنسا فقط، غير أنها غادرت بلادها بمرارة ظروف ممارسة الطبيب لمهنته.
وحصرتها في إحدى اللقاءات الصحفية في ضعف التكوين الذاتي المتواصل بعد التخصص والإمكانيات الضعيفة داخل المستشفيات، رغم تأكيدها على أهمية التكوين الذي تلقاه الطبيب الجزائري منذ دراسته الجامعية إلى العمل الميداني في المستشفيات.
كما اعتبرت بأن سبب "الترحيب" بالطبيب الجزائري في عدة دول أوروبية وعربية هو "التمكن الذي يكشف عنه في مجاله، والخبرة الميدانية والحماس للعمل".
وتبقى ظاهرة هجرة الأدمغة من الجزائر خصوصاً الأطباء منهم من المشاكل العويصة التي تعاني منها البلاد، وسط عجز الحكومات المتعاقبة عن إيجاد حلول تضمن بقاء كفاءاتها، رغم التفاؤل الذي أبدته السلطات الجزائرية بعودة عدة كفاءات مهاجرة بشروط تكفل "كرامتهم المهنية والاجتماعية" وفق تصريحات مسؤولين جزائريين.
وكشفت دراسة حديثة مطلع الشهر الحالي للمركز الأمريكي للاستشارات بولاية بوسطن بالتعاون مع شبكة عالمية للتوظيف بعنوان "حركية وأولويات المواهب عام 2021 بالجزائر"، عن أن أغلب الجزائريين المستوجبين "يرغبون في الهجرة".
وأظهرت الدراسة الأمريكية بعد سبر آراء في 190 بلدا بينها 209 آلاف جزائري، أن 83 % منهم يرغبون في تغيير ظروف عملهم بالهجرة خارج البلاد والبحث عن فرص مهنية أكثر جذباً.
4 أسباب ظاهرة
وكشف أخصائيون جزائريون من عمادة الأطباء ومن بعض مستشفيات البلاد لـ"العين الإخبارية" عن أكثر الأسباب التي ساهمت في زيادة نسبة الأطباء المهاجرين أو الراغبين في الهجرة بالجزائر
ومن أبزرها الأسباب الاجتماعية، إذ يؤكد المعنيون بأن الرواتب التي يحصلون عليها أقل بكثير عن طبيعة مهنتهم وتلك الموجودة في دول نامية.
بالإضافة إلى الظروف المهنية الأخرى التي أكد عدد من الأطباء بأنها الدافع الأساسي وراء هجرة الأطباء، إذ يشتكون من نقص الإمكانيات والأجهزة داخل كثير من مستشفيات البلاد، وكذا غياب التكوين في مجال الأجهزة الطبية وتقنيات التكفل الجيد بالمرض والمريض.
فيما يحصر أطباء آخرون أسباب الهجرة في "العوامل المهنية"، ويعتبرون بأن المستشفيات الأوروبية والأمريكية توفر فرص عمل وتكوين أكبر واكتساب خبرة طبية، وإعطاء الأولوية للبحوث الطبية.
بينما يطرح مسؤولون جزائريون في قطاع الصحة أسباباً أخرى، إذ يعتبرون بأن "الجزائر مستهدفة في كفاءاتها وأطبائها تحديدا" من خلال استغلال الظروف المادية والمهنية للأطباء وإغرائهم بمزايا مادية.