صور.. "الفنتازيا" أقدم تراث للحرب بالخيول والبارود في الجزائر
لطالما كانت الجزائر عبر تاريخها محط أطماع الغزاة والمستعمرين منذ آلاف السنين، في مقابل مقاومة شعبية متواصلة لحماية أو تحرير الأرض.
ومنذ آلاف السنين، شهدت الجزائر مرور عدة امبراطوريات وحضارات، كان أبرزها القرطاجيون والنوميديون والرومان والوندال والبيزنطيون والإسبان والعثمانيون والفرنسيون، أو حتى خلال فترة الفتوحات الإسلامية.
- أشعلت السوشيال ميديا بالجزائر.. قصة صورة تناغم فريد بين فارس وجواد
- نثر الحبوب لإطعام الطيور.. عادة إنسانية قديمة تحييها ثلوج الجزائر
وعلى مدار تلك القرون والسنين، قاوم الجزائريون بشراسة القوى التي جاءت للغزو والاستعمار ونهب ثروات أرضهم وتهجيرهم وقتلهم، وكانت أسلحتهم في ذلك الوقت خيول وسيوف وبنادق تُعرف منذ عهد الاحتلال الفرنسي (1830 – 1962) بـ"البارود".
وتشاء الصدف التاريخية أن تتحول أساليب المقاومة تلك إلى تراث جزائري أصيل وفلكلور لا تخلو منه أي مدينة جزائرية يسمى "الفنتازيا" الذي يمجد الحلقات المتواصلة من النضال لحماية واستعادة الأرض.
محاكاة المعارك والنصر
و"الفنتازيا" هي فرق من "الخيّالة" ترتدي ألبسة تقليدية ترمز إلى المقاومة ضد الغزاة، وباتت منذ عشرات السنين فرقاً خاصة لإحياء المناسبات الوطنية والدينية والعائلية مثل حفلات الزواج في بعض المناطق الجزائرية.
يسمى في مدن غرب الجزائر بـ"فن التبوريدة"، ويقصد به فن التحكم في الحصان خلال معارك التحرير التي خاضوها لاستعادة الأرض منذ آلاف السنين، وهي اليوم عادة متوارثة تؤكد أصالة الموروث الشعبي والثقافي لأهل هذا البلد العربي.
وتقام في مختلف مدن الجزائر احتفالات خاصة، في ساحات فسيحة يحاكون بها ميادين المعارك أو الانتصار، لكنها اليوم مساحات مخصصة للتعبير عن الفرح، وتقام حولها خيم تقليدية جزائرية تجمع أهالي المنطقة للاستمتاع بعرض "الفنتازيا".
وهي مناسبة أيضا لإقامة وليمة كبيرة للحاضرين والضيوف، يكون فيها طبق "الكسكسي" "فارس الأكلات التقليدية".
وخلال عرض "الفنتازيا" يقوم الفرسان برص صفوف الخيول، ثم يحشون بنادقهم أو ما تسمى بـ"البارود" بمادة "البارود" وهي بنادق جميلة خشبية ومرصعة بالنقوش، ويرتدون لباساً تقليدياً يسمى بـ"الجلباب والسلهام".
ولهذه الفرقة قائد يسمى "قائد السربة" وهو الذي يعطي إشارة انطلاق الخيول المدربة على العدو، وحينها يردد الفرسان بعض الأهازيج المستمدة من التراث الشعبي الذي يعبر عن أمجاد وبطولات مناطقهم وبلدهم.
ولا يقتصر المظهر على الفرسان فقط، بل تحظى الخيول بنفس القيمة التي تعطى للفارس، من خلال ذلك اللباس الخاص الممثل في السرج الذي تتم خياطته من أثواب رفيعة مع تزيين لجامها بنقوش ذهبية.
تنطلق الخيول كسرب الطيور في سباق بينها بسرعة قصوى، وحين اقترابها من خط النهاية يستعد الفرسان لإطلاق البارود بشكل جماعي بحركات مميزة وغريبة يقولون إنها "معيار نجاح الفارس"، وعند إطلاقها يتخيل الحاضرون وكأنها طلقة واحدة لكونها أطلقت في ثانية واحدة، وسط زغاريد النسوة وتصفيقات وتشجيعات الحاضرين.
ويولي سكان عدة مدن جزائرية أهمية خاصة لـ"الفنتازيا" خاصة في القرى، إذ يدربون أبنائهم منذ سن الـ20 وبشكل مكثف على تقنيات ركوب الخيل وإطلاق البارود، إلى أن يصل إلى درجة المحترف من خلال الألفة التي تتكون بينه وبين فرسه، ويتمكن بعدها من استعراض مهاراته.