الأزمة الأوكرانية.. هل تعوض الجزائر أوروبا عن الغاز الروسي؟
تحركات أوروبية حثيثة نحو شركاء الطاقة لإنقاذها من شبح "الفقر الغازي"، مع غموض يغلف صادرات روسيا، إثر عقوبات بعد الحرب الأوكرانية.
وفي الوقت الذي هددت فيه دول غربية بوقف وارداتها من النفط والغاز الروسييْن، وتلويح ببدائل طاقوية أخرى تعوضها عن "غاز موسكو" في إطار العقوبات الغربية على روسيا عقب عملياتها العسكرية الواسعة في أوكرانيا، يبدو أن "ورطة الطاقة" لم تعد تقتصر على أوروبا فقط، بل حتى على منتجي الغاز، الذين أكد بعضهم "عدم القدرة على تعويض" الصادرات الغازية الروسية نحو أوروبا، والتي تصل إلى نحو 34 % من احتياجات القارة العجوز.
- الجزائر أمام اختيار "صعب".. أموال أوروبا أم صداقة روسيا؟
- زيارة وزير خارجية إيطاليا إلى الجزائر.. ما علاقة الغاز؟
والإثنين، استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو وفق ما أكده بيان للرئاسة الجزائرية حصلت "العين الإخبارية".
ورغم أن بيان رئاسة الجمهورية الجزائرية لم يكشف عن أجندة اللقاء، إلا أن اللافت هو الوفد الذي كان حاضرا في مراسم لقاء تبون مع دي مايو، ويتعلق الأمر بوزير الطاقة والمناجم الجزائري محمد عرقاب، والرئيس المدير العام لعملاق النفط الجزائري، توفيق حكار، بالإضافة إلى وزير الخارجية رمطان لعمامرة.
زيادة إمدادات
وزير الخارجية الإيطالي أدلى، الثلاثاء، بتصريحات جديدة لم "يبُح" بها للإعلام المحلي الجزائري، الاثنين، عندما كشف عن اتفاق الجزائر وروما "على زيادة إمدادات الغاز الجزائرية نحو أوروبا" رغم النفي السابق لشركة سوناطراك النفطية الجزائرية "أي خطوات لزيادة الصادرات نحو أوروبا" أو على الأقل لتعويض تدفقات الغاز الروسي.
وفي تصريحات لتلفزيون "راي" الإيطالي الحكومي، أكد وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو بأن زيارته للجزائر كانت بـ"بهدف زيادة إمدادات الغاز"، ووصف نتائج زيارته للجزائر بأنها "أتت بنتائج جيدة بالفعل"، وأكد على "تكثيف أوروبا جهودها للعثور على إمدادات بديلة في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا".
وكشف عن أن الجزائر "ستدعم إيطاليا في إمدادها بالغاز وستصبح شراكتنا أقوى على المدى القصير والمتوسط والطويل".
كما لفت إلى اعتزامه التوجه لدول أخرى (لم يذكرها) في الأيام المقبلة "للبحث عن صفقات طاقة يمكن أن تساعد إيطاليا في مواجهة التهديد المرتبط بهذا الصراع الذي أطلق شرارته الرئيس الروسي فلاديمير بوتين" على حد تعبيره للقناة التلفزيونية الإيطالية.
تصريحات وزير الخارجية الإيطالي دفعت خبراء الطاقة والتقارير الدولية إلى تسليط الضوء على قدرات خط الأنبوب الغازي الجزائري المسمى "ترانسماد"، وذلك في خضم تصاعد المخاوف الأوروبية من تداعيات توقف الصادرات الغازية الروسية، بالتوازي مع الارتفاع القياسي لأسعار الغاز في الأسواق العالمية، والذي يبقى أيضا هاجساً كبيرا لمستهلكي الغاز.
غير أن للجزائر أنبوباً آخر يربطها بإيطاليا "لم يثر انتباه الإعلام الدولي" – وفق خبراء – قد يكون أحد أوراق أوروبا "الانقاذية" من شبح توقف صادرات الغاز الروسية وهو أنبوب "جالسي" الذي يتوقع أن يبدأ ضخ الغاز خلال النصف الثاني من هذا العام، وفق تقديرات جزائرية سابقة.
"ترانسماد".. شريان غازي نحو أوروبا
و"ترانسماد" هو الأنبوب الغازي "رقم 5" الذي يربط الجزائر بأوروبا، والثاني الذي يوصل الغاز الجزائري إلى إيطاليا وكذا سلوفينيا عبر الأراضي التونسية.
ويصل طوله إلى 2485 كيلومتر، ويضمن تزويد تونس وإيطاليا وسلوفينيا بالغاز الطبيعي، فيما تبلغ طاقته القصوى 110 مليون متر مكعب، بينما ينقل حالياً نحو 60 مليون متر مكعب يومياً من الغاز الجزائري نحو إيطاليا.
أما أحدث أنابيب الغاز المصدرة للغاز الجزائري نحو أوروبا هو "جالسي" الذي يبلغ طوله 534 ميلا، ومن المتوقع أن يبدأ تشغيله خلال النصف الثاني من العام الحالي باتجاه إيطاليا عبر جزيرة سردينيا، ويضمن سعة تقدر بـ238 مليار قدم مكعب سنوياً.
وتعد إيطاليا من أكبر المستخدمين للغاز في أوروبا لتوليد نحو 40 % من استهلاكها الكهربائي، بينما تستود أزيد من 90 % من إجمالي احتياجاتها من الغاز من روسيا والجزائر.
قدرة وتطمينات جزائرية
وفي خضم الأزمة الروسية – الأوكرانية وتداعياتها على أسواق النفط والغاز في العالم، بعثت الجزائر بـ"رسائل مشفرة مزدوجة" بحسب خبراء طاقة، تراوحت بين تطمينات لشركائها الأوروبيين على أن تبقى "الصديق وقت الضيق الغازي"، في مقابل "رفض مبطن" لأن تكون "سلاحاً غازياً في وجه روسيا"، رغم أن كميات انتاجها وصادراتها تؤكد عدم قدرتها (الجزائر) على تعويض تدفقات الغاز الروسي نحو أوروبا.
بداية الرسائل "المشفرة" كانت، الأسبوع الماضي، من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون سواء خلال كلمته أمام الدول المنتجة والمصدرة للغاز في قطر، أو خلال الذكرى الـ51 لتأميم المحروقات.
تبون أبدى استعدادا جزائرياً لـ"المساهمة في الأمن الطاقوي لشركائها من الدول عبر تأمين التموين بالـمحروقات، خاصة من الغاز الطبيعي"، في إشارة ضمنية إلى دول الاتحاد الأوروبي باعتبارها أكبر سوق للنقط الجزائري.
كما كشف عن تسجيل بلاده نموا في الانتاج الأولي من النفط خلال العام الماضي، بلغت نسبته من المحروقات 14 % و23 % بالنسبة للغاز، وهي النسب التي يرى بعض خبراء الطاقة بأنها "تسيل لعاب الأوروبيين" الباحثين عن مخرج لأزمة الغاز الروسي المرتقبة.
وأكد الرئيس عبد المجيد تبون بأن الجزائر "اكتسبت قدرات هائلة، وتتوفر على منشآت صناعية كبيرة في مجال تكرير النفط، والصناعات البتروكيماوية والنقل بالأنابيب والتصدير، لاسيما من خلال خطوط الأنابيب التي تربط بلادنا بقارة أوروبا، وقدرات تمييع الغاز الطبيعي وكذلك ناقلات الغاز الطبيعي الـمسال".
تموين حذر
بالتوازي مع ذلك، أطلقت شركة "سوناطراك" النفطية الجزائرية تطمينات أخرى لشركائها الأوروبيين بأن تكون "الممون الموثوق في الأزمات" لأوروبا بالغاز الطبيعي، في وقت شهدت صادرات الجزائر من انتاج النفط والغاز ارتفاعاً في 2021 بنسبة 5 % .
وفي تصريحات إعلامية، لفت توفيق حكار الرئيس المدير العام لعملاق النفط الجزائري "سوناطراك" بأن أوروبا "سوق الطاقة المفضلة للجزائر نظرا لقربها الجغرافي".
وأكد على أن المجمع الجزائري سيبقى "ممونا موثوقا" للغاز بالنسبة للسوق الأوروبية، وأبدى استعدادا "لدعم شركائها الأوروبيين في الأوقات الصعبة".
إلا أنه ربط إي إمكانيات للتموين الإضافي بالغاز الطبيعي الجزائري نحو السوق الأوروبية بـ"بوفرة كميات من الفائض".
وكشف توفيق حكار بأن الجزائر تساهم بـ11 % من إجمالي ورادات الغاز نحو القارة الأوروبية، في وقت تمثل صادرات الغاز الروسية 34 %.
وأعلن المسؤول الجزائري "أن تموين السوق الأوروبية يتم عبر شبكة الأنابيب التي تتوفر على طاقة دفع تقدر بـ 42 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي والغاز المميع بفضل طاقة إنتاج تتجاوز 50 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي المميع وأسطول مكون من 6 ناقلات".
وأوضح بأن الشركة الجزائرية للمحروقات "تحافظ على علاقات تجارية تاريخية مع شركائها الأوروبيين، خاصة إسبانيا وإيطاليا، الذين يعتبرون سوناطراك موردا موثوقا ًولاعباً مهما واستراتيجياً في سوق الغاز".
كما أكد بأن سوناطراك "لديها قدرة غير مستخدمة على خط أنابيب الغاز عبر البحر الأبيض المتوسط، وإلى إمكانية استخدامها لزيادة الإمدادات إلى السوق الأوروبية".
ولفت أيضا إلى أن عملاق النفط الجزائري "بإمكانه توسيع عملية التوريد نحو البلدان الأوروبية التي لا تورد لها الغاز عبر الأنابيب، وأن هذا الأمر يعتمد على مدى توفر الأحجام الفوائض بعد تلبية طلب السوق الوطنية، إلى جانب الإيفاء بالتزامات المؤسسة التعاقدية تجاه شركائها الأجانب".
في مقابل ذلك، نفت شركة سوناطراك الجزائرية ما تداولته صحيفة "ليبرتي" الجزائرية الناطقة بالفرنسية، والتي تحدثت عن "استعداد الجزائر لزيادة إمدادات الغاز نحو أوروبا".
وأصدرت، الإثنين، الشركة الجزائرية بياناً حصلت "العين الإخبارية" على نسخة منه، عن عنوان خبر صدر في الصحيفة التي أجرت مقابلة مع مديرها توفيق حكار، وكان بعنوان "سوناطراك: نحن على استعداد لزيادة إمدادات الغاز إلى أوروبا"، واعتبرت بأنه عنوان "من وحي الجريدة ولا يتناسب مع محتوى الحوار".
وشددت على أن "سوناطراك لا تتحمل مسؤولية التأويلات التي قامت بها الجريدة فيما يخص هذا الحوار".، ووصفت ما ورد فيه بـ"التضليل والمغالطات المتداولة".
وكانت قناة "النهار" الجزائرية قد ذكرت، مطلع الأسبوع الحالي، نقلا عن مصادر بوزارة الطاقة الجزائرية بأن الجزائر ""أو أي دولة أخرى غير قادرة على تعويض حجم صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا"، في وقت حافظت فيها موسكو لعقود على صدارة الدول الممونة للاتحاد الأوروبي بالغاز، قبل أن تنتقل الجزائر إلى المركز الثاني متفوقة على النرويج بنحو 34 % من حاجيات المجموعة الاقتصادية الأوروبية.
واستندت مصادر القناة الجزائرية في ذلك إلى كمية الصادرات الروسية من الغاز إلى أوروبا والمقدرة سنوياً بـ240 مليار متر مكعب، بينها 190 مليار متر مكعب عبر أنابيب تخترق الأراضي الأوروبية، و50 مليار متر مكعب غاز مميع.
فيما يبلغ "الحد الأقصى" لصادرات الغاز الجزائري نحو أوروبا أكثر من 55 مليار متر مكعب وهي الكمية التي سجلتها الجزائر في 2021.
ويضاف إلى ذلك، فإن الجزائر مرتبطة مع دول الاتحاد الأوروبي بعقود متوسطة وطويلة الأمد بعد مفاوضات شاقة استغرقت نحو 4 سنوات خصوصاً مع روما ومدريد.
وعن حصص الدول الأوروبية من الغاز الطبيعي الجزائري، فتحتل إيطاليا المرتبة الأولى بنسبة 60 %، ثم إسبانيا بـ 20 % ثانية، وفرنسا ثالثة بـ 12 %، والبرتغال رابعة بـ 6 %، وتأتي سلوفينيا في المركز الخامس بـ 1 %.
فيما ترتبط الجزائر وفرنسا باتفاقية لنقل شحنات من الغاز الطبيعي الجزائري منذ مايو/أيار عام 1967، وأجرى عليها الطرفان تعديلات كثيرة.
aXA6IDMuMTQzLjIxOC4xMTUg
جزيرة ام اند امز