أرشيف الاستعمار.. متاهة فرنسية تحيي أمل مفقودي الجزائر
ربما يتمكن القرار الفرنسي بالإفراج عن جزء من الأرشيف من الإجابة على تساؤلات الجزائريين بشأن ذويهم الذين اختفوا خلال الاستعمار.
أحد هذه الأمثلة عن المعتقلين الذين لم يعرف مصيره بعد هو سليمان أصيلة، الذي لم يترك خلفه أثناء اعتقاله سوى حقيبة سفر مستطيلة بنية اللون، كان بداخلها بدلة رمادية اللون، وفرشتا شعر، وأوراق مختلفة وصورة هوية، وفقا لصحيفة "واشنطن بوست".
لعقود من الزمن، قدمت هذه المقتنيات القليلة لأطفال أصيلة، رشيد وسامية، لمحة نادرة عن حياة والدهم.
كان التوأم يبلغان من العمر عامين فقط عام 1957 عندما اعتقلت القوات الفرنسية الطبيب سليمان، البالغ من العمر 33 عامًا، من مكتبه في الجزائر العاصمة.
في السنوات التي تلت ذلك، سعت عائلته للحصول على معلومات حول مكان وجوده، ولكن دون جدوى.
وفي الآونة الأخيرة، كشفت مؤرخة فرنسية عن تحقيق استمر لعقود في قضيته، لكنه لم يكشف عن مصيره.
تعتقد عائلة سليمان آل أصيلة أن بعض الإجابات قد تكمن في الأرشيف المحفوظ في فرنسا.
وخلال الأسبوع الماضي فقط، أقر المشرعون الفرنسيون قانونًا مثيرًا للجدل، سيسهل الوصول إلى جزء من هذا الأرشيف. وهو ما عزز آمال أسر آلاف الجزائريين الذين اختفوا خلال الحرب من أجل الاستقلال أن يقدم لهم هذا القانون بصيص أمل لمعرفة مصير أبنائهم.
بعد أن اتخذت حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون مؤخرًا خطوات للاعتراف الكامل بالانتهاكات التي ارتكبتها فرنسا خلال الصراع الاستعماري، تبدو عائلة سليمان حريصة على معرفة المزيد عن القضية التي تطارد عائلاتهم لأجيال.
وقال رشيد، ابن سليمان، في مقابلة أجريت معه مؤخرا في منزل عائلته بالعاصمة الجزائرية "هذا ما نريد أن نعرفه: ماذا فعلوا بجسده؟ هل اغتالوه؟ هل ألقوا به في البحر؟"
وقال مسؤول فرنسي إن الحكومة "وضعت أدوات مثل دليل رقمي للمفقودين، باللغات الفرنسية والإنجليزية والعربية، لتسهيل البحث عن العائلات التي يمكنها بعد ذلك طلب نسخ من الوثائق بخطاب مكتوب بسيط".
لكن بعض المؤرخين يؤكدون أن التشريع الجديد يمكن في الواقع أن يقيد الوصول إلى بعض الوثائق الأرشيفية، بما في ذلك بعض الوثائق المتعلقة بحرب الجزائر من أجل الاستقلال.
وتقول مليكة رحال، مؤرخة تقيم في فرنسا شاركت في إدارة مشروع لجمع معلومات عن المختفين الجزائريين، بينهم سليمان: "لم نحقق أي انتصار هنا".
ويحذر الباحثون أيضًا من أن التنقل في الأرشيفات الهائلة أمر صعب حتى بالنسبة للمؤرخين المحترفين، وأنه على الرغم من آمال العديد من العائلات، فمن غير المرجح أن تحتوي على اكتشافات كبيرة حول حالات محددة.
وقال العديد من الخبراء إن المسؤولين الفرنسيين ربما لم يسجلوا بانتظام أدلة على أحداث مثل القتل خارج نطاق القضاء، على سبيل المثال.
إذا كانت هذه السجلات موجودة في مكان ما، فقد تكون موجودة في الملاحظات الخاصة للمسؤولين العسكريين السابقين، وليس بالضرورة في المحفوظات الرسمية - مما يجعل الحصول على مثل هذه الوثائق أمرًا صعبًا للغاية.
في مارس/آذار، التقى ماكرون بأحفاد علي بومنجل ، وهو محام جزائري بارز ومناضل من أجل الاستقلال ، وأقر بأنه تعرض "للتعذيب ثم القتل" على أيدي القوات الفرنسية في عام 1957. زعمت السلطات الفرنسية منذ فترة طويلة أنه قتل نفسه.
ساهم تصريح ماكرون بشأن بومنجل - المقترن بتقرير حديث رفيع المستوى بشأن الجزائر - في الشعور بأن فرنسا قد تكون مستعدة أخيرًا لمواجهة سلوكها في الحرب الجزائرية.