الجزائر وفرنسا في 2021.. سحابة تصريحات وتأشيرات تُمطر توترات
بين أزمات الذاكرة والتصريحات والتأشيرات، ارتطمت العلاقات الجزائرية الفرنسية في 2021 بأمواج الخلافات والتصعيد.
عام 2021، كان استثنائياً بكل المقاييس في علاقات الجزائر وباريس الحساسة والمعقدة أصلا، إذ شهد تطورات متلاحقة ومتسارعة بشكل غير مسبوق كانت عنواناً لجملة من التوترات والخلافات قطعت حتى "خيط دبلوماسية الهاتف" بين رئيسي البلدين.
علاقات كان يقول عنها المهتمون بشأنها إنها كانت على مدار العقود الماضية قادرة على صد الصدمات وتجاوز رواسب وآلام الماضي بحسابات المصالح الاقتصادية والتجارية، لكنها لم تكن كذلك في 2021.
ولم تكن تطورات 2021 سحابة صيف كالمعتاد، بل سحابة عام كامل، أمطرت سيولا من التوترات ثم التصعيد الذي انتهى بقطيعة بين البلدين "اللدودين"، لم تتمكن من إخماد لهيب أزمات طفت على سطح علاقاتهما.
وهي الأزمات المتتالية التي أشعلت لهيبها خلافات الذاكرة ثم أزمة التأشيرات إلى تصريحات منسوبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أججت العلاقات مع الجزائر، لتقرر الأخيرة التصعيد غير المسبوق من استدعاء للسفير وغلق المجال الجوي أمام الطيران العسكري، إلى وقف الاتصالات الدبلوماسية.
وتستعرض "العين الإخبارية" أبرز محطات الخلافات بين الجزائر وفرنسا طوال 2021.
أزمة "ستورا"
كل شيء كان قبل 2021 "على ما يرام إلى حد ما" في ميزان العلاقات الدولية بين الجزائر وفرنسا، بل طفت مؤشرات عن مرحلة إيجابية في محور الجزائر – باريس، بعد أن أعلن "الإليزيه" اعتزام ماكرون اتخاذ خطوات جريئة في ملف الذاكرة بين البلدين "دون أن يقدم اعتذارا عن جرائم الماضي الاستعماري.
اتفق الرئيسان الجزائري عبد المجيد تبون والفرنسي إيمانويل ماكرون مطلع العام على إنشاء لجنة مشتركة لبحث إشكالات ملف الذاكرة، كُلف به عن الجانب الفرنسي المؤرخ البارز بنجامين ستورا.
ومن هنا، سقطت أول قطرة في كأس التوتر غير المسبوق بين البلدين، بعد أن أبدت الجزائر في فبراير/شباط الماضي رفضها لتقرير ستورا الذي وصفته بـ"غير الموضوعي والمنحاز"، وانتقدت عدم "اعتراف فرنسا رسمياً بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي اقترفتها خلال احتلالها للجزائر"، وفق ما جاء على لسان مسؤولين جزائريين.
أزمة "كاستيكس"
رد الجزائر على تقرير ستورا كان "غير متوقع" وغير مسبوق في تاريخ علاقاتها مع باريس، إذ قررت إلغاء زيارة رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستيكس التي كانت مقررة في أبريل/نيسان الماضي.
وسائل الإعلام الجزائرية أكدت بأن إلغاء الزيارة يعود لأسباب مرتبطة بخلافات الذاكرة، وكذا لرفض باريس تسليم الجزائر مطلوبين لديها، وكذا الأموال المهربة في البنوك الفرنسية من قبل أركان النظام السابق.
أزمة "عدد التأشيرات"
نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، اصطدمت العلاقات الجزائرية الفرنسية بأزمة أخرى، اصطلح على تسميتها بـ"أزمة التأشيرات" دفعت الجزائر للاحتجاج.
قررت باريس خفض التأشيرات الممنوحة للجزائريين إلى "النصف"، مع تشديد منحها لمواطني المغرب وتونس، وبررت ذلك بـ"رفض هذه الدول إصدار تصاريح قنصلية لاستعادة مواطنيها المتواجدين في فرنسا بشكل غير قانوني".
وعقب ذلك، استدعت الخارجية الجزائرية السفير الفرنسي، وأعربت عن استغرابها لقرار باريس "أحادي الجانب" القاضي بتقليص حصة الجزائريين من تأشيرة الدخول إلى البلد الأوروبي، وأبلغته "اعتراض" الجزائر الرسمي.
وأبدت الخارجية الجزائرية، "استغراب الجزائر من عدم استشارتها من قبل الطرف الفرنسي قبل اتخاذ القرار"، مضيفا أن القرار "أثر سلبا على جودة وانسياب حركة الرعايا الجزائريين في فرنسا".
أزمة "رقم المهاجرين"
وجه آخر لأزمة التأشيرات أطل بعد أيام من ذلك، بعد أن كشفت وسائل الإعلام الفرنسية عن توجه فرنسي لترحيل نحو 8 آلاف جزائري يقيمون بطرق غير قانونية على أراضيها.
رد الرئيس الجزائري على "الرقم الفرنسي" كان نارياً، إذ وصفه بـ"كذبة القرن"، وكشف عن تقديم باريس للجزائر 94 ملفاً فقط لجزائريين مقيمين بطريقة غير شرعية على الأراضي الفرنسية.
واتهم تبون نظيره الفرنسي بـ"استغلال ورقة التأشيرات في حملته الانتخابية"، ووصف تبريرات باريس بـ"الكذبة الكبرى" وبأنها "قضية مدبرة".
أزمة "ماكرون"
أكتوبر/تشرين الأول، دخلت علاقات البلدين مرحلة من التصعيد غير المسبوق، عقب تصريحات مثيرة للرئيس الفرنسي أثارت غضباً جزائرياً.
صحيفة لوموند الفرنسية نقلت تصريحات منسوبة لماكرون اعتبر فيها أن الجزائر قامت بعد استقلالها في 1962 على "إرث من الماضي" حافظ عليه "النظام السياسي العسكري".
وتحدث ماكرون، حسب الصحيفة، عن "تاريخ رسمي أعيدت كتابته بالكامل (...) ولا يستند إلى حقائق" بل إلى "خطاب يقوم على كراهية فرنسا".
ردت الجزائر على ذلك باستدعاء سفيرها في باريس، واصفة تصريحات ماكرون بـ"الاستفزازية" ورفضت التدخل في شؤونها الداخلية.
كما قررت غلق مجالها الجوي أمام الطيران العسكري الفرنسي لدخول ومغادرة منطقة الساحل حيث تنتشر قواتها في إطار عملية برخان.
في المقابل اتهم الرئيس الجزائري نظيره الفرنسي بـ"المتاجرة الانتخابية" في إشارة إلى تصريحاته "العدائية" كما قال.
أزمة "الحركى"
ورقة تصعيد أشهرتها باريس في وجه الجزائر، عقب إقدام الرئيس الفرنسي على تقديم اعتذار من "الحركى" وهم خونة الثورة التحريرية الجزائرية الذين عملوا مع الجيش الفرنسي.
كما قدمت حكومته مشروع قانون أمام البرلمان الفرنسي لتعويضهم والاعتراف بدورهم فيما يسمى بـ"حرب الجزائر".
قطيعة وتقارب حذر
توترات متصاعدة انتهت بـ"تجميد دبلوماسي" من الجانب الجزائري وفق ما ذكرته وسائل إعلام محلية مقربة من دوائر صنع القرار.
وكشفت المصادر الإعلامية عن تعليمات وجهها الرئيس الجزائري بـ"وقع الاتصالات الدبلوماسية بين البلدين وإلغاء الزيارات المتبادلة إلا ما تعلق منها بالاجتماعات الدولية".
إلا أن المتابعين لما يحدث في كواليس العلاقات الجزائرية – الفرنسية "يجزمون" بوجود مؤشرات مضيئة قد تنهي حالة الجمود بين البلدين، كان من أبرزها تصريح الرئيس الجزائري الذي اعتبر فيه بأن انتهاج بلاده "سياسة الندية" مع فرنسا "لا يعني استفزاز باريس".
في المقابل، اقترح وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان ما أسماه "شراكة طموحة مع الجزائر لتجاوز جروح الذاكرة واستعادة الثقة"، واصفاً ما يحدث بـ"سوء الفهم الذي يحدث من حين لآخر".
aXA6IDE4LjExOC4yNC4xNjYg جزيرة ام اند امز