الجزائر 2021.. كارثة حرائق الغابات تُشعل ملاحم التضامن
2021، سنة رمادية اللون مرت على الجزائريين، لتبقى محفورة في ذاكرتهم الجماعية لما حل بهم من حرائق مهولة وغير مسبوقة.
وضربت الجزائر في 2021 حرائق غير مسبوقة تسارعت ألسنة لهيبها لتحتل نصف مساحة البلاد، وتخلف خسائر بشرية ومادية هائلة.
- حرائق الغابات.. تضامن عربي ودولي واسع مع الجزائر
- حرائق غابات الجزائر.. ملحمة التضامن تتحدى ألسنة النيران
وفي بضعة أيام، تصدرت الجزائر منصات الأخبار العالمية ومواقع التواصل الاجتماعي، وسط تضامن عربي ودولي واسع.
وفي خضم حالات الهلع والخوف والحزن التي عاشها الجزائريون، فقد أشعلت تلك الحرائق لهيب التضامن المحلي الواسع مع المناطق المتضررة في صور وملاحم وحدت ألم هذا الشعب العربي على توقيت التكافل الاجتماعي.
وفي الوقت الذي كان يعتقد فيه الكثيرون بأن الأمر مرتبط بـ"ظاهرة طبيعية" ناجمة عن ارتفاع الدرجات القياسي الذي تعدى 40 درجة، إلا أن الحقائق والوقائع التي كشفتها السلطات الجزائرية أكدت أن الكارثة تقف وراءها "ظاهرة إرهابية".
وأكدت السلطات الجزائرية ثبوت تورط حركتي "رشاد" الإخوانية و"الماك" الانفصالية وراء حرائق الغابات، وتمكنت من اعتقال العشرات ممن ثبت وقوفهم وراء إشعالها.
وفي هذا التقرير، تستعرض "العين الإخبارية" قصة حرائق الغابات التي هزت الجزائر خلال 2021.
حرائق متزامنة
أغسطس/آب الماضي، كان شهرا أسود على الجزائريين، بحرائق مهولة ضربت نحو 20 محافظة كاملة، قتلت وأحرقت وخنقت وزادت في درجات الحرارة التي كانت قياسية أصلاً.
بداية الكارثة والجريمة كانت في الأسبوع الأول من أغسطس، عندما اندلعت حرائق هائلة متزامنة وفي توقيت واحد.
خرج حينها رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبدالرحمن ليحسم الجدل حول ما يحدث في البلاد، ويكشف عن وجود "أياد إجرامية" تسببت في تلك الحرائق.
المسؤول الجزائري تحدث أيضاً عن نتائج تحريات أمنية أثبتت بأن الحرائق كانت بـ"فعل إجرامي" شمل 18 ولاية وبلغ عددها حينها 71 حريقاً.
أكثر من أسبوع، عاش خلاله الجزائريون جحيماً على الأرض وفق تعليقاتهم عبر منصات التواصل، متسائلين عن الجهات التي "تملك كل هذا الحقد لإحراق البلاد والعباد" والتي خلفت مقتل ما لا يقل عن 170 شخصاً وخسائر مادية معتبرة.
ليأتي الحسم من السلطات الجزائرية في 18 أغسطس عندما اتهمت رسمياً حركتي "رشاد" الإخوانية و"الماك" الانفصالية، بالوقوف وراء جريمة القتل البشعة لشاب متطوع في إخماد الحرائق، وكذا في حرائق الغابات.
وكشفت الرئاسة الجزائرية في بيان حصلت "العين الإخبارية" على نسخة منه أنه: "بعد تقديم المصالح الأمنية حصيلة للأضرار البشرية والمادية الناجمة عن الحرائق في بعض الولايات، لا سيما ولايتي تيزي وزو وبجاية، أصدر الرئيس تعليماته لجميع القطاعات لمتابعة تقييم الأضرار والتكفل بالمتضررين من الحرائق".
وأكد المجلس الأعلى للأمن بالجزائر بأنه "ثبت ضلوع الحركتين الإرهابيتين (الماك) و(رشاد) في إشعالها، وكذا تورطهما في اغتيال المرحوم جمال بن سماعيل".
كما قرر المجلس المجتمع في جلسة طارئة زيادة على التكفل بالمصابين، تكثيف المصالح الأمنية لجهودها من أجل إلقاء القبض على باقي المتورطين في الجريمتين وكل المنتمين للحركتين الإرهابيتين.
وشدد على أنهما "تهددان الأمن العام والوحدة الوطنية" وتعهد بمواصلة التحرك الأمني "إلى غاية استئصالهما جذريا، لا سيما (الماك) التي تتلقى الدعم والمساعدة من أطراف أجنبية".
ملاحم تضامن
جريمة وكارثة وإن حققت أهدافها "الإجرامية"، إلا أنها عجزت عن أكبر هدف سعت لتحقيقه وهو "إحداث الفتنة بين الجزائريين" بحسب ردود أفعالهم الواردة في مواقع التواصل الاجتماعي.
خلال تلك الأيام العشرة التي كانت بحجم شهر كامل، صنع الجزائريون ملاحم تضامن أبهروا بها العالم، وأسكتوا بها أبواق الفتنة، على حد تعبير مسؤولين جزائريين.
ومن أزمتهم وُلدت همتهم، حملت خلالها كل منطقة والكثير من العائلات لواء مساندة ودعم أهالي المناطق المتضررة والمنكوبة من الحرائق.
وبتحشيد منظم وتلقائي، تحرك مئات الجزائريين بقوافل مساعدات نحو المناطق المتضررة من الحرائق، وبحملات تبرع لم تخل منها معظم قرى ومدن البلاد.
ومن كل حدب وصوب، تقاطرت على الأهالي المفجوعة في أقاربها وممتلكاتها كل أنواع الدعم الشعبي، رسمت مشاهد ومشاعر "ملحمة تضامن" مع مناطق عزلتها الحرائق عن عالمها الخارجي.
وتسببت الحرائق المهولة في انقطاع شبكات الكهرباء والغاز والمياه والإنترنت والهاتف، وحتى احتراق المحاصيل الزراعية والمواد الغذائية، فيما باتت عشرات العائلات في العراء بعد احتراق منازلها أو خوفاً من عودة النيران.
كارثة مكتملة الأركان حاصرها واحتواها الجزائريون بملاحم تضامن تجند لها المئات من معظم المدن وحتى من خارج البلاد مع الجالية بالمهجر، شارك بها الفقير قبل الغني، وسقطت معها ألقاب النجوم ليتحول كل مشارك في حملات التضامن إلى نجم لا يقل عن نجوم الرياضة والفن الذين هبوا أيضاً لمساعدة أهالي المدن والقرى المتضررة من حرائق غابات الجزائر.
وتعددت عناوين وطرق التضامن الشعبي لكنها أبانت عن هذا الشعب العربي على امتصاص الصدمات أوقات الأزمات.
و"من خيرك يعيش غيرك" و"اليد في اليد" و"الجزائر واحدة"، انتعشت مظاهر التكافل الاجتماعي في عز الحرائق، قاد بعضها شباب في مقتبل العمر، كما تجندت لها جمعيات ومنظمات لم تكن خيرية فقط، بل اقتصادية وحتى حقوقية.
وتحولت مختلف شوارع البلاد إلى مناطق لجمع التبرعات للمناطق المتضررة من الحرائق، كما سارع مئات الجزائريين بوسائلهم الخاصة لنقل مساعدات عاجلة لأهالي المدن المتضررة، خصوصا المياه المعدنية والأغطية والأفرشة والخيم، ومختلف أنواع المواد الغذائية، حتى حفاضات الأطفال والأدوية وكل ما يحتاجه الإنسان في هذا الظرف الصعب.
وتعدى التضامن الجزائري إلى الجالية بالمهجر التي جمعت تبرعات مالية تعدت قيمتها مليون يورو في ظرف يومين.
كما توحدت الجالية الجزائرية بمختلف دول العالم في هشتاق "#صلوا_من_أجل_الجزائر (#prayforAlgeria)، أكدوا من خلاله ارتباطهم الروحي بوطنهم مهما كانت ظروفه، ودعوا من خلاله إلى تكثيف حملات التبرع لإرسالها إلى المناطق المتضررة.