هاشتاق لإنقاذ الآلاف من كورونا في الجزائر.. "لا أستطيع التنفس"
من القاتل؟ قبضة كورونا أم طمع سماسرة الأكسجين؟ لم يكن ذلك تساؤلا بل "صرخة غضب" صدحت في الجزائر.
صرخة شعبية دوّت وزلزلت مواقع التواصل الاجتماعي بالجزائر بهاشتاقات بدأت بغضب لتتحول إلى مصدر لإنقاذ أرواح آلاف المصابين بفيروس كورونا "العالقين" في غرف الإنعاش في عدد كبير من مستشفيات البلاد.
- كورونا يخنق الجزائر.. أعلى حصيلة إصابات ووفيات
- "دلتا كورونا" تتوغل في الجزائر.. إغلاق المساجد بـ35 محافظة
وشهدت الجزائر في الأسابيع الأخيرة ارتفاعاً قياسياً وغير مسبوق منذ تفشي جائحة كورونا في البلاد نهاية فبراير/شباط 2020 في عدد الإصابات وحتى الوفيات اليومية، معظمها من "دلتا كورونا المتحور" التي وصلت إلى 70% من إجمالي متحورات كورونا في الجزائر وفق تأكيدات رسمية.
لا أستطيع التنفس
"لا أستطيع التنفس" أول هاشتاق اجتاح مواقع التواصل الاجتماعي عقب ما سجلته كثير من مستشفيات الجزائر من ندرة للأكسجين.
ندرة تسببت في وفاة عدد كبير من المرضى بـ"ليلة واحدة" عدة مرات، فاقت الـ18 حالة وفاة كما حدث بمستشفيات تلمسان وسكيكدة وغيرها.
وفي ظل تشبع عدة مراكز استشفائية بإصابات كورونا وخروج الوضع عن السيطرة ببعض المحافظات، تحركت آلة مواقع التواصل استغاثة وغضباً.
غضب لم يكن مفهوما سببه حتى عند رواد مواقع التواصل، كانت بدايته بحملات استهجان وغضب مما اعتبروه "فشل السلطات الجزائرية في تسيير الموجة الثالثة من جائحة كورونا" وكذا على ما سموه "عدم قدرتها على توفير الأكسجين لإنقاذ أرواح مرضى كورونا".
لكن سرعان ما اتضحت الحقيقة بحسب الرواد ذاتهم، من كان وراء كارثة ندرة الأكسجين "سماسرة الأزمات".
سماسرة الأكسجين
وعبر هاشتاق "لا أستطيع التنفس" فضح آلاف الجزائريين عبر منصات التواصل انتهازية أشخاص استثمروا في أزمة كورونا الجديدة، من خلال نشر فيديوهات وصور لأشخاص "ادعوا" إصابتهم بفيروس كورونا أو واحد من أهاليهم للحصول على عدد كبير من قوارير الأكسجين بثمن 30 ألف دينار (222 دولارا)، قبل أن يقوموا بإعادة بيعها لأهالي المصابين بأسعار مضاعفة بدأت عند 100 ألف دينار (742 دولارا) قبل أن يصعد سعر القارورة الواحدة إلى أزيد من 200 ألف دينار (1485 دولارا).
انتهازية تسببت في ندرة الأكسجين مع تزايد الضغط على مولداتها في المستشفيات بحسب تأكيدات رسمية، خصوصاً بعد أن أظهرت حالات كثيرة من إصابات كورونا في الجزائر حاجتها الملحة للأكسجين.
ولم تهدأ حملة الغضب والاستغاثة الشعبية عبر منصات التواصل، ووجدت صداها عند السلطات الرسمية والصحية الجزائرية التي أكدت "عدم وجود ندرة في الأكسجين"، وسط اتهامات أيضا لـ"الثورة المضادة" باستغلال جائحة كورونا كما حدث في أزمات أخرى منها السيولة المالية والمياه والكهرباء وحرائق الغابات التي عصفت بالجزائر منذ السنة الماضية.
بينما أقر الاتحاد الجزائري للأطباء بأن أزمة الأكسجين في الجزائر مردها "سوء التوزيع وسوء التسيير والاستعمال المكثف لهذه المادة الحيوية جراء انتشار متحور دلتا في الجزائر".
وشن الجزائريون عبر منصات التواصل حملات فضح واستياء عبر منصات التواصل، واتهموا "سماسرة الأكسجين" بالتسبب في قتل العشرات، وبات يصطلح عليهم بـ"الإرهابيين" و"مصاصي الدماء".
حملة "كأنما أحيا الناس جميعا"
حملة أيضا وجدت صداها الشعبي، بعد الهبة الشعبية الكبيرة التي سجلتها معظم محافظات البلاد، تجلت في حملات تبرع واسعة عقب إطلاق نشطاء هاشتاج "ومن أحياها كأنما أحيا الناس جميعا".
وهي الحملة التي تمكنت في ظرف قياسي من جمع مليارات الدينارات في أقل من أسبوع في عدة محافظات لشراء محطات توليد الأكسجين، وهي الحملة التي شارك بها رجال أعمال محليون تطوع كثير منهم بالمحطات للمستشفيات.
وكان لافتاً في هذه الحملة دعوتها الجزائريين لـ"تجاوز الانتقادات وتحميل المسؤولية لأي طرف"، مؤكدة على أن "الكل مسؤول ومعني لإنقاذ أرواح مصابي كورونا".
وأظهرت صور تداولها جزائريون عبر مواقع التواصل حملات تبرع الجزائريين في عدة ولايات، بينها أموال وحتى المجوهرات.
وهي الحملة التي حققت نجاحاً كبيرا عقب فيديوهات الاستغاثة التي نشرها عدد من أهالي المصابين وهم في حالات انهيار نفسي ويطالبون بتوفير الأكسجين لعائلاتهم وإنقاذهم من الموت.
إجراءات عاجلة
في هذه الأثناء، أعلنت الحكومة الجزائرية عن حزمة قرارات استعجالية لمواجهة التفشي الرهيب لمتحور "دلتا" في البلاد، وقررت استيراد كميات هائلة من الأكسجين لتدعيم الإنتاج المحلي قدرت كميتها بـ15 ألف مكثف كإجراء استعجالي.
كما تقرر اقتناء 10 وحدات ذاتية الإنتاج من الإنتاج للأوكسجين قدرتها بين 30 ألف إلى 40 ألف لتر، على أن يتم توزيعها على مستشفيات المحافظات الكبرى.
وكشف رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبدالرحمن عن اقتناء الجزائر 9 ملايين جرعة لقاح ضد كورونا لحد الآن، فيما تتواصل المفاوضات لاقتناء المزيد منها.
ودعا أيضا إلى "تجنب التهويل والانسياق وراء الأخبار الكاذبة حول الوضعية الوبائية في الجزائر".
والجمعة، تسلمت الجزائر 750 جهاز تكثيف أوكسجين من بين 3 آلاف وحدة سيتم اقتنائها على دفعات من الاتحاد الأوروبي.
وكشف وزير الصناعات الصيدلانية الجزائري لطفي بن باحمد في تصريحات إعلامية إلى تحقيق الجزائر "قفزة نوعية" في إنتاج الأكسجين، بعد أن سجل ارتفاعاً من 120 ألف لتر إلى 500 ألف لتر يومياً.
كما أوضح أن عملية إنتاج الأكسجين الطبي ارتفعت بفضل أحد الخواص الذي قال إنه "دعم المنتوج الوطني بـ50 ألف لتر بعد أن كان إجمالي الإنتاج المحلي في اليوم يقدر بـ450 ألف لتر".
ومن بين أسباب تذبذب حصول المستشفيات على مادة الأكسجين الطبي، أشار الوزير الجزائري إلى وجود مشكل في التوزيع ناجم عن عدم توفر بعض المستشفيات على أماكن للتخزين، وهو ما حتم توزيع الأكسجين بشكل يومي لتلبية احتياجاتها المتزايدة من هذه المادة الحيوية الطبية.
حملة تهويل
في السياق، انتقدت وزارة الصحة الجزائرية ما وصفته بـ"حملات التهويل التي أثرت على نفسية الجزائريين وأحدثت موجة هلع غير مبررة"، في إشارة إلى بث بعض النشطاء "فيديوهات مفبركة" عن "وفاة جماعية للمرضى ملقين على الأرض" ببعض مستشفيات البلاد.
وأصدرت الوزارة الجزائرية بياناً حصلت "العين الإخبارية" على نسخة منه، أكدت فيه أنه "في ظل الظروف الصحية الاستثنائية التي تعيشها الجزائر منذ ظهور فيروس كورونا، وبسبب الارتفاع المقلق والمحسوس في عدد الإصابات خلال هذه الأيام، الأمر الذي أثر بشكل كبير على نفسية مواطنينا في الوقت الراهن وكذا على المدى المتوسط والطويل".
وأشارت إلى إنشائها "منظومة مرافقة نفسية للسكان عموماً وللأشخاص المصابين بفيروس كورونا وأسرهم وكذا مهنيي القطاع"، وكذا "فوج خبراء في مجال المرافقة النفسية في وقت الكارثة منذ عدة أشهر بوزارة الصحة".
ودعت الجميع لـ"توخي الحذر لما يشاع عبر مواقع التواصل الاجتماعي والصفحات غير الرسمية"، مؤكدة بأن "الدولة لن تدخر جهدا في هذا الظرف الصحي".
بدورها، دعت "سلطة ضبط السمعي البصري" الحكومة في الجزائر (الهيئة المشرفة على مضامين الإعلام) إلى ما أسمته "عدم التركيز المفرط على الأخبار السلبية لتفادي بث الذعر واليأس في أوساط المجتمع".
كما طلبت من وسائل الإعلام المحلية "التحلي بالتوازن في الموضوعية في تغطياتها" لجائحة كورونا في الجزائر.
حالة الطوارئ
في هذه الأثناء ومع ندرة الأكسجين وتسجيل ارتفاع قياسي في عدد الإصابات والوفيات اليومية بكورونا في الجزائر، دعا أخصائيون إلى إعلان حالة الطوارئ الصحية في البلاد.
واعتبر "اتحاد الأطباء الجزائريين" بأن الوضعية الوبائية في الجزائر وصلت إلى "الدرجة الحرجة"، لكنه أكد على "إمكانية استدراك والسيطرة على الوضع وتفادي انهيار المنظومة الصحية".
وأشار الاتحاد إلى أن أعراض "دلتا المتحور" باتت تظهر حتى على الأطفال الرضع من بينها الزكام، مع عدم تسجيل حالات اختناق عند الأطفال.
وشدد الاتحاد الطبي الجزائري على ضرورة اتخاذ "خطوة استباقية من باب الوقاية" وإعلان حالة الطوارئ الصحية، والتي حددها في "تجنيد الجميع وأن يكونوا مجبرين وعلى استعداد للتقيد بالإجراءات الاحترازية الصارمة" وكذا "فرض حجر منزلي شامل".