في ذكراها الـ60.. هل حققت الجزائر آمال "ثورة التحرير"؟
في الذكرى الـ60 لاستقلال الجزائر، يراوح سؤال الحضور والغياب الفرنسي مكانه، ما طرح على الساحة سؤالا بشأن ما إذا كانت البلاد قد حققت آمال ثورة التحرير.
سؤال يرافق احتفال الجزائريين بعيد استقلال بلادهم الـ60، وهم معتزون ومستذكرون لتضحيات مليون ونصف المليون شهيد خلال ثورة التحرير، وملايين الشهداء الذين سقطوا خلال احتلال فرنسا للجزائر على مدار 132 سنة.
- بحضور "ذو القرنين".. عرض عسكري في الجزائر غاب 3 عقود
- العيد الـ60 لاستقلال الجزائر.. 3 محطات بارزة بعهد 8 رؤساء
تساؤل أعاد طرحه حزب "صوت الشعب" الجزائري عبر ندوة نظمها، الإثنين، بحضور عدد كبير من الأكاديميين والباحثين والمؤرخين ومن قدماء المحاربين بعنوان "هل تحقق حلم الشهداء؟".
وتباينت قراءاتهم ومواقفهم إزاء تحقيق حلم الشهداء، بين من رأى أن 60 عاما على الاستقلال "هو الحلم بحد ذاته"، وبين من يرى "أن الجزائر حققت إنجازات كبيرة لكنها أخفقت في الإقلاع الاقتصادي"، بينما اعتبرت بعض المداخلات بأن "حلم الشهداء لن يتحقق إلا بعد الطلاق الكامل مع كل الموروث الفرنسي" في إشارة إلى اللغة الفرنسية، بينما تحدث البعض بنظرة تشاؤمية مستدلين على "ظاهرة الهجرة غير الشرعية المتزايدة في السنوات الأخيرة".
وفي 5 يوليو/تموز عام 1962، أعلن رسمياً عن استقلال الجزائر، عقب ثورة مسلحة قادت إلى مفاوضات سرية وعلنية توجت بوقف إطلاق النار في مارس/آذار 1962، ثم استفتاء على تقرير المصير، انتهى بتصويت الأغلبية الساحقة من الجزائريين على استقلال بلادهم عن فرنسا.
وأُعلن رسمياً عن نتائج الاستفتاء في 3 يوليو/تموز 1962، إلا أن الحكومة الجزائرية قررت إعلان الاستقلال رسمياً في 5 يوليو/تموز 1962 لمحو ذاكرة يوم احتلال فرنسا للجزائر الذي كان أيضا في 5 يوليو/تموز عام 1830.
سؤال أعادت طرحه "العين الإخبارية" على سياسي ومؤرخ جزائرييْن، وحتى وإن اختلفت قراءاتهما لجزائر الاستقلال بين تحقيق حلم الشهداء من عدمه، إلا أن تحليلاتهما التقت عند ما تحقق خلال 6 عقود من استرجاع الجزائر سيادتها الوطنية، وكذا ما يجب أن يتحقق ليكون "مستقبل الجزائر على قدر دماء الشهداء".
روح جديدة
الباحث والمؤرخ الكتور عامر رخيلة اعتبر أن تحقيق حلم شهداء الثورة الجزائرية "هو أجمل سؤال يطرح، وهو سؤال كبير كان مطروحاً منذ 1962 إلى غاية اليوم".
وقال -في حديث مع "العين الإخبارية"- إن "منذ الاستقلال وإلى غاية اليوم حققنا مكاسب، ما لا يقل عن 11 مليونا من أصل 44 مليون جزائري هم جامعيون، والجامعات الجزائرية لا يقل عدد طلابها عن المليون، والاقتصاد الجزائري اليوم بالرغم من كل عيوبه الهيكلية إلا أنه اقتصاد متين مقارنة باقتصاديات العديد من الدول، وحتى بالرغم من استمرار الاعتماد على عائدات النفط التي أبقت الاقتصاد الجزائرية رهينة للأسواق العالمية".
ومع ذلك، عاد الدكتور عامر رخيلة للتأكيد على أن "المكاسب والإنجازات التي تحققت إيجابية ومستحقة للشعب الجزائري، ولكن طموحات الجزائريين في العديد من مناحي الحياة لا سيما في الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية من حيث الرفاه ما زالت شغله الشاغل، ولا يمكننا القول إننا حققنا ما كان ينبغي تحقيقه في ظل الوفرة المالية التي عرفتها البلاد في عقود سابقة".
"الاستثناء"
إلا أن الباحث والمؤرخ "استثنى" المؤسسة العسكرية من "تقييم مرحلة الاستقلال"، وأرجع ذلك إلى أن "المؤسسة العسكرية في نظامها وإمكانياتها والتحديات التي تواجهها ظلت بعيدة عن التجاذبات والتأثيرات التي تعرضت لها بقية القطاعات".
وتابع قائلا: "ولا عجب أن نجد اليوم القوات الجزائرية يحسب لها ألف حساب، من خلال تطورها التقني ومسايرة تكنولوجيا الأسلحة، كل ذلك يجعلنا نقول إن تقييم الوضعية العسكرية شيء، والتقييم العام للمجتمع شيء آخر".
وأكد على "نجاح الجزائر في بناء جيش نظامي عصري واحترافي يساير المتغيرات الحاصلة، والمؤسسة العسكرية تمكنت من تحقيق الأهداف المرسومة لها تكويناً وتسليحاً وتقنياً وتواجدا".
رسالة أمل
الدكتور لمين عصماني رئيس حزب "صوت الشعب" بدأ الإجابة عن السؤال بالقول: "أنا ابن جيل الاستقلال وخريج الجامعة الجزائرية، (..) وبفضل آبائنا وأجدادنا الذين ضحوا، فإنني اليوم منتوج جزائري خالص هوية وعلماً وبيئة، وأنا فخور بانتمائي للجزائر".
لكنه عاد ليقول في تصريح لـ"العين الإخبارية": "إلا أن السؤال (هل تحققت آمال التحرير؟) يحتاج إلى فرصة تأمل وتقييم مع الذات والضمير، وبصفتي من جيل الاستقلال، أرى بأننا لم نكن في مستوى تحقيق حلم الشهداء، والآن وجب علينا الاستدراك، واجبنا أن نساهم كما كانوا من أقل منا سنا ممن صنعوا الثورة المجيدة التي تعتبر من أعظم الثورات في العالم في القرن الـ20".
وأشار رئيس حزب "صوت الشعب" الذي يشغل أيضا منصب أستاذ في العلوم السياسية بجامعة الجزائر إلى أن الرئيس الجزائري الحالي "يريد أن يحرك الأمور بشكل إيجابي، وهناك قوى تريد أن تعرقل، وأخرى تريد الانخراط، وهناك قوى تتفرج، ونتمنى أن قوى الخير تنتصر على قوى الشر".
وأبدى عصماني تفاؤلا بمستقبل الجزائر لـ"تحقيق حلم الشهداء"، وأوضح ذلك بالقول: "هناك أمل، أن نكون في مستوى الرهان، وللجزائر المناعة في الدفاع عن الوطن، ولكن يجب علينا أن نواكب التغيرات الكبيرة التي يعيشها العالم من تحصيل علمي واقتصادي، ونسرع في تجسيد مشاريع حلم الشهيد، والذهاب إلى دولة عصرية وقوية، يتمتع أبناؤها بحياة مريحة".